-->

حركية قراقوش!!


بقلم: الزبير الناجم
مازالت الحركية الأخيرة التي تم اجراؤها علس السلك الدبلوماسي تسيل الكثير من الحبر في الفضاء الازرق والكثير من التندر، من باب "شر البلية ما يضحك" في أوساط الصحراويين في كل مكان. الأسباب كثيرة بالتأكيد، لكن أبرزها هو "السنة الضوئية" التي قضاها الوافد الجديد على الكتابة العامة مع وزيره القديم المتقادم للخارجية في المخاض العسير، والذي زرع الكثير من الآمال لدى العامة بان المولود سيكون على قدر المدة الطويلة، والوعود الرنانة، والاهم ان يكون على قدر التحديات الكبيرة، بل الخطيرة والمفصلية التي تمر بها قضيتنا الوطنية في واجهتها الدبلوماسية. اليوم نقف على مأساة أن جبل الرئيس ووزيره قد تمخض عن فأر تجارب تعيس يحبو متعثرا بين الحياة والموت، أقرب ما يكون الى فأر تجارب، في وقت لا نملك متسعا للتجارب، منه الى أي شيء آخر.
الصدمة كانت عميقة، بسبب الاعتقاد المسبق بأن الرئيس الجديد، الذي خبر العمل الدبلوماسي في مواقع متقدمة وهامة، لديه من الرصيد في معرفة الأشخاص والساحات والاهداف ما يكفي لاتخاذ القرار الصائب في وضع الشخص المناسب في المكان المناسب. بيد أن مرسوم 14 ماي 2017 قد كان تمرينا مثاليا، بامتياز، في اختيار "الشخص غير المناسب للمكان غير المناسب"، مما شكل، في نظر الجميع، أو على الأقل الغالبية، اخفاقا واضحا للرئيس الجديد في أول امتحان حقيقي له في هذا المجال. امتحان، بالنظر الى جسامة المهمة الملقاة على عاتق الدبلوماسية الصحراوية في ظل صمت البنادق، وبسبب حالة اللامبلاة، بل الاستهتار، التي أضحت لازمة ترافق العمل الخارجي، في أغلب ساحاته، خلال المدة الاخيرة. تلك الحالة، التي تصل درجة التفريط البين، أصبحت الآن، وربما كانت في الماضي، مشتركة بين العاملين في الميدان والاوصياء على الملف بمن فيهم الرئيس.
فالحركية الأخيرة، لا تعكس البتة، رغبة في تحقيق الأهداف لا على المدى القريب ولا على المدى البعيد. فالبرازيل، التي تمر بحالة لا استقرار قاد الى تعطيل مؤقت لمسار الاعتراف بالجمهورية الصحراوية، الذي بدا حتميا، ور بما ما يزال، في انتظار متغير قد يحدث في أية لحظة، تم اقبار كل آمال احداث "الاختراق المنتظر" في دولة بوزن قارة، بعد اخراج الدبلوماسي الشاب والمقتدر والذي راكم صداقات على كل المستويات في البلد من المعركة الاهم، وتعيينه في منطقة من اسبانيا، مما يشكل استغناء صريحا عن خدماته وعن ما يمكن أن يقوم به، بناء على تكوينه وحيويته وشبابه، في ساحات أكثر أهمية، حيث لا نملك الكثير من الاطارات القادرة على احداث الفارق المطلوب فيها. نفس الأمر ينطبق على المملكة المتحدة، فبدلا من الاحتفاظ بالممثل الشاب والمقتدر، الذي تربطه صداقة شخصية بزعيم حزب العمال، العائد من بعيد، والمؤهل لرئاسة الحكومة في أي وقت، وحيث نراهن على موقف هذا البلد العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي، قمنا باحداث تغيير "جنوني" بكل المقاييس في احالته الى الدانمارك، وتعويضه بأحد الدبلوماسيين التاريخيين الذي يمتلك كل فرص النجاح في مواقع أخرى وجميع فرص الفشل في لندن.
في الدانمارك، حيث بدأنا نستعد لقطاف سنوات من عمل "النمل المضني" في أفق معركة تطبيق قرار محكمة العدل الأروبية حول الثروات الطبيعية، نقوم بحماقة اخراج الممثل هناك، بعد أن "أسلخاها ايلا الركبة" والزج به في عاصمة الاتحاد الأوروبي وهو لا يتحدث اللغة الرئيسية للبلد المضيف. قد يتعلم بالتأكيد، لكن ترف عقلية "التجارب" لم نعد نملك متسعا من الوقت للعمل به، وتحديدا في الاتحاد الأوروبي، ساحة واحدة من أكبر معاركنا اليوم. الكارثة أن الممثل في بلجيكا، قد زج به في ايرلندا، وهو لا يتكلم اللغة الانجليزية اطلاقا. استغناء صريح عن خدماته وربما دفعه، موضوعيا، لتقاعد مسبق... فتبا لثورة تدفع بمناضليها للتقاعد عن النضال!!
ثم ما ذا عن السويد وما أدراك ما السويد؟ احالة أحد عمداء السلك الدبلوماسي الصحراوي، وأكثرهم قدرة ونزاهة وحرصا على الصالح العام، الى تقاعد مسبق هو الآخر، من خلال تعيينه في بلد أوروبي مهم كألمانيا، لا يتحدث لغته، وحيث المبعوث الشخصي الجديد للأمين العام للأمم المتحدة، وشركة سييمنس المتورطة في استثمارات غير شرعية في الطاقة الهوائية في الصحراء الغربية المحتلة. ماذا عساه يفعل؟ وما ذا ننتظر منه، بعد ان وفرنا له كل فرص الفشل!! رجل في سنه، زاهد في المناصب فعلا لا بالشعارات، يتم الزج به في معركة بدون سلاح!!
وماذا عن النرويج، حيث أكثر حركات التضامن شبابا ونشاطا، وحيث، بعد سنوات من الاحباط، قررت الجمعية العمل بمعزل تام عن مكتب الجبهة في أوسلو. تعيين الشاب الذي تم اختياره كنائب، ممثلا للجبهة في البلد، وتعيين الممثل المعين سفيرا في بلد آخر، أقل حاجة للنشاط والديناميكية كان سيكون خيارا أفضل للممثل وللقضية.
أما هولندا، فحدث ولا حرج!! بلد أوروبي يتخذ شيئا فشيئا مواقف متقدمة من القضية الوطنية، خاصة في جانبها القانوني البالغ الأهمية في هذا الظرف، ويجبر المغرب على التوقيع على اتفاق ثنائي يتعلق بحقوق التقاعد يستثني الصحراء الغربية. بلد سيكون عضوا في مجلس الأمن الدولي العام المقبل 2018، نعين فيه دبلوماسي لا يتحدث لغة البلد ولا الانجليزية ولا الفرنسية لغات دول الجوار، ونغالط أنفسنا وننتظر احداث اختراق. الرجل كان، بالتأكيد، سيكون ممثلا ناجحا في أمريكا اللاتينية أو احدى مناطق اسبانيا، لكننا، مرة أخرى، نوفر له، وللقضية من ورائه، كل أسباب الفشل في مهمته، ونضيع فرصة ثمينة. الأدهى، ان السيدة التي كانت تعمل كممثلة للجبهة في هولندا، تم الدفع بها الى منطقة في اسبانيا، وهي لا تتحدث اللغة الاسبانية. هل ثمة جنون واستهتار وتفريط، حتى لا أقول شيئا آخر، أكبرمن هذا؟
نفس الأمر، ينطبق، ربما بدرجة أقل حدة، على التعيينات في أمريكا اللاتينية بسبب معرفة جميع المعينين بلغات تلك الدول، بالرغم من أن الفعالية غير مضمونة، مع تسجيل حالة من اللاعدالة المؤسفة تجاه الممثل المعين في الأرجنتين وهو رجل "مكبوظ أبروس لصباع" بالرغم من كونه قائد ناحية سابق وعضو سابق في القيادة السياسية للحركة، لم يعترض على تعيينه في بلد أوروبي هامشي وتفانى خلال السنوات الأخيرة في البحث عن اختراق في الساحة البرتغالية تشهد له الندوات الدولية المنظمة مؤخرا وحضوره المميز، والقضية من خلاله، خلال السنوات الأخيرة. يتم ابعاده الآن الى تلك الدولة، التي ما زلنا نتساءل الى الآن عن الهدف من الاحتفاظ بمكتب مكلف فيها، ومثلها في ذلك مكاتب أخرى في تلك القارة.
أما المرسوم الوزاري، أو ما عرف بلائحة الوزير فقد كانت "محبوكة" حسب هدفه المخالف في الجوهر لأهداف القضية، ألا وهو التحضير للاستحقاقات الانتخابية القادمة، باستعمال مغالطة "التشبيب" التي أقصت خيرة الشباب وجاءت حاملة لكل أعراض المضاربة، تعج بالاعتبارات القبلية وتلبية الوعود الشخصية المسبقة لبعض الأفراد؛ أو لم يقض الوزير خمسة أشهر، حاملا محفظة مليئة بالملفات، يظهر أوراقها بالتقسيط لكل المارة، لاخبارهم أنه قد عينهم أو قد عين أقارب أو أصدقاء لهم؟ 
أما اسبانيا، حيث كثر اللغط رسميا وشعبيا للمطالبة باحداث تغيير جوهري لاسترداد مكانة القضية بعد التراجعات المدوية المسجلة في كل المناطق تقريبا، فان ما حدث، أو بالأحرى ما لم يحدث، فيها، يعد فضيحة بكل المقاييس. عملية تدوير بائسة، تشكل، في الحقيقة سعيا جادا للتأكد من أن عدوى الفشل تننتقل الى مناطق جديدة. في النهاية، التغيير الجوهري الموعود أسفر عن خروج ممثل جهوي واحد الى مرآب الوزير في وزارة "سوناطراك" بالرابوني!!
غياب المقاييس، والعمى في تحديد الأهداف من وراء الحركية، ولد الانطباع لدى العامة، أن الرئيس وقع في فخ وزيره الذي جعل من الحركية موضوع رأي عام حتى تحولت الى غاية في حد ذاتها. تماما كما فعل قراقوش، أحد ولاة صلاح الدين الطغاة على مصر، حيث أصدر حكما على اثنين من المجرمين بالموت شنقا وامر بتجهيز المشنقة وفي يوم التنفيذ حضر شخصيا ليشاهد
العملية. جلب العسس المجرمين وربطوا حبل المشنقة برقبتيهما وكانا من طوال القامة، فلما هبطا من المنصة وقفا على رجليهما على الأرض ولم يختنقا بسبب طول قامتيهما. سأل قرقوش العسس: ما المشكلة؟ قالوا له: هذان الرجلان طويلا القامة، وبعد سحب المنصة ما زالا يقفان برجليهما على الأرض. فرد قراقوش: المشكلة محلولة... أطلقوا سراحهما وآتو باثنين من قصار القامة فاشنقوهما بدلاً عنهما. وبالفعل تم شنق اثنين من العامة، بالرغم من أنهما لم يقترفا أي جرم، لكن المهم عند قراقوش ليس تغيير ارتفاع المقصلة لاحقاق العدالة في حق المجرمين، بل هو تنفيذ فعل الاعدام في حد ذاته بغض النظر عن هدف القصاص. تماما كالحركية الاخيرة.... حركية قراقوش بامتياز. 

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *