-->

لم نعد نعرف الصديق من العدو

قبلنا أن دخول موريتانيا الحرب ضد الشعب الصحراوي وتقسيمها لأرضه مع المغرب
كان خطأ داداهي، كما يبرره بعض الساسة الموريتانيين،بعد أجماع معظم النخب الموريتانية المدنية والعسكرية على أنها خاطئة في دخولها حرب الصحراء ، مما يدفع الكثير من الصحراويين إلى التشكيك في صدق نية موريتانيا إنهاء حرب الأشقاء ، حجتهم في ذالك عدم اكتفاء الشناقطة بأزيد من 35 سنة بعد اتفاق السلام مع جبهة البوليساريو الموقع في 5 غشت 1979 بالجزائر لتستخلص العبرة و تصحح خطأها التاريخي ؟ وتعترف اعترافا حقيقيا بالدولة الصحراوية ، وليس اعتراف مجاملة .
إذا افترضنا جدلا أن اللجنة العسكرية التي أطاحت بالمختار ولد داداه ، أجبرت على توقيع اتفاقية السلام مع جبهة البوليساريو ، بعد تكثيف مقاتلي الجبهة لضرباتها الموجعة وبضغط من الشارع الموريتاني وتفاقم الأزمة الاقتصادية وتراجع الدعم السعودي بالسلاح بعد الانقلاب ، إذ لم يعد من بد غير البحث عن حل يخرجها من ورطة الصحراء الغربية ، لان وسائلها آنذاك محدودة وان اللجنة العسكرية غير مرغوب فيها على المستوى الدولي بسبب قيامها بانقلاب عسكري، هذه الأمور كلها دفعت إلى إبرام الاتفاقية ، رغم أن هناك من أشقائنا من لا يشاطرنا هذه الفرضية ، لكن هذه هي الحقيقة التي لا يجب إنكارها .
موريتانيا الرسمية لم تخرج من ارض الصحراء الغربية عن قناعة تامة ،حسب الكثير من المهتمين بشان الصحراوي نظرا لموقفها المبهم والغامض والغير مفهوم من قضية الصحراء الغربية، بعد خروجها من حرب الأشقاء واعترافها بالدولة الصحراوية، صحيح أوقفت الحرب والتزمت باتفاقية السلام حتى الآن ، لكنها لم تفعل اعترافها ولم توضح موقفها ، مرة تميل إلى اليمين واغلب الأحيان إلى اليسار ، لا هي اعترفت بالدولة الصحراوية ، ولا مالت ميلا كاملا للمحتل المغربي ، مازالت منحازة للجانب الخطأ .
لا ننكر أن موريتانيا طرف معني بالنزاع ، بحكم الجوار وارتباطها بالقضية ،وانسياقها وراء المصيدة المغربية، التي دفعت بها إلى حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل ، لكن في المقابل نستطيع بكل ثقة أن نقول" باعنا أشقائنا من خلفنا ونحن لا ندري بثمن بخص لعدو الأمس ، ولا غرابة في ذالك لان الأشقاء لم يستطيعوا حتى الآن تجاوز (خلافات الماضي) ، مما جعل موقف موريتانيا ما زال يراوح مكانه منذ اتفاقية السلام ، لم يشفع لنا عندها الجوار ولا الدين ولا المصاهرة ولا التاريخ المشترك، كلها عوامل تجعلنا اقرب من غيرنا ، لنجد أنفسنا في خندق الأعداء ، حركة مد وجزر حسب كل مرحلة وتزامنا مع ظروف كل انقلاب ،ما ذنبنا حتى نصبح رهينة علاقاتها مع دول الجوار، تبتز الحليف وتساوم العدو على حساب قضيتنا ونحن اقرب إليها من حبل الوريد، لا نطالب موريتانيا التوأم بأكثر من مسك العصا من الوسط .
أظن أن من حقنا أن نغضب لهذا التجاهل ،وأن نعيب على أشقائنا عدم تطييب خاطرنا وإنصافنا فالتاريخ لا يرحم، حتى لا يبرر البعض غزو موريتانيا الداداهية لأرضنا ، هناك عدة نقاط يمكن استقراؤها من مذكرات الرئيس الراحل مختار ولد داداه ومن خلال ردود الفعل والقراءات الغير دقيقة لمجريات الأمور ، وكذا تصريحاته التي اتسمت بالمغالطات والادعاءات التي لا أساس لها ، لتكون حجة له أو عليه .
المختار ولد محمدن ولد داداه من مواليد 1924 ببوتلميت ، حاصل على شهادة المحاماة ،انتخب لأول مرة رئيسا لموريتانيا في سنة 1961 ثم أعيد انتخابه في 66 , 71 ثم 76 قبل أن تتم الإطاحة به في انقلاب 10 من يوليو 1978 ، نفي إلى تونس ثم إلى فرنسا وعاد إلى نواكشوط في يوليو 2001،يعتبره الموريتانيون مؤسس الدولة الموريتانية الحديثة ، ويعتبره الفرنسيون رجل (شارل ديكول) ، حرب الصحراء نقطة سوداء في تاريخ الرجل وخطوة غير محسوبة العواقب .
يقول في لقائه مع قناة الجزيرة الذي أجراه معه الصحفي سامي أكليب في شقته في مدينة نيس الفرنسية ، انه لما بدأت فكرة الاستقلال تتبلور في ذهنه، كان وجهاء موريتانيا وشيوخ القبائل يفضلون بقاء موريتانيا تحت المظلة الفرنسية عن استقلالها ، لأنهم كانوا متيقنين أن خروج فرنسا سيؤدي إلى اجتياح مغربي ولا طاقة لهم بالدفاع عن أرضهم ، تماما مثلما حصل بعد خروج اسبانيا من الصحراء الغربية إلا أن الوجهاء في الصحراء الغربية قالوا عكس ذالك، لأنهم لم يفكروا في التوسع المغربي، وصمموا على إخراج اسبانيا بقوة السلاح ، مما يدل أن الخطر واحد والعدو مشترك ، وفي سؤال عن علاقته بالحسن الثاني قال " في البداية كنت متحفظا نظرا لأطماعه التاريخية في موريتانيا ، وأضاف " بعد تقسيمنا للصحراء الغربية كان وفيا لالتزاماته ، وفي جانب أخر من حديثه قال أن الاتفاق السري على تقسيم الصحراء الغربية مع المغرب لم يكن يعلم به إلا الرئيس الجزائري هواري بومدين ، الذي كان ( يسعى إلى مثل هذا التقارب )؟ حسب قوله ، واشترط فقط أن نتفق مع المغرب ، ثم ما لبث أن غير موقفه عندما نقض المغرب الاتفاق مع الجزائر حول الحدود بين البلدين ،في تناقض تام لما ذكره في مذكراته أن الراحل بومدين كان يقول لكل منهما على انفراد أن الجزائر لا أطماع لها في الصحراء الغربية ، وأكد ذالك بقوله أن الرجل لم يكن راضيا على اتفاق مدريد الذي أجاز تقسيم الصحراء وانه كان يفضل بقائها تحت الاستعمار الاسباني عن تقسيمها.
في مستهل لقائه مع سامي أكليب قال "أن الحسن الثاني كان يتعامل مع العقيد ألقذافي بشيء من الاستعلاء ، مما جعل ألقذافي يميل أكثر إلى الموقف الموريتاني الصحراوي ، وان هذا الأخير حاول شراء بعض المناطق لموريتانيا لحل مشكلة الصحراء ، ( لأنه حسب قوله كان يعتقد أن الصحراويين والموريتانيين شعب واحد) في تجاهل تام لموقف القذافي من قضية الصحراء الغربية ودعمه لها منذ الوهلة الأولى ، وأضاف " أن موريتانيا كانت في البداية تفضل الحياد ، لكن اعتراف المغرب لها بحقها في الصحراء الغربية ، جعلها تقبل بالاتفاق معه على تقسيم الصحراء ، ونتساءل نحن عن أي حق يتحدث فخامة الرئيس ، وفي تناقض تام نسي الرئيس أن موريتانيا تقدمت للأمم المتحدة مدعية السيادة على الصحراء الغربية قبل أن يوافق المغرب على اقتسام التركة معها ، ، و قال في جواب آخر انه يؤمن بأن من حق الشعوب المستعمرة أن تتحرر (ما يتناقض مع ما قام به في الصحراء الغربية ).
في جانب من حديثه قال أن بومدين هدده في بشار وقال له أن لم تقف بجانب الصحراويين سنتحرك عسكريا ضدك ، فأجابه أنه يرى أن مصلحة موريتانيا تكمن في تقسيم الصحراء مع المغرب ،كما قال أن الجزائر وراء الانقلاب الذي أطاح به وان فرنسا دعمت الانقلاب في تناقض تام مع ما صرح به احد ضباطه المخلصين (ولد لكحل ) بان فرنسا أخبرته بوقوع الانقلاب وبأسماء الضباط الانقلابيين قبل ذالك بأسبوع .
وقال في مذكراته أن الدول العربية، رفضت في مؤتمر لبنان الاعتراف بموريتانيا كدولة مستقلة خوفا من إزعاج المغرب التي كانت تطالب بموريتانيا ، تماما مثل ما يحصل مع الصحراء الغربية حاليا ، وأضاف أن السعودية والإمارات والكويت دعمت موريتانيا بسخاء في حرب الصحراء الغربية ، وان مصر قدمت لهم مساعدة رمزية ، وقال أن الحسن الثاني اعتقد أن مطالبة موريتانيا بالصحراء الغربية ،لم تكن بالنسبة لنا إلا وسيلة ضغط على المغرب لحمله على الاعتراف باستقلالنا ، في تناقض مكشوف لان المغرب اعترف بموريتانيا قبل مطالبة موريتانيا بالصحراء الغربية وقبل قرار محكمة العدل الدولية في 16 أكتوبر 1975 الذي فندت فيه محكمة لاهي أي سيادة للمغرب وموريتانيا على الصحراء الغربية.
بعد هذه التصريحات استخلصنا أن نية الرجل كانت مبيتة ،أراد من خلالها إرضاء الرباط وباريس والقفز على عقدة مطالبة المغرب بموريتانيا ،على حساب بلد جار تتقاسم معه موريتانيا الكثير ، كما اتضح لنا من خلال حديثه أن العدو مشترك ، لكن الأخ الأكبر فضل الارتماء في أحضانه بدلا من الوقوف بجانب شقيقه، كما لاحظنا الكثير من المغالطات و التضليل، والافتراء على الآخرين ،جعلنا نفهم سبب تقنع الرئيس وغزوه للصحراء الغربية التي لا مبرر لها ، اعتمادا على قراءتنا لتجارب مازالت حية ،علاوة على ما صرح به السفير السابق والكاتب الكبير احمد باب مسكة نقلا عن برنامج ضيف وقضية (قناة الوطنية) إذ قال أن مذكرات الرئيس الراحل ولد داداه مجرد تبريرات لما قام به وانه كان مجرد موظف عند الإدارة الفرنسية يأتمر بأوامرها.
لا يهم ما ستؤول إليه العلاقات الموريتانية الصحراوية في المستقبل لان ذالك تحصيل حاصل ،المهم هو معرفة العدو من الصديق في وقت اختلفت فيه المفاهيم وقل فيه من يسمي الأشياء بمسمياتها ، اثنان لا ينساهما المرء من أعانك ومن أعان عليك .
لسنا دعاة حرب ولا فتنة ولكن سعيا منا للتوضيح للأجيال القادمة فالتاريخ لا يرحم ،والأيام بيننا
بقلم الغيث ولد امبيريك

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *