-->

العلاقات المغربية مع دول الخليج هل هي مصلحيه ذاتية أم ذات طبيعة إستراتيجية دائمة


عرفت زيارة ملك المغرب محمد السادس إلي دول الخليج ومنها قطر والإمارات تغطية إعلامية مكثفة وعرفت توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية والتعاونية في كافة المجالات تقريبا ,هذه الزيارة التي تعتبر امتدادا طبيعيا ربما لزيارة التاريخية التي قام بها الملك المغربي إلي الرياض في العام المنصرم والتقي فيها بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز,وهذا تأكيد علي أن العلاقات بين المملكة المغربية وأنظمة دول الخليج التي تعتبر في مجملها ذات طبيعة ملكية وتخضع لسلطة استبدادية ثيوقراطية في مضمونها,هي علاقات وطيدة وستستمر طويلا وتعتبر صمام أمان لهذه الدول في مواجهة ثورات الربيع العربي التي أطاحت بعروش أنظمة عربية دكتاتورية تسلطية وقمعية ,ويري العديد من المتابعين لتطور هذه العلاقات التي أخذت أبعاد أمنية وعسكرية بعد أن تم ضم المغرب إلي التحالف العربي العدواني علي اليمن الشقيق وكذلك إلي قوات التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب والذي شكل بضوء اخضر أمريكي غربي صهيوني,فالأستاذ جابر عصفور المحلل والخبير العسكري يري بان المغرب يحتاج في هذه الفترة إلي دول الخليج والتي تمتلك رؤوس أموال استثمارية كبيرة ويمكنها ضخ المليارات من الدولارات في المنظومة الاقتصادية المغربية وكذلك فان هذه الدول تستطيع تحمل جزء من صفقات المغرب العسكرية مع دول كأمريكا وفرنسا أو من خلال دعم الصناعات العسكرية المغربية حيث ذكرت مجلة الأمن والدفاع نقلا عن موقع ديفنس اندس تري ديلي أن الرياض ستدعم تطوير صناعة عسكرية مغربية من خلال اقتناء براءات تصنيع أسلحة دفاعية,بالإضافة إلي توفير خبرة صيانة الأسلحة وقد تم تخصيص مبلغ مالي ضخم ,حتى سنة 2019من اجل إتمام ذلك المشروع,ليس هذا كل ما في الأمر حيث أن المغرب والسعودية يعتمدان علي شركات صناعة الأسلحة الغربية والفرنسية علي وجه التحديد,بما في ذلك شركة تاليس الفرنسية والتي سبق للجيش المغربي أن وقع معها صفقة عسكرية ضخمة,يحصل بموجبها المغرب علي أقمار صناعية لمراقبة الحدود بالإضافة إلي شركة ايرباص وبومبرادلي,فالعلاقات العسكرية والأمنية لم تقتصر علي هذا الجانب بل تعداه إلي مشاركة الجيش المغربي في مناورة رعد الشمال التي شاركت فيها كل جيوش دول الخليج تقريبا ,وهذا يدل علي أن المغرب أصبح جزءا فاعلا في المنظومة العسكرية لهذه الدول فدول الخليج تريد الاستفادة من القوة العددية لهذا الجيش الذي يعد اقوي سابع جيش عربي إضافة إلي انه يقع في شمال إفريقيا ويمكن أن يساعد دول الخليج وعلي رأسها السعودية في أن تتوغل في المغرب العربي وفي عمق إفريقيا التي للمغرب استثمارات اقتصادية وزراعية هامة فيها.
-ولا ننسي كذلك أن دول الخليج قد ضمت كلا من المملكة الأردنية والمغربية إلي دول مجلس التعاون الخليجي في بداية هذا العام وهو يحمل دلالة سياسية ذات قيمة كبيرة إذ يؤشر إلي بداية مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية الإستراتيجية بين هذه الدول وهذا ما سينعكس علي منظومة الأمن القومي العربي ويغير الكثير من المسلمات والمفاهيم الراسخة في الوعي الجمعي السياسي العربي والتي ارسي دعائمها الزعيم المصري جمال عبد الناصر والجزائري هوارى بومدين والتي تعتبر إسرائيل كيانا مغتصبا يجب القضاء عليه وتدعم المقاومة المشروعة ضد الاحتلال الأجنبي للأراضي العربية ,فسيطرت المال الخليجي علي السياسة العربية ومؤسساتها السيادية كالجامعة العربية والذي كان من إفرازاته تصنيف حزب الله اللبناني الذي له تاريخ حافل في مقارعة إسرائيل كمنظمة إرهابية وتسهيل احتلال العراق من قبل الأمريكان والعدوان الغاشم علي اليمن والتأمر ودعم الإرهاب في ليبيا وتونس وسوريا كل ذلك تم بالتنسيق والتعاون الكامل بين دول الخليج والمغرب وأنظمة عربية أخرى لا تستطيع مواجهة الغرب لان بقاءها وشرعيتها مستمدة منهم,فالعلاقات المغربية الخليجية التي حرص الملك المغربي الراحل الحسن الثاني علي أن تكون في حدود سياسية معينة وضمن إطار جغرافي ومصلحي واضح المعالم ,ولكن الملك الحالي محمد السادس ذهب بعيدا في هذا المضمار واتخذ من هذه الدول وإمكانياتها المالية الضخمة وعلاقاتها الإقليمية الدولية حصان طروادة الذي سيمكنه من التحايل علي مقررات ومواثيق الأمم المتحدة في ما يتعلق بملف الصحراء الغربية والتي تعتبر قضية تصفية استعمار من طرف الهيئات والمنظمات الدولية الفاعلة منذ سنة 1963,فالسعودية ومن وراءها المنظومة والمال الخليجي سخرت وسائل إعلامها من اجل التأكيد علي مغربية الصحراء الغربية وبان من ينكرون ذلك إنما هم أعداء ومندسون ومتآمرون مع دول تعتبرها السعودية دولا غير صديقة أو عدوة ومنها الجزائر والتي تتبني مواقف ثابتة فيما يخص الملف السوري واليمني ورفضت وصم حزب الله بإرهاب أو التدخل في الشؤون الداخلية لدول كالعراق ولبنان وتدعم قضية الصحراء الغربية من نفس المنطلق الذي تدعم فيه القضية الفلسطينية التي تأمر المغرب مع دول الخليج ضدها منذ هزيمة 1967ووقائع التاريخ ودلائله تؤكد ذلك بما لا يدع مجالا للشك ,فالغطاء والضوء الأخضر الأمريكي الذي يرعي مثل هذه العلاقة السياسية والأمنية ويباركها من مصلحته أن تستمر حتى بعد أن بدأت عدة مصادر وكتاب أعمدة في أمريكا أمثال توماس فيردمان يؤكدون علي أن واشنطن ستنسحب من منطقة الشرق الأوسط ولن تهتم بها مثلما فعلت في السابق لعدة اعتبارات وعوامل جغرافية واقتصادية وجيواستراتيجية لا يتسع المجال لذكرها,ومع ذلك لن تتخلى عن دعم هذه الأنظمة الملكية الوظيفة التي كان لها دور كبير في رعايتها ودعمها بل في صناعتها كذلك,فهذه الأنظمة التي تقوم علي حكم الفرد الواحد أو العصبية القبلية والتي تستمد شرعيتها ليس من دعم الطبقة الشعبية كما هو الحال في كل الأنظمة الديمقراطية التوافقية وإنما تستمد شرعيتها من العشائر ودعم الاوليغارشية ورجال الدين,فحتى الإصلاحات السياسية التي ادخلها الملك المغربي محمد السادس علي تركيبة نظامه والتي منحت صلاحيات واسعة لرئيس وزراءه وصياغة دستور وسع من مجال عمل فعاليات المجتمع المدني وكرس حقوق الإنسان وحرية التعبير,ولكن مع ذلك فان منظمات حقوقية كهيومن رايس واتش و منظمة العفو الدولية أو منظمة السلام الأخضر تري بان المغرب قام بمثل هذه الإصلاحات التي لا معني لها من اجل ذر الرماد في العيون والتغطية علي انتهاكاته الفظيعة في مجال حقوق الإنسان وخاصة في المناطق الصحراوية المحاذية لحدود الصحراء الغربية المحتلة ,وكل هذه الانتهاكات والتي تعتبر أدوات وأساليب مشتركة بين نظام المخزن المغربي وأنظمة دول الخليج السياسية والتي لها دور فعال في قمع كل أنواع التظاهرات أو الحركات السياسية أو المدنية.
فهذه الدول تمنع إنشاء الأحزاب السياسية ولا تعترف بالجمعيات السياسية كإطار سياسي شرعي من اجل الوصول إلي السلطة ,فالتحالفات التي عقدتها فيما بينها من اجل تقوية نفوذها الإقليمي وتمتين جبهتها الداخلية وتقويتها في مواجهة أي ثورات محلية قد تقلب أنظمة الحكم الملكية فيها ,والمغرب باعتباره قد أصبح ضمن هذا التكتل فان عليه الالتزام بقواعده وعدم مخالفاتها والتي من أهمها العمل علي قمع أي ثورة عربية ينتج عنها ,أنظمة تحارب هذه المنظومة وتطيح بأركانها,لم تقتصر العلاقات المغربية الخليجية عند هذا الحد بل تعدته إلي إنشاء لجان سياسية واقتصادية تكون مهمتها الرئيسية التنسيق فيما بينها من اجل الخروج برؤية موحدة لمستقبل العلاقات الثنائية بين دول كالسعودية والمغرب وربما القمة التي عقدت في السعودية في شهر ابريل 2016والتي تأخرت لوقت طويل والتي انبثق عنها تشكيل تحالف استراتيجي بين الدول الخليجية والمغرب وتعهد هذه الدول وقادتها بالدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب في وجه الأخطار والتهديدات الخارجية ,رغم أن المغرب ليس له أعداء حقيقيون بل وهميون في منطقته الجغرافية فالمزايدات السياسية التي بات واضحا أن النظام المغربي يحاول إقناع نفسه بوجودها من اجل تصدير مشاكله وأزماته الداخلية والذهاب بعيدا في صراعه مع جيرانه الإقليميين ,السعودية التي تعد اكبر واهم الدول الخليجية والتي تعاني من أزمة مالية خانقة حاليا بسبب انخفاض أسعار النفط في السوق العالمية تحاول بعث عدة رسائل بتحالفها مع النظام المغربي ربما أهمها أنها لن تدعه وحيدا في مواجهة الضغوط الدولية والأممية فيما يتعلق بمشاكله المتعلقة باستعماره لدولة جارة معترف بها من عدد كبير من الدول التي هي عضو في الأمم المتحدة وكذلك فان الرياض ستحاول أن تجد لها مناطق نفوذ في المغرب العربي بعد أن خسرت الكثير من مواقع نفوذها في الشرق الأوسط ,والمغرب سيكون المنفذ والداعم وربما الوكيل لدول الخليج والسعودية في تسيير مصالحها في هذه المنطقة الحيوية من العالم والتي تعتبر بوابة إفريقيا الغنية بالثروات الطبيعية والمعدنية,إضافة إلي أن الإمارات وقطر والسعودية تحتاج إلي المغرب أكثر من أي وقت مضى في ضبط الوضع الأمني المتردي في ليبيا والتي تحولت إلي دولة فاشلة تهدد هذه الدول من خلال انتشار الإرهاب الأعمى الذي يهدد امن واستقرار ليس منطقة المغرب العربي لوحدها بل حتى دول الخليج والعمليات التي حدثت في دول خليجية كالكويت وكان وراءها أناس تدربوا وتعلموا في ليبيا علي يد منظمات كداعش والقاعدة اكبر دليل علي أن الإرهاب المتنقل بين الدول العربية بات الهاجس الأعظم لأنظمة هذه الدول الملكية والتي دعمته في مناطق وبلدان عربية أخرى في الشرق الأوسط وغيرها,فالمصالح المتغلغلة لهذه الأنظمة وارتباطاتها المصيرية مع نظام المخزن المغربي يعتبر الإرهاب اكبر تهديد لوجودها وكياناتها كدول والتي لن تجد لها دعما شعبيا ,في حال تعرضت إلي هجوم إرهابي يهدف إلي الإطاحة بها لأنها فاسدة حتى النخاع,وبالتالي فان التحالف الاستراتيجي والعلاقات القائمة بين المغرب ودول الخليج تعتبر مهمة في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية التي تواجه هذه الدول مجتمعة في محيط عربي وإقليمي متقلب وغير مستقر كما يري العديد من المحللين ,ولكن التباينات والاختلافات الجوهرية والعائلية التي تعرفها أنظمة هذه الدول تهدد بتفكك هذه الوحدة وانهيار هذه المنظومة كلية ,فالرؤية السياسية البعيدة المدى لقادة هذه الدول إن أرادت الحفاظ علي وحدتها واستمرار تحالفاتها يجب أن تكون مبنية علي إصلاح هيكلي عميق في بنيتها السياسية والاعتماد علي الدعم الشعبي والذي لن يحدث إلا بتحولها إلي أنظمة ملكية دستورية علي غرار دول غربية كالسويد أو اسبانيا أو البرتغال وإلا فان الفناء والزوال سيكون مصيرها النهائي ولن تنفعها كل التكتلات والمنظمات التي تحاول إقامتها من اجل الحفاظ علي بقاءها واستمراريتها فالمغرب وهذه الدول الخليجية ليست بعيدة عن أي مضاعفات سياسية في حال نشوب اضطرابات داخلية ,ورغم كل هذه المخاوف إلا أن العلاقات بينها ستشهد تطورا ونموا مضطردا وطبعا بدعم غربي أمريكي صهيوني واضح لهذه العلاقات لأنها تخدم مصالحها وأهدافها في المنطقة بالتأكيد.
عميرة أيسر-كاتب جزائري

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *