-->

الاستيطان المغربي في الصحراء الغربية الوجه الاخر لما يحدث في فلسطين (ورقة)


الاستيطان هو عملية إسكان واسعة في أرض محتلة، وذلك بذريعة الإعمار وإرساء سيطرة الدولة المهيمنة على الأرض التي ضمتها وباتت تعتبرها جزءا منها. بدوافع سياسية واقتصادية استعمارية مثلما هو حال الاحتلال المغربي في الصحراء الغربية منذ العام 1975 وقد تكون دوافعه أيديولوجية دينية وعنصرية كما هو شأن الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967
الاستيطان قديما
عرفت الحضارات القديمة الاستيطان، وكان رديفا لحملات التوسع التي كانت تقوم بها الإمبراطوريات لمد نفوذها والسيطرة على الطرق التجارية، خاصة البحرية التي كانت قديما مجال المنافسة الإستراتيجية الأول. وقد نشأت مدن وحواضر نتيجة غزوات اليونانيين الذين اشتهروا بكونهم غزاة وقراصنة بحر، وكان دافعهم إلى ذلك استكشاف آفاق جديدة نظرا لضيق أراضيهم وشيوع الاقتتال بينهم.
فكان كل زعيم ينشق على السلطة القائمة أو يُهزَم في صراع على الحكم، يجهّز سفنه ورجاله وينطلق إلى البحر. وهكذا نشأت مدن عريقة نتيجة توطن اليونانيين، منها: مدينة مرسيليا في جنوب فرنسا، ومدينة كولون الألمانية التي نشأت حول حامية لجيش روما في العهد الروماني، ومدينة قرطاج التي بناها الفينيقيون. وفي الحقبة الحديثة، بنَت فرنسا مدينة سينلوي في السنغال وبرازافيل في الكونغو، وبنى البلجيكيون كنشاسا التي كانت تُسمى ليبول فيل.
النشأة
ساد الاستيطان مع ازدهار الظاهرة الاستعمارية في موجتها الثانية خلال القرنين 19 و20، والتي كان دافعها الأساس -فضلا عن الهيمنة الإستراتيجية- البحث عن الأسواق والمواد الأولية، وكذلك نشر الثقافة الغربية والدين المسيحي في بعض الأحيان.
خلال الحقبة الاستعمارية تمّ الترويج للاستيطان ضمن المنظومة الاستعمارية القائمة على ادعاء التنوير ونشر الحضارة والقيم الإنسانية الراقية، بيد أن الاستيطان قد تكون له دوافع أيديولوجية ذات خلفية دينية وعنصرية، كما هو شأن الاستيطان الذي تمارسه إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، القائل بأسطورة أرض الميعاد، والنابع من مرتكزات يتداخل فيها الديني بالأسطوري، بنزعة عنصرية استئصالية رامية إلى تطهير فلسطين من العرب، وطمس هويتها وماضيها العربي الإسلامي وإقامة دولة خالصة لليهود.
كما تعرضت الصحراء الغربية لاكبر عملية استيطان عبر ما يسمى بـ "المسيرة الخضراء" التي نظمها ملك المغرب الهالك الحسن الثاني تزامنا مع اجتياحه العسكري للصحراء الغربية من خلال 130 الف مستوطن مغربي تم نقلهم الى الصحراء الغربية وتهجير سكانها الصحراويين.
الاستيطان والقانون الدولي
نشأ الاستيطان كرافد من روافد الحملات الاستعمارية منذ الاكتشافات الاستعمارية الأولى التي قام بها الإسبان والبرتغاليون والهولنديون، وبالتالي تناوله القانون الدولي ضمن هذه المنظومة. فقد عرّف القانون الدولي الاستعمار بأنه: سياسة توسعية تمارسها بعض الدول في حق شعوب أقل نماءً، سيكون عليها القبول بنوع من روابط التبعية إزاء هذه الدول.
والواقع أن هذا التعريف والإقرار قائم على تناقض مشابه لذلك الذي تستند إليه الأيديولوجيا الاستعمارية، فهي تعتبر إلحاق أرض أو احتلال دولة توسعا مشروعا، كما تُشرّع الهيمنة والاستغلال الاقتصادي لفائدة القوى الاستعمارية دون أي وجه حق إلا ما كان تحت عنوان "الأرض التي لا سيد لها" أو "الأرض الخلاء"، وهو تبرير متهافت كون كل الأراضي التي تم احتلالها تقريبا مأهولة.
الاستيطان الإسرائيلي
يمارس الاحتلال الإسرائيلي الاستيطان على نحوٍ كثيف في الأراضي الفلسطينية، خاصة في الضفة الغربية، كما يمارسه في هضبة الجولان السورية، وسيناء المصرية إلى حين انسحاب الجيش الإسرائيلي منها في عام 1982 بموجب اتفاقيات كامب ديفد.
الهاجس الأمني
إثر حرب يونيو/حزيران 1967، ارتأت حكومة اليسار الإسرائيلية ضم أجزاء من الأراضي التي احتلتها، وذلك لإقامة مناطق عازلة تُوفر عمقا أمنيا لإسرائيل في المقام الأول، وورقة للمساومة في حال عقد مفاوضات للسلام في المستقبل، هذا فضلا عن الأهداف الاستيطانية الأصلية.
ومنذ عام 1968، شرعت إسرائيل في إقامة تجمعات استيطانية في المناطق القليلة الكثافة، وذلك في إطار مخطط عالون. واعتبارا من 1970 ظهرت مستوطنات أُقيمت دون موافقة مباشرة من سلطات الاحتلال، تقف خلفها تنظيمات يهودية متطرفة، وهي ظاهرة شاعت فيما بعد في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى عام 2005.
حركات دينية
شهد عام 1974 تأسيس مجموعة "غوس أمونيم" (كتلة العقيدة)، وهي حركة قومية دينية تنادي بحق اليهود في الاستقرار في إسرائيل. ومع وصول اليمين ممثلا في حزب الليكود إلى السلطة عام 1977، ضمَّ رئيس الوزراء مناحيم بيغن الضفة الغربية وقطاع غزة، ويومها كان عدد المستوطنات خارج القدس الشرقية لا يتعدى 31، يوجد فيها 4400 مستوطن.
ثم تتسارع وتيرة الاستيطان في السنوات اللاحقة، خاصة مع إعلان الكنيست القدس عاصمة موحدة لإسرائيل في يوليو/تموز 1980. وما إن حلّ عام 1984 حتى بلغ عدد المستوطنين 44 ألفا، أي عشرة أضعاف ما كان عليه في عام 1977.
ظلت وتيرة الاستيطان في تصاعد مع عثرات مسار التسوية، إلى حد بات معه الحديث عن التسوية أمرا يكاد يكون عبثيا، بحكم أن أراضي الضفة الغربية لم تُبق منها البؤر الاستيطانية ما يصلح لإقامة حي سكني، فكيف بإقامة دولة.
الاستيطان المغربي في الصحراء الغربية:
منذ احتلال المغرب للصحراء الغربية وهو يعمد الى سياسة الاستيطان بجلب أمواج بشرية على شكل مسيرات أطلق عليها "المسيرة الخضراء " وإن كان الشعب الصحراوي لم يرى من خضرتها إلا قذائف النابالم والفسفور المحرمة دوليا التي رافقت هذا الاجتياح البشري الهائل يرافقه مثيل عسكري تسببت في قتل وطرد الآلاف من السكان الأصليين وتشريد من نجا منهم الى الجزائر وغيرها من الدول..

وهذه السياسة نفسها استخدمها اليهود في بنا ما أصبح يعرف اليوم بدولة إسرائيل بفضل تلك السياسة العمياء التي أعطت ارض شعب لشعب لا ارض له... منتهكة بذلك كل القوانين والقيم الإنسانية، وكان المغرب حينها أكثر الدول المساهمة في قيام إسرائيل بتهجير ألاف اليهود المغاربة إلى فلسطين ... وهذه السياسة ليست جديدة على من درس وتربى في أحضان المدرسة الميكيافلية وثبت عرش ملكه بمستشاري اليهود ودهاتهم ...والذين كان أثرهم واضحا في رسم سياساته .. ومغامراته ... فأول هذه المسيرات الاستيطانية " المسيرة الخضراء " التي انطلقت بأمر من الحسن الثاني في 6 نوفمبر 1975 وتضم 350000 مغربي ممن ضاقت بهم الشوارع المغربية من البطالين والخمارين وقطاع الطرق والمتخلفين ذهنيا وممن غرهم وعد الحسن الثاني بنعيم الصحراء وقد بقيت صور هؤلاء المغاربة وهم يتدفقون بتلك الطريقة العشوائية الى الصحراء الغربية في عقول كل الصحراويين بل العالم اجمع والتي تنم عن حالة البؤس والشقاء التي وصل إليها هؤلاء ولهذا وصفت بـ " مسيرة الجياع " وانطلقت هذه المسيرة إلى الصحراء الغربية ولتستولي على الأخضر واليابس ... ليطرد بذلك شعب عربي مسلم من أرضه ويعيش مأساة وتعطى أرضه لمن ألف الذل والاستعباد ورضي أن يطبق سياسيات سادته وملوكه التوسعية وليشهد التاريخ على فظاعة ووحشية ما ارتكبته القوات المغربية من انتهاك صارخ للأعراض وتشريد للأطفال والنساء ومجازر الإبادة الجماعية التي بقيت مقابرها وآثارها شاهدا حتى اليوم... 
ويتغير التاريخ ويتجدد الحدث ففي 26 سبتمبر 1991 تنطلق "مسيرة جياع ثانية " من خلال نقل مئات الآلاف من المغاربة إلى المناطق المحتلة من الصحراء الغربية للاستيطان فيها وتبقى الأمم المتحدة مكتوفة الأيدي أمام كل هذه الانتهاكات متهربة من مسؤولياتها تجاه هذه القضية الخطيرة ومتواطئة مع نظام الاحتلال المغربي ...
يكرر نظام الاحتلال المغربي في الصحراء الغربية الكرة مرة اخرى ويتجدد المشهد أيضا في 28 يونيو1993: "بمسيرة جياع ثالثة " مكونة من مستوطنين مغاربة جدد تصل إلى العاصمة العيون المحتلة الغرض منهم التاثير على عملية تحديد الهوية التي وجدت من اجلها البعثة الاممية الى الصحراء الغربية "المينورسو" وزرع العقبات في طريقها.
تتبعها مسيرة رابعة في شهر يونيو 1994بوصول آلاف المغاربة إلى المناطق المحتلة من الصحراء الغربية ونلاحظ ازدياد عدد هذه المسيرات وتقارب الوقت بينها ففي السنة الموالية 1995 تدخل إلى الأراضي الصحراوية المحتلة "مسيرة الجياع الخامسة " مشكلة أيضا من مستوطنين مغاربة ..
والمتأمل لهذه المسيرات كلها يرى أنها تدل دلالة واضحة على الأوضاع المزرية التي يعيشها الشعب المغربي والاحتقان الداخلي الذي يحاول الإعلام المغربي دائما أن يخفف من آثاره بتجميل صورة المغرب بمساحيق التحول الديمقراطي والمصالحة مع الذات وغيرها من الأكاذيب التي لم يعد يصدقها المغربي البسيط الذي يشاهد يوميا قمع الشرطة المغربية للمظاهرات السلمية المنتشرة في الشوارع ... والتي يطالب من خلالها المغاربة بأبسط حقوق الحياة .. فشارع يقص بمتظاهرين يطالبوا بخفض أسعار المعيشة... ومظاهرة أخرى تطالب بإطلاق سراح سجناء الرأي والكلمة ... وأخرى لمعاقين وبطالين يطالبون بالعيش وفرص عمل وغيرها من المطالب المشروعة...ولا ننسى محاولة الانتحار الجماعي التي نظمها المكفوفين في شوارع الرباط العام الماضي والتي قابلتها الشرطة المغربية بالضرب والشتم ...والكثير الكثير من الأوضاع المزرية التي لم يكشف إلا القليل منها .. هذا في المغرب ودائما نتذكر مقولة بن خلدون في المغرب لا تستغرب... أما في المناطق المحتلة من الصحراء الغربية فسياسة التجهيل لازالت مطبقة حيث لا مدارس في المستوى لا جامعات .. المداهمات اليومية للمواطنين الصحراويين والزج بهم في السجون ... مسيرات الجياع القادمة من المغرب والتي تفاقم الأزمة يوما بعد يوم في الصحراء الغربية ويؤجج الصراع بين الصحراويين والمستوطنين المغاربة... فمتى يراجع المغرب سياساته ويعكف على حل مشاكل شعبه ويصحح الأخطاء ويوقف مسيرات الجياع ... ويحترم حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والحرية والاستقلال
المصدر : الجزيرة, لاماب المستقلة، مواقع إلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *