مثقفو القبيلة !...
تعتبر القبلية وروحها الجاهلية، من أكبر التحديات المصيرية التي تواجه المجتمع الصحراوي وتطور دولته الفتية ومستقبل قضية شعبنا المكافح، ويزداد التحدي خطورة عندما يلاحظ الغياب التام لأي جهود أو دور للفئيات المتعلمة في معالجة هذه الأفة المتجذرة، بل يشاهد المساهمة المباشرة لتلك الفئيات في تكريس القبلية المقيتة واقعا معاشا في اوساط شعبنا.
- وإن المرء ليصاب بالصدمة والذهول عندما يشاهد المساهمة المباشرة سواءا علنية كانت أم من وراء حجاب لفيئة صناع الرأي من "متعلميين"! و"مثقفيين"! و" كتاب"!... في تعميق القبلية البالية وتكريس سيطرتها على الحياة العامة في مجتمعنا، ومن صور ذلك، مثلا لا حصرا، المشاركة المباشرة لبعض الأطر والكفاءات المتعلمة في الإشكالات القبلية التي تظهر من حين لأخر، وقد سجل التورط العلني الفاضح لولائك "المتهوريين"! جنبا إلى جنب مع المليشيات القبلية، وفي اعمالها العبثية الاجرامية، ضمن خلافات قبلية عدة وتحركات احتجاجية فئوية، وتكرر ولايزال ذلك المشهد المؤسف مرات عديدة في السنوات الأخيرة، حتى إن بعضهم كان السبب المباشر في بعض تلك الصراعات الجاهلية، ومن صور إسهام "الطبقة المتعلمة"! في تعمييق سطوة القبلية، حضور القبلية بأبشع صورها في المواسم الانتخابية، حيث يعمل ما يفترض بهم "مثقفين"! المترشحيين لمختلف المناصب والمسؤوليات جاهدين على محاولة كسب الرهان الإنتخابي بإستخدام طرق غير قانونية، ومنها إستدعاء "النعارات القبلية"! وإستحضار نزعتها، في مسعى لدغدقة "المشاعر العنصرية"! الدفيئنة، يحدث ذلك بصورة فاضحة وواضحة ومتكررة، في المؤتمرات الشعبية العامة للجبهة، وفي إنتخابات أمناء الفروع المحلية والأساسية، وفي مؤتمرات المنظمات الجماهيرية من الشبيبة مرورا بالطلبة والعمال وأوصولا الى النساء، وينسحب ذلك ايضا، على الهيئات الفرعية للمنظمات الجماهيرية...، دون ان ننسى هنا "ممثلي الشعب"! في البرلمان، الذين يعتبرون "شيوخا"! و"خبراء"! في استحضار العصبية البغيضة وقت رهاناتهم المصلحية الضيقة، مع غياب تام لأي برامج حقيقية للنهوض بالواقع المعاش، ويصعب هنا للمراقب أن يجد برلمانيا واحدا إلا ما ندر منتخبا من دائرة إنتخابية لا توجد فيها لماتسمى "قبيلته"! أغلبية أو على الأقل وجودا فاعلا، ومن مساهمة " الفيئة المثقفة"! في تثبيت ركائز القبلية المقيتة، وجودا لا بأس به لبعض "المتعلميين" ضمن ما يعرف ب"المجلس الإستشاري"، الذي يعتبر مجمعا عاما ل"ملوك الطوائف" يثبت ركائز الحكم العشائري، كما ينتسب بعض "المثقفيين"! لمايطلق عليها "أجماعة"، وعادة ماتكون تلك العضوية ناتجة عن عامل التوريث، ومن إسهامات "الفيئة المثقفة"! في هذا الواقع العليل، ما نشاهده في المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الإجتماعي، من مديح لقادة ومسؤوليين...، وذم لأخريين، إنطلاقا من الخلفيات القبلية البالية، مع تجاهل تام لعوامل التسيير الفعال والتدبير الحسن للإمكانيات البشرية والمادية الجيد والنزاهة الشفافية والمصداقية...، التي يفترض بها أن تكون المحددات الوحيدة للهجاء أو المديح، ضف إلى كل ذلك، دخول البعض في حملات ل"التشويه الموجه"، تأثرا بتلك النزعة البغيضة، وتلبية لمطالب نافذين وخدمة لأجنداتهم الضيقة، ومن مشاركة "الطبقة المثقفة"! في صناعة هذه الظروف المريضة، ظهور الحسابات والمجموعات على شبكات التواصل الإجتماعي، التي تحمل أسماءا قبلية وخلفيات عنصرية، كما يساهم "المتعلمين" في هذا الواقع السقيم بصمتهم، الذي يعتبر تواطئا مباشرا ووصمة عار في جبين كل ساكت عن الصدع بكلمة الحق، ومن تجليات مشاركة "الطبقة المثقفة"! في تثبيت أركان الحكم القبلي اشكال وصور ووقائع جمى...، يضيق المقام لذكرها.
- ولتوضيح الصورة أكثر، فإنه مثلما للقبيلة عندنا هيئهتا الحاكمة المسمات ب" أجماعة" وقوانينها المسيرة، وصندوقها المالي وضوابطه الناظمة لعمله، وكما للقبيلة عندنا مليشاتها الإجرامية، ومثلما ما للقبيلة عندنا رجال أعمالها وسياسييها وحتى برلمانييها، فقد أصبح للقبيلة كذلك مثقفييها وكتابها وصحفييها، الذين يعملون ضمن جهود مقيتة أكبر وأشمل وأعم لصناعة هذا الواقع المريض، الملئ بالتحديات المصيرية، التي تهدد تماسك ووحدة وإستقرار شعبنا.
- ومما سبق ذكره وغيره الكثير...، فقد أصبح لزاما علينا هجر الصمت ومواجهة تغول "القبيلة" وحكمها الجاهلي في مجتمعنا، وأضحى من الضروري بمكان على كل الغيوريين على شعبنا ومستقبل قضيتنا الوطنية، العمل كل من وسطه وموقعه وحسب جهده، للوقوف في وجه هذه الأفة والتصدي لمروجيها، كما انه من الأهمية والواجب على السلطة البحث عن سياسات وخطط عاجلة عملية ومدروسة لمعالجة النزعة القبلية البغيضة، لنساهم جميعا في العمل على تثبيت الوحدة الوطنية، والحفاظ على النسيج الإجتماعي، وصون الأمن وحماية الإستقرار والسكينة العامة.
بقلم: عالي محمد لمين