وَحْــــــــــــيُ الألَمِ
عُذرا قُرّائي، إنما الوحي على الرًّسل، فيكتب القلم
وحاشى لله أن ادَّعي... بل عبدٌ مؤمنٌ قد استفزهُ الألمُ.
أنطق يا قلمي في رِثاءِ صديقي وقل:
لن أشكرَ القُّراءَ وقد أُعْجِبوا، ولا المعارفَ والأصدقاءَ، وقد ذُهِلوا
من ترتيبٍ لحروفٍ... في سطورٍ وانْبَهروا
من مُتألمٍ كانوا بهِ قد جَهِلوا
لن أشكرَهم على حَفْزي، وعلى دَفْعي... إلى الكتابةِ والعكف.
فعلى كَتِفي هَمِي وَوَجَعِي، والكتابة أصلا ليست عَمَلي
فَشُغْلي اليومَ جُرْحِي، وألمي من النِصْفِ شَرْخِي.
فَقْدُك يا بشاري جرحٌ في قلبي، شَرْخٌ في صَدْري
ألمٌ في عَظْمي، في عَصَبي
في أعلى رأسي، في أسفل قَدَمي
جرحٌ في كلِ أنحاءِ جِسْمي...
نَقَصَ وزني، خَدَشَ عَقْلي
جُرحٌ كاد يُهْلِكُنِي، ويَمْسَحَ من الوجودِ اسمي.
أنطق يا قلمي، فما سال من حِبْرِك قليل
ولم، ولن يُشْفِ الغليل
لتائِهٍ مثلي في البَراري، لم يَجِدْ بَعْدُ الدليل
سأبْكِيك يا أخي اليومَ، وسأنافِسُ في حُزْنِك خَنْسَاءَ العربْ
بل كل الرجالِ، كل النساءِ، وكل ما في أمهاتِ الكُتبْ
فالأخوة هي الأخوة، والداءُ جُرْحٌ وعَطبْ
شفانا الله جميعا يا مؤمنين، بالصبرِ على الكربْ.
فيا روحا صَعَدت إلى بارئِها ارجِعي، راضيةً مَرضيةً وبَشِري الجَسَدَ السقيمَ
بَشِرِيهِ في الكيسِ، وقبلَ الدَّفن، بجنةِ نعيم
خالصة له من ربٍ غفورٍ، قادرٍ ورحيم.
أنْطِقْ يا قلمي وارْشُدْ لترتيبِ النًظَم
فلساني مِثلَ عَقلي لَمْ يَعُدْ يَعِي الكَلم.
صديقانا يا بشاري ها قد أتيا
-على بُعْدِهِما- لما سَمِعا ها قد نَفٍرا
ولهول خَبَرٍكَ كانا قدْ فَزِعا
ولنعشِكَ اليومَ هاهما قَدْ قَدِما، وانْتَظرا
طويلا، ما مَلا، ولا تَعِبا، فلهم الجزاءُ ولهم الشُكْرا
أنطق يا قلمي وأكتب...
"سلامة" كان في الأدغالِ عَلِق
فَسَمِعْ، فطارَ في الجوِ، حَلَق
يُسابِقُ الريحَ، والصوتَ الفلق
عَلَّهُ يَحْضُرَ عزيزَا، وبَلَغْ
سأعودُ يا شهيدي، بَعْدَمَا نُوارٍيكَ الثرى
والأصدقاء، الزملاء وكلَ مَنْ صلى الوراء
إلى الخيمةِ التي كانت لكَ موى
والتقينا مع الأَحِبَةِ واجْتَمَعْنا فيها سَوَى
سأعودُ لأحْتَضِنَ صفية، خليفَتَكَ البَهية
وأُلقي السلامَ مِنْ بُعْدٍ، على البقية
سأضُمُ الوردةَ الندية إلى حُضْني الوفي
سأمْسَحُ لها على الوجهِ المضيء
وسأجْلُبُ لها ما كانت منك قد طُلُبُتْ –وقَدْ شَهِدُتْ-
سأجلب لها "الطورون"، والدُمى، وحتى "الفكرون"
وسأروي لها - بعد حين- الحكاية
دَيْنٌ عليَ –إِنْ عِشْتُ- أنْ أَحْكِي للفَتِيةِ الرواية.
فهي بعيني محفوظة فنم هنيئا
أنْطِق يا قلمي... أطلق لِسَاني
فما بيديَ الرفيعتان، هاتان الرقيقتان إلا الرجاء
فهما مُذْ فُقْدِكَ أولَ أمسِ، مازالتا مرفوعتين إلى السماء
تدعوان ربي، رجائي، ارحم فَقيدي، إلهي أستجب دعائي
فاللهم أرحمه وتجاوز عنه، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه
اللهم نقِه من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسله بالماء والثلج والبرد
اللهم أني أسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلى، وباسمك الأعظم، الذي إذا دُعِيت به أجبت، فاستجب مني الدعاء وتقبله مني بقبول حسن، وأن تجعله خالصا لوجهك الكريم، آمين، آمين، يا رب العالمين
واللهم صلي وسلم وبارك وزد، على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الأخيار الطيبين، والحمد لله رب العالمين.
لحسن السالك عمار