رجال العظمة
العظمة ليست في علي المراتب والمناصب والمكاسب او المواضع ، فكم بسيط متواضع قريب من الناس رفعته اقداره درجات ومرتق لا تزلفا أو مداراة بل صدق رفقة ومواساة ورفعة إنسان .
بعد أشهر على رحيل الوالد يغادر الابن البسيط في صمت مثلما حيا بصمته وقربه وخفة ظله وابتسامته التي تخفي وتختزل سيل معاناة إن نطق صاحبها لما اوفت الدموع شجون الفقد والعوز وعسر الحال .
عرفه كثيرون اكثر من كونه مجرد قائد مركبة بروتوكول ابعد ما يكون صحابها عن قواعد وتقاليد رسميات المهمة وإن شقت او طالت أو حفتها المخاطر ، لكن قليلين يعرفون البندير ابن الحارة الطيب الذي غلب الإيثار والتضحية والصبر زمن التهافت والسكون وقت الضجيج والهدوء حين العواصف وعتي الأمواج.
كان دليلا وخادما وميكانيكيا فنيا ورجل ثقة لركابه الذين قد لا يكون بعضهم في الأغلب قد عرفه أو سمع عنه من أبناء وطنه او زوار من وفود وبعثات وصحافيين ومستكشفين او من قادهم فضولهم لمعرفة خبايا حكاية رجل تلفه العمامة فلا تغطي اعتزازه بنفسه او من يكون.
كثير الركون إلى ذاته مستمعا اكثر ممن يستعرضون لسانياتهم فضولا او وسيلة وفي اكثر الأحوال إفراغا لمخزون طاقة لفظية بفيافي الصحراء المترامية التي يعرفها الرجل أودية ومعالم وأحوال وتقلبات وخصائص ، إذ تستفزه بدنوك تقابلك موسوعة الإنسان الصحراوي في بدائيته البسيطة التي تبطن تجارب الزمن ودوائره ، فذلك الرجل الودود النحيف الضاحك ألف خدمة الناس ومساعدة الآخرين والتحمل عوض عنهم حتى في أسوأ الظروف جيئة وايابا قريبا من حقول الألغام المغربية المزروعة في كل موضع من ترابنا او مواجهة للطبيعة وتضاريسها الوعرة بالمنطقة او لقاء أعطال تتهدد سيارة متهالكة يأمل منها شعبنا أكثر مما تحتمل وإن بدا شكلها غير ذلك كحال كل ما نحوز في منفانا وقدرنا المجبول مقاومة وصبرا بما تتيحه حياة ضنت بكل شيء إلا بإنسان خبر تلك الدروب وخبرته حدا تبكيه إذ نعيناه فجأة .
البندير حظي هنون جمع بين الأب الفقيد الطيب وأمه المناضلة الاديبة لالة اسلامة ثمرة نضال وتجل لروح الكفاح في هيئة إنسان شغل كل من إلتقاه وابهر من يقرأون عنه بعد رحيله ، فالرجل كان موجها سياسيا واعلاميا مضطلعا وخبيرا عسكريا ومتحدثا جيدا وقاصا مميزا وامنيا بحسه مطمئنا للآخرين لكنه قبل كل ذلك نبيلا قريبا ينأى بنفسه عن صغائر الأمور في مغانم الدنيا تكفيه مغارمها.
البندير سيرة ترادف التضحية بالنفس والأهل والمكسب في سبيل قضية تمثل للصحراويين خلاصا للأرض والإنسان سببها تختلف قطعا بإختلاف الأدوار والفقيد خدم شعبه فترات ومجالات بحسب ما اقتضته الضرورة ، تاركا بيننا مسؤولية ثقيلة جميعا ولرفاقه وزملائه المفجوعين به اليوم وأمس برحيل صديقه محمد عالي وقليلون عرفوه أيضا ، فهؤلاء يدركون أن غاية الرجاء ليس في ما يزول مع صاحبه المغادر حتما إنما ما يبقيه الصنيع من أثر طيب له وللبقية من بعده.
رحم الله الفقيد البندير وألهم أهله وذويه وشعبه جميل الصبر والسلوان وانا لله وانا اليه راجعون.
نفعي أحمد محمد.