-->

الصحراء الغربية في ميزان لعبة الأمم؟


ربما يعتقد البعض أن هذا العنوان أكبر من حجم ما يدور بالفعل في الغرف المغلقة للدول العظمى، وربما يُعتقد أن فيه مبالغة إذا قلنا أن مستقبل الصحراء الغربية دخل في لعبة المصالح الدولية و الحسابات الجيواستراتجية. فالأحداث المتسارعة في منطقة شمال غرب إفريقيا و دول الساحل و جدولة أربع جلسات لمجلس الأمن مخصصة فقط للنزاع المغربي-الصحراوي ،تُظهر أن المنطقة برمتها تحت مجهر عواصم القرار الدولي التي بدأت فعليا تتحرك لضمان مصالحها الإستراتجية و رسم خريطة تحركاتها المستقبلية.

و بنظرة سريع على الواقع الحالي لمنطقة شمال غرب إفرقيا و جنوب الصحراء يتضح للمرء سبب التسابق المرطوني للدول النافدة لضمان مصالحها اولا بٍأول:
الجزائر
إن عملية التغيير الجذري الذي تمر بها الجزائر الشقيقة و التي الى حد الساعة تسير بطريقة سلسة و بدرجة عالية من الإنضباط و المسؤولية ،ورغم أنه أمر داخلي لا يهم إلا الجزائريين لوحدهم، فإنها بحجمها البشري و شموليتها للقطر الجزائري من أقصاه الى أقصاه و عمق الأهداف و وضوحها تجعل من الشعب الجزائري المتحكم الفعلي في مستقبله السياسي و الاقتصادي و الإجتماعي و ما لذلك من إنعكاس مباشر على دول المنطقة ،يثير حفيظة الدول الكبرى خاصة روسيا و الصين و الولايات المتحدة و فرنسا و يفرض عليهم جميعا الإسراع بترتيب أوراقهم.
المغرب
اذا كانت بالأمس ثورة التحرير الجزائرية عجلت بإستقلال المغرب و غيره من البلدان المجاورة، فإن ثورة التغيير الجزائرية اليوم، لاشك أنها هي الأخرى تضع المخزن في موقف حرج وتهدده بالزوال خاصة و أن جميع المؤشرات الإقتصادية و الإجتماعية و حتى السياسية توحي بالدفع الى انفجار داخل المملكة يصعب التكهن بخطورته و المسارات التي يمكن أن يأخذها، اضافة الى ما يمكن ان يحصل من تطورات في نزاع الصحراء الغربية. هذا ما يخيف فرنسا خاصة و الدول الغربية عامة الشيء الذي دفع نهار أمس بالخارجية الأمريكية الى تحذير المواطنيين الأمريكيين عبر سفارتها في الرباط المتواجدين في المغرب أو الراغبين في زيارته من توخي كل الحذر و اليقظة بالإبتعاد عن الأماكن العامة بما فيها المواقع السياحية، و كانت قد سبقتها ابريطانيا الى تحذير ايضا رعاياها من عدم التوجه الى لمغرب، بينما بلجيكا و هولندا و دول الشمال تُصنِف في وسائل اعلامها المغرب، من الدول غير الآمنة و دعت الراغبين في السفر إليه الى البقاء في حالة تأهب عند زيارة المواقع التي يرتادها السياح وتجنب المظاهرات والحشود.
ليبيا
يظهر ان النزاع الليبي سائر في اتجاه الحسم العسكري على الطريقة السورية و بمباركة حتى لا نقول بدعم روسيا الإتحادية حيث في تطور خطير دفع أمس المشير خليفة حفتر بالعديد من الوحدات العسكرية في اتجاه الغرب الليبي بهدف على ما يبدو السيطرة على طرابلس العاصمة الواقعة تحت قبضة قوات حكومة الوفاق، بعد عقد تحالفات له ، مع عدد من المناطق بينها "بني وليد وترهونة "، الشيء الذي جعل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني إعلان حالة النفير العام لجميع القوات العسكرية والأمنية من الجيش والشرطة والأجهزة التابعة لهما بالاستعداد والتصدي لأية تهديدات تستهدف زعزعة الأمن في البلاد،حسب بيان صادر عنه.
الساحل
إن الساحل الإفريقي طغى عليه منطق الرهانات التنافسية على مناطق النفوذ الاقتصادي؛ إذ لا يمكن حصر اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا و غيرهما بتطورات الأوضاع في منطقة الساحل الإفريقي بفعل الدواعي الأمنية فحسب، بل الأمر يتعدى ذلك إلى دواع جيو-اقتصادية لها صلة مباشرة بالتنافس فيما بين القوى الكبرى من أجل الظفر بعدد من الاحتياطيات البترولية والغازية والمعدنية. 
في هذا الإطار يكتسب النفط الإفريقي أهمية استراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، فعلى المستوى الرسمي نتذكر ما صرّح به رئيس (اللجنة الفرعية التابعة للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي) بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، يجب التعامل في موضوع البترول الإفريقي على أنه "أولوية بالنسبة إلى الأمن القومي الأمريكي"، كما أعلن الرئيس بوش في خطاب في يناير عام 2002م عزم الولايات المتحدة الأمريكية الاستغناء عن 75% من الواردات النفطية من الشرق الأوسط، والحصول عليها من مصادر بديلة بحلول العام 2025م. 
الجدير بالذكر أن إهتمام الدول الكبرى بمنطقة الساحل و الصحراء الغربية وما يحيط بهما مرده أساساً إلى ما يمثلانه من رهانات اقتصادية، وآفاق جيواستراتيجية واعدة، خصوصاً في ظل التنافس الحاد على مصادر الطاقة. كما وجب الإشارة إلى أن حُجة مكافحة الإرهاب لا تمثل سوى غطاء لبسط نفوذها على مختلف مصادر البترول و الغاز وممراته في المنطقة، خصوصاً بعد الاستكشافات المهمة المحققة بمنطقة غرب إفريقيا على حدود موريتانيا و السنغال، ثم المتاخمة لجنوب الساحل الإفريقي، وبالتحديد في خليج غينيا، وهي المنطقة التي تُوصف مجازاً "بالخليج الإفريقي" لغناها بالبترول،إضافة الى مايزخر به باطن الصحراء الغربية من مناجم تؤكدها خرائط المسح الجيولوجي للأقمار الصناعية و التي تحت أعين هذه الدول.
الصحراء الغربية 
هي اليوم قطب الرحاء و هي الطاولة التي فوقها، تجرى لعبة المصالح الدولية أو لعبة " البُوكير". فعندما يُغَلٍف السيد هورست كوهلر الفشل بالتأكيد على طول المفاوضات ، ودون ان يحدد سقفا لنهايتها، حيث يعترف بعد الجولة الثانية بأن الأمر ليس بالسهل و يستدعي المزيد من الوقت ، وحين يغلف الأمين العام السيد غوتيرس الفشل في تقريره المقدم الآن الى مجلس الأمن ، بفقدان الثقة وفقدان الإرادة الدولية ، فهذا معناه ببساطة ان المتحكم في الصراع ، ليس النظامين المغربي و الصحراوي ومن ورائهما دول الجوار و لا الأمم المتحدة و مجلس الأمن ، بل هي المصالح الآنية والمنتظرة التي تخطط لها الدول الكبرى . 
بعث رسائل الفشل هذه ، لن تمر بسهولة ، والمنطقة مقبلة خلال السنتين القادمتين ، أي الى آخر سنة 2020 (و لم يكن تصريح و زيرة الدفاع الفرنسية الشهر الماضي اثناء انعقاد ملتقى ميونيخ للأمن عبثا، بقولها بأن القضية الصحراوية لن تتجاوز سنة 2020 )، على تحولات وتطورات خطيرة ، ستُجهز على كل دول المنطقة ،ضمن المشروع الخطير " الشرق الأوسط الكبير وشمال افريقيا " والخاسر الأكبر بطبيعة الحال وسط هذه التجاذبات، هو الشعب الصحراوي ،الحلقة الضعيفة.
فأين نحن من كل هذا؟ و ماهي مسؤولة النُخب الصحراوية قيادات و أطر و مثقفين من ما يحاك من مؤامرات ضد المشروع الوطني؟ هل بالفعل هنا إدراك للمخاطر المُحدٍقة بالقضية الوطنية؟ و هل هنا تفكير جدي في رسم خطط و استراتجيات لمواجهة الهجمة الآتية لامحالة،الهادفة الى الإجهاض على مكاسبنا أو على الأقل نتمكن من التخفيف من تأثيراتها علينا؟ الى متى سنبقى نتكيء على أمل مزعوم و نُمني انفسنا بحلول يأتي بها الغير؟ الم تُعلمنا تجربتنا الكفاحية البطولية ان سر مكاسبنا و انتصاراتنا تكمن في ذواتنا و صلابة وحدة شعبنا، الم يحن الوقت للإلتفات الى الذات الوطنية و التفرغ الى ماهو أهم فرض السيادة والإستقلال عوض الإنشغال بمعارك هامشية؟ 
أسئلة كثيرة و غيرها نريد أن نستفز بها العقل الصحراوي لعله يُبدع في ايجاد الأجوبة الشافية و يستنفر بقية الجسم الوطني لجعل من المؤتمر الشعبي العام القادم قطيعة مع الدوران في المتاهة والإنطلاقة الى رسم معالم طريق مستقيم يُفضي الى الأستقلال التام مهما كلف من عرق و دم. و "الجماهير الواعية أقوى من المؤامرات الإستعمارية". 
بقلم : محمد فاضل محمد سالم

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *