-->

صناديق العودة / بقلم : محمود خطري حمدي

منذ بداية التسعينات كان الجميع يحدوه الامل في قرب موعد الاستفتاء والذي كان يعني
لنا جميعا خيار الاستقلال والعودة الى الوطن السليب ، كنت وقتها لا ازال صغيرا وبدأت ذاكرتي تتشكل وتتفتح على مصطلحات جديدة بعد ان كان مثبتة على اخبار الشهداء وهم سيقطون يوميا على ارض الوطن وصوت الاذاعة الوطنية يجلجل باسمائهم واسماء المعارك البطولية لجيش التحرير الشعبي والغنائم المغنومة من جيش الاحتلال ، وفجاة بدأنا نتأقلم مع مسلسل جديد يدعى مخطط التسوية ....
وفي يوم من أيام الله وفوق أرض الحمادة القاحلة وقفت على أمي وخالي وهما يصنعان صندوقا كبيرا من بقايا البراميل فاجأت أمي بسؤال طفولي بسيط ماهذا ياأمي ؟
اجابتني دون تردد : انه صندوق العودة الى الوطن ، في هذا العام سنعود الى الوطن الذي سرق منا ، سنعود ياولدي ان شاء الله الى مدينة العيون اين منزل والدك أو الى مدينة السمارة اين تركت أنا منزلي ، في هذا الصندوق سنجمع أغراضنا ونترك شمس" لحمادة " وراءنا ،سوف ننسى اللجوء ونشاهد البحر وننعم بالوطن ونلتقي بالاهل ، سوف تلتقي باختك واعمامك الذين لم ترهم ولا تعرفهم سوف وسوف .....هرولت الى اصدقائي حافي القدمين، كدت أطير من الفرحة ورحت أقفز من النشوة والحلم يتراقص أمامي وأنا انادي على أصدقائي ،أتسمعون انها صناديق العودة سوف نعود هذا العام الى الوطن ، كنت أصرخ فيما كان أصدقائي يجلسون تحت ظل بيت طيني يشاهدون شاحنة كبيرة تقيس حجم الخيم وبدلا من ان اخبرهم بخبر الصندوق صرت أسال ماهذا ؟
أجاب احدهم : انهم يقيسون حجم الخيم وكم تستطيع الشاحنة ان تحمل من خيمة في حالة العودة الى الوطن ،صرت أطيرو أنزل كمن يشعر بنشوة الانتصار ، وأنا أيضا أهلي يصنعون صندوقا للعودة أجابوا جميعا بصوت واحد ونحن أيضا .
كان الحديث في المخيم والشارع والرابوني والنواحي وحتى ملاعب الاطفال ، يدور حول الاستقلال والعودة الى الوطن ، الى أن كبرنا قليلا وأدركنا أن الاحتلال ادخلنا لعبة كبيرة وقذرة لا يتقنها الا هو ، وأمام العراقيل والمماطلات صارت صناديق العودة مخزنا للمواد الغذائية وغيرها من الاغراض لا يتذكرها الناس الا في حالات المطر أين يضعون أشياءهم الثمينة كي لا تضيع .
والان وبعد كل هذه السنوات ، وبعدما كبرنا وكبرت التجربة ، صرنا لا نصدق شيئا ، حتى سنة الحسم مرت علينا كأن لم تمر ، ببساطة لان لاشيء في الافق ، سوى الاعتماد على الله ثم على عرق البسطاء من هذا الشعب ، والذين بسذاجتهم ظلوا يطرحون نفس السؤال هل هذا هو عام الحسم ؟ وحين تعجز عن اقناعهم لان بعض القادة قال هذا ، يظنون أنك تخفي شيئا ما .
والان أقول لكل من كان يسألني عن عام الحسم ، عذرا على عدم قدرتي على اقناعكم ، بأنها كانت مجرد مزحة أو كذبة أكبر من السماء بقليل ، أو بأسلوب مهذب كانت خطأ سياسيا فادحا ، ظل العدو بوسائل دعايته يجرنا اليه حتى وقفنا على السراب " الله لاايحشمنا ".
وفي الختام لا أريد أن أزرع اليأس في نفوس الناس ، لانني على يقين من صدق نوايا هذا الشعب ، وندرة صموده ،وروعة دمه وعرقه ، كلها عوامل سوف " تحسم " ارادته ،وفرض ما كنا نحلم به في الصغر ، وأن نمد أجسامنا جسرا لصناديق العودة كي تحكي للوطن قصة هذا الشعب الرائع ، وتعبر بنا لحمادة نحو أرض مازالت تنتظرباذن الله يوم الحسم ، بالمصطلح الحقيقي لا السياسي

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *