-->

مسار التحرير وضباب الأولويات


لا ضير في التذكير الدائم باسباب الحراك الوطني في المجتمع الصحراوي الذي بدأ بحركة تحرير الصحراء أو الحركة الجنينية كما يسميها بعض الرواة وصولا إلى الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، وكلها ظهرت للوجود في سعي لخدمة وتحقيق أهداف وتطلعات الشعب الصحراوي، ولاضرر ايضا من الإشارة إلى أن الحركات الوطنية على قلتها ليس لها من مبرر للوجود إلا تلك الاهداف والتطلعات لأن الصحراء الغربية لم تحظ بعد بنعمة الحرية والإستقلال ليكون هناك من أسباب أخرى للحراك والتنوع السياسي.
هذا المخاض الوطني وتدبيره وسياساته من أجل تجسيد تلك الاهداف وتقريب تلك التطلعات، وبعد صمت البنادق سنة 1991 إلتزاما بخطة إفريقية أممية، أدى إلى ما نحن عليه الان من واقع سمته التشرد والمرارة وتقسيم الأرض بين محرر ومحتل، وواقع سياسي آخر إرتهن التحرير من عدمه منذ ما يقرب من ستة وعشرين سنة لم يتزحزح فيها المحتل قيد أنملة عن ما يسيطر عليه من ترابنا الوطني ولم نتراجع نحن عن حقوقنا ومطالبنا ولكن الامور على أرض الواقع بقيت على ماهي عليه فلا الارض تحررت ولا المشردين عادوا ولا الواقعين تحت الاحتلال تمتعوا بثمرة مهما كانت لأي من تلك السياسات أو الجهود المبذولة.
الزمن يمضي بلا توقف، لا ينتظر ولا يتمهل، والحياة في سيرورة مستمرة لاتعرف هي الاخرى الكبح او التأني وبالطبيعة ينتج عن كل ذلك تراكمات ونتائج قد تكون غريبة أو غير مرغوبة في ميزان المنطق العادي ولكنها أكثر من طبيعية في ميزان منطق الإنتظار الطويل الغير محسوب أو الغير متوقع. وفي الخضم المتلاطم من النتائج المفاجئة في واقع خارج عن التحكم ولو إلى حد ما تتداخل الأولويات ويصعب ترتيبها بشكل يسمح بمعالجتها بما يخدم الاهداف المنشودة، وربما يتم التعاطي والتعامل مع غايات ومشاكل تبدو ظاهريا تستحق العناء لكنها في جوهر الأمر يمكن أن تنتظر هذا إن لم تكن ثانوية.
هل وقعت معركتنا الوطنية في شرك التيه عن معرفة الاولويات؟ قد يبدو السؤال ساذجا أو يدعو للإستخفاف، لكن ذلك لا يمنع من التأمل والتفكير فيه، والتأكد من الجواب عنه. وإذا أفترضنا أن الجواب نفي ألا يحق لنا التدقيق في ما نتعامل معه من مشكلات ونعالجه من معضلات، هل هي فعلا ما يجب التعارك معه أو البحث له عن حلول. في حالتنا ووفقا للمنطق الطبيعي لا يجب إستنزاف الجهد وبذله إلا في ما سيؤدي إلى تحرير الأرض سواء من منظور العوز والحاجة إلى ذلك أو تجسيدا وتطبيقا للغاية التي من أجلها ذاب كل الشعب الصحراوي في الانتماء للحركات الوطنية التي تكلفت بمحض إرادتها بتمكينه من حقه في الحرية والاستقلال. 
وإذا كان في الكلام بعض من العمق قد يعكر الفهم والإستيعاب لدى البعض، فإن المقصود وبكلمات غاية في الوضوح هو أن واقعنا في تقديري لا يجب فيه العراك مع تبديل وزير أو مدير أو سفير، و لايهم كثيرا الذوبان في معركة إنتخابات الهيئات ومحاولة تقوية بناء أجهزة دولة لم تستكمل شروط سيادتها بعد، والحال البائس الذي نحن فيه خاصة في مخيمات اللجوء لا يتطلب من العناية والإهتمام إلا ثلاث قطاعات وهي الصحة والتعليم والمياه عدا ذلك هو تخمة فراغ لم ولن توصلنا إلى أهدافنا التي غادرنا ترابنا سعيا للحصول عليها.
الان وبعد سنوات ليست بالقليلة في مواجهة تراكمات ومعضلات ناتجة عن واقع التعاطي السياسي مع قضيتنا بموجب إتفاقيات صادرة عن منظمات دولية وقارية، وسنوات تم هدرها في معالجات تهتم بواقعنا الداخلي على أرض اللجوء بعيدا عن الارض سواء محررة أو محتلة ألم يحن الوقت لأن نستفيق أو نحاول ونهتم بما هو أول الاولويات ألا وهو تحرير الارض، والسعي نحو ذاك الهدف الذي يشرع بقاء التنظيم حركة سياسية وحيدة تمثل الشعب الصحراوي؟ هل لا يزال الوقت رغم مروره يقبل منا الإستمرار في البحث والعلاج والمعاينة فقط في أمور بعيدة ولو جغرافيا عن الارض الصحراوية؟ هل في تقديرنا لم يحن الوقت للإتجاه بكل الجهد والقوة والقدرة والإمكانيات الموجودة نحو إتجاه واحد لا يخفى علينا أنه به تنتهي كل معاناتنا؟
أسئلة ستجد الإجابة عنها قريبا مع كيفية تعاطي التنظيم الوطني الثوري "الجديد" مع الشبكة المعقدة من التراكمات التي تسود واقع حالنا المتعب، وحينها سيتضح هل إنقشع الضباب لتتضح الامور أم لا يزال يغشى العيون والقلوب بعض من شوق إلى الإستكانة إلى نعمة الهدوء.
حمادي البشير

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *