ذكرى وقف اطلاق النار: كيف يؤطر الإتصال استتباب السلام وردم الهوة..؟!
اذا كانت قوة خفية، تمكنت ،خلال العقود الماضية ، بان تمارس دور"التعتيم" تارة ، و"المغالطة" تارة اخرى او "المزايدة" احيانا اخرى بملف الصحراء الغربية،وتسويقه باثواب غيرحقيقية، و تلعب على الحبلين بين محاور الصراع واطرافه المختلفة، فانه مع انقشاع ضبابية الحرب "الباردة" وذوبان ثلوجها الماطرة وتحول صخورها الى شلالات مائية ،جرفت "الغموض و عرت شبح الخوف من قناعه المخيف للاخر .."
وبات فقط انه يتعين ان نبني جسور المستقبل على ارضية قوامها الوضوح في الطرح وفي التفكير وفي ردم الهوة ومحو اثار الحرب المدمرة..
واذا كان ذلك من مسؤولية من بيده "القرار السياسي"،فان الاعلام او باحرى رجل الاتصال يمكن ان يلعب الدور"الفاعل"، وليس الناقل المتفرج،بل "المبشر القادر على التبصير والتجسيد."
ذلكم ان الاتصال له امكانية ان يترجم الفعل الى حقائق تنبض حيوية وتفيض مشاعر ،خاصة امام اللامبالاة من المجتمع الدولي في تطبيق مخطط التسوية و عجزه عن فرض القانون ب"حد السيف"، وتغافله عن اداء دوره،على غرار ما حدث في الكويت سنة 1992 وفي افغانستان سنة 2001، وماحدث في العراق وكوسوفو،ثم لاحقا في مالي وليبيا، وغير ذلك من مناطق العالم ،ولنا في ما حدث على تخوم "الكركرات" خير مثال...!؟
كيف نبقى متفرجين على مأساة عمرت اربعة عقود،لاتزال تسمم الاجواء في كامل منطقة المغرب العربي وتعيق التكامل والانسجام بين ربوعه المختلفة...!؟
هنا يصبح رجل الاتصال ليس بحامل رسالة بل صاحب قضية في مواجهة مواقف "التعصب"التي خلفتها سنوات طويلة من السجال السياسي والحرب العسكرية والنفسية، وفي مواجهة كذلك ذوي النوايا غير السوية والمحكومين ب"نمطية ونفسية تجار الحرب،وخطاب العام زين.." من الذين يفتقدون الشجاعة الادبية..
في غياب "ارادة سياسية" لدى صناع القرار..كيف يمكن لجيل الصحفيين والاعلاميين والنشطاء،ليس في الصحرا ء الغربية،بل كذلك على المستوى المغاربي ،تكسير "اجواء الخوف"واشاعة بدلها "ثقافة الايمان برسالة السلام والمحبة والتعايش بين شعوب المنطقة." !؟
ثم ان المسلك الديمقراطي للتسوية لابد ان يمر عبر احترام ارادة وكينونة الاخرين .. !
ما حدث في الكركرات ليس سوى ردة فعل من شعب مظلوم وملكلوم، لكن المؤسف هو سكوت النخبة المتنورة في المغرب عن المال والتداعيات والحرب التي قد تكون تلك الحادثة شرارتها، والتي يمكن التحكم في قرار اشعال فتيلها لكن من الصعوبة بمكان التحكم او السيطرة عليها في نهاية المطاف ..
تلكم هي تحديات رجل الاتصال والمواطن بصفة عامة في عالم الشاشة الجديد .. ورهانات رجال الاتصال والاعلام من ذوي الضمائر الحية الذين نذروا انفسهم لخدمة قضايا السلام زمن الحرب والتوتر.. انها ملحمة بناء مابعد الحرب ، معركة مواجهة التخلف وثقافة الفتنة ومخاطرها ..!
فهل نبادر الى توطيد دعائم المحبة والتأسيس للسلام في الضمائر والاذهان،بدل الاصطفاف خلف عربة عرابين التوسع وتجار المصالح ..!؟*
ذلكم ان قيم السلام والمحبة والوئام تغرس اولا في الانفس وتحقن،وكذلك فان قيم البغض والكراهية والشر تزرع في البشر قبل ان نشاهدها معارك وصراعات تملآ الساحات والميادين، لاتبقي ولاتذر ..!
الحقيقة ان الرسالة لم تكن باليسيرة ،ولن تكن بالسهلة في غياب ارادة سياسية تروم طي الملف من جذوره الشائكة عبر الاحتكام للمشروعية الدولية وخلق البئة المناسبة لهكذا حل،اي انصاف ظالم في مواجهة ظلم ذوي القربى، في ظل تقاعس النخبة المثقفة المغاربية،بل غيابها عن اداء مهمة سياسة واخلاقية ومهنية بمعدات واساليب اعلامية من خلال عمل موضوعي، يقوم على الايمان والادراك والتشبع بان الاتصال بموضوعية وتجرد،زمن التوتر، هو تحدي طليعة المجتعات،بل جبهة الصدام المباشرة لمواجهة المصاعب وتذليلها وانارة الراي العام حيال القضايا المصيرية،واظهار الحقيقة من عدمها في ظل وضعية التيه التي خقلتها الفوضى الجديدة المصاحبة للطفرة في وسائل وتكنلوجيا الاتصال الجديدة حيث " اختلط الحابل بالنابل".
فكيف يمكن خلق "بئية" للسلام والتعايش عبر "ميثاق المصالحة" مع التاريخ وطي سنوات الماضي ..!؟ كيف يمكن تجاوز عقد الحرب وتخطي حواجزها التي لاتزال تعشعش في الاذهان .!؟ كيف لنا غرس ثقافة الديمقراطية واحترام الاخر..!؟ كيف نشع ثقافة "القطيعة" مع الماضي وممارساته،خاصة وان ثلثي السكان ترعرعوا في زمن وقف اطلاق النار ولم يعرفوا عن الحرب الا من خلال اثارها الماثلة على الارض في الجدران،العائلات المقسمة،السجال السياسي والحرب الباردة.. !؟
وهنا يجب زرع قيم جديدة وبديلة اساسها التسامح،و حتمية التعايش بين شعوب المنطقة التي تجمعها عوامل الجغرافيا والتاريخ والقيم الروحية الاسلامية.. ولنا في جنوب افريقيا اكثر من درس،وفي اوربا دروس وفي الاسلام عبر وفي دول العالم العربي اكثر من عظة وخبر..!؟
بقلم الاعلامي: السالك مفتاح