-->

مثقفـــــــو المغرب و" الوق وقة" في خم دجاج المخزن


في سنة 2007م كنت أبحث في مقالات وأثار المفكر محمد عابد الجباري فعثرت على مقالة له يكتب فيها أن حضر شخصيا لعملية إنزال العلم المغربي من فوق بنايات مدينة تندوف الجزائرية في نهاية الاربعينات. ظننت أن الأمر مجرد زلة لسان، لكن، بعد ذلك، أكتشت أن الرجل، رغم الهالة العبقرية الكبيرة التي تحيطه، خاصة كلما تعلق الأمر بالفكر والتفكير، قد وضع لفكره سقفا واطئا لا يستطيع أن يتحداه: لا يستطيع أن يخرج بفكره وثقافته عن ما يقول المخزن. فإذا قال المخزن أن تندوف " مغربية" يقول هو نفس الشيء.

الأمر تكرر مع الأديب الطاهر بن جلون، الذي يضع هو، أيضا، لفكره مقياسا وهو ما يقول المخزن: يقول أن تندوف مغربية.. نحن هنا نتحدث عن تندوف ولا نتحدث عن الصحراء الغربية المحتلة من طرف المغرب..
ترسخت لدي قناعة أن المفكرين والمثقفين المغاربة يضعون لفكرهم وثقافتهم حدا وهو أنهم، بسبب ثقافة القمع والخوف التي ترسخت في دمائهم وفي أمخاخهم من السلطة ، لا يستطيعون الخروج عن ما يقول المخزن حتى لو كان يتنافى مع الحقائق والتاريخ والعقل والمنطق.. فحين يقول المخزن أن السماء تثلج في غشت في الصحراء يقولون هم، أيضا، نعم سيدي، إنها تُثلج في غشت، وحين يقول ديك المخزن " واق واق" يتحولون هم، كذلك، إلى دجاجات تكرر " الوقوقة" صوتيا .. بعدها أنتهت القصة، وتم طي الملف في ذهني. أقتنعت أن المثقف المغربي لا يستطيع أن يخرج عن خم المخزن، ولا عن تقديس ما يقول الملك.. 
مرة ماضية، منذ حوالي شهر، كنت أتصفح مواقع المخزن فعثرت على مقال لمثقف وصحفي مغربي يعمل في التلفزيون الإيطالي اسمه زهير الواسيني، وذكر أن البوليساريو هي "وهم"، ونشرت مقاله في مدونتي الخاصة كنموذج أن المثقف المغربي لا يستطيع أن يتعدى السقف الذي وضعه المخزن فوق رأسه.. كتب لي ذلك الصحفي رسالة الكترونية يحتج فيها، ويقول أنه " لم يكن يكن يقصد ذلك، وأنه وضع كلمة " وهم" بين مزدوجتين، وأنني أنا فهمت خطأ، وأنه هو لا يتفق مع سياسة المخزن. كتبت له رسالة أعتذر له فيها، وظننت أنني فعلا أخطأت بحقه ج حقه وحده وليس حق المثقفين المغاربة- ما دام وضع كلمة " وهم" بين مزدوجتين، وحتى أنني تمنيت أن يكون الأخ زهير خرج من خم دجاج المخزن وتحول إلى بلبل يغني بحرية في ايطاليا بدل أن يبقى دجاجة " تقوقي" في الرباط..
لكن مرة أخرى أنبرى الأخ زهير يكتب بعد قرار مجلس الأمن. في الحقيقة تمنيت صادقا أن يخيب ظني فيه، لكن يبدو أنه عاد " ليوقوق" في خم المخزن ويستعمل عباراته ويدافع عن عقليته وعقيدته في قضية الصحراء الغربية المحتلة، وهذه المرة دون أن يضع المزدوجتين مثلما فعل مع كلمة " بوليساريو وهم" في مقاله السابق.. حين كنت أقرأه تذكرت ما كان يقوله هتلر عن اليهود- المقارنة هنا هي مقارنة معتقدات ثقافية- : "يذهبون من عندك مقتنعين اليوم ثم حين تلتقيهم غدا تجدهم قد عادوا إلى ما كانوا مقتنعين به أول أمس". وحتى لا أظلم السي زهير، أذكره أنه، في مقاله: الدجاجة التي تبيض ذهبا" المنشور في جريدة المخزن هسبريس، يتفق مع المخزن في فيما يلي: - يقول زهير: ومع احترامي لرأي الإخوة الذين يدافعون عن أطروحة الانفصال، فإنه لا يوجد شخص في الأمم المتحدة لا يعرف أن النزاع هو وليد صراع جيوبوليتيكي معقد بين المغرب والجزائر.."
ياخي زهير حين تتحدث عن "اطروحة الانفصال" فأنت تتفق مع ما يقول المخزن. لا يوجد انفصال، يوجد شعب اسمه الشعب الصحراوي ولا علاقة له بالمغرب لا تاريخيا ولا جغرافيا. لن اشرح لك أكثر، فأنت تعرف هذا وتعرف ان جد جدك لم تطأ قدمه الصحراء الغربية في حياته، وان محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة ووو تقول ان المغرب لا سيادة له على الصحراء الغربية..
تقول ان الصراع هو وليد صراع جيوبوليتيكي. الصراع، في الحقيقة، هو صراع بين الشعب الصحراوي والمخزن الذي يحتل الصحراء الغربية بالقوة. أما إذا أرت ان تقول أو تعتقد أنه صراع بين المغرب والجزائر، وهذا حقك، فعليك أن تقول أنه صراع بين الجزائر وفرنسا ما دامت الجزائر تدافع عن حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، وفرنسا تدافع عن "حق" المغرب في احتلال الصحراء الغربية بالقوة. 
يقول زهير: " كي مون تحدث عن "الاحتلال" لكي يعطي شرعية لمن سيرفع السلاح في وجه المغرب..هذا كل ما في الأمر؛ هو يريدها حربا ضروسا تشنها البوليساريو على دولة عضو في الأمم المتحدة، مع معرفته الأكيدة بأن قرارا خطيرا بهذا الحجم لا يمكنه أن يتأتى بدون ضوء أخضر جزائري." هذا كلام المخزن يا زهير. المغرب قوة احتلال ولا تحتاج لبان كي يؤكد ذلك، وانت تعرف أن مخزنك قوة أحتلال، ثم أن المغرب، حتى لو كان عضوا في مجلس الأمن، هذا لا يعطيه شرعية ولا حصانة حتى لا يتم رفع لاسلاح في وجهه ما دام قوة محتلة وغازية لأرض شعب آخر.. أما إذا كان الضوء الأخضر يأتي من الجزائر فاي ضوء يأتي من باريس، وبماذا تفسر الفيتو الفرنسي المرفوع في مجلس الأمن للدفاع عن المغرب..
يقول زهير: نعتقد أن بلادنا تغيرت كثيرا، وأننا وإن لم نكن ديمقراطية كاملة فإن هامش الحرية توسع كثيرا. كل المواضيع يمكننا أن نناقشها بدون خوف وقضية الصحراء لم تعد طابوها. هذا واقع لا يمكن إنكاره.. أكثر من ذلك يمكننا أن نعترف بأن إشكاليات "القضية الوطنية" ساهمت في تسريع وتيرة الإصلاحات السياسية بخلق تلاحم كبير بين مختلف مؤسسات البلاد."
لو كان هناك هامش حرية واسع أتحداك ان لا تقول ما يقول المخزن.. وكنتيجة لذلك عدت مرة أخرى وأخيرة إلى قناعتي أن عقلية وثقافة المثقف المغربي هي أسيرة ثقافة وعقيدة المخزن. 
السيد حمدي يحظيه

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *