-->

من اشرف على تنظيم المسيرة الخضراء التي كان في مقدمتها ضباط الجيش الفرنسي المغاربة؟


في السادس من نوفمبر من كل سنة يطرح السؤال عن من اشرف على تنظيم المسيرة الخضراء التي حاول النظام الملكي المغربي تقديمها كواجهة لاحتلاله العسكري للصحراء الغربية وتشريد شعبها وكجواب واضح، عن مدبر تلك المسيرة إنه الملك المغربي الهالك الحسن الثاني وكبار ضباط القيادات العليا في كل من (الجيش الملكي المغرب والدرك والشرطة والقوات المساعدة وأجهزة المخابرات…) وممثلي سلطة الملك (عمال الأقاليم والعمالات).
وضع ظهير 1 مارس 1963 الأسس الأولى لخلق هيئة السلطة المحلية، وحدد ظهير 15فبراير 1975 الوضعية القانونية واختصاصات (العمال والولاة) الذين أصبحوا من يومها يمثلون الملك ويتمتعون بسلطات واسعة، أي النفوذ القوي على جغرافية الأرض التي يسيطرون عليها إقليميا وجهويا. والملك هو الذي يعينهم، ويستعملون في تنفيذ أوامره (القوات المساعدة وقوات الشرطة والدرك الملكي المغربي) ويشرفون على رؤساء كل من (الدوائر والمقاطعات) ينفذون ويسهرون على مقررات مجالس العمالات والأقاليم، ومراقبة الجماعات المحلية.
هؤلاء هم ممثلي الملك وهم الذين نفذوا وطبقوا أوامره على الأرض. هم من قاموا بتسجيل الفقراء المعدمين سكان هوامش المدن والبوادي والمداشر، الذين نزعت منهم أراضيهم، وتوفير الحافلات والشاحنات التي انتزعوها من أصحابها.
دعت الدولة المغربية 700 من موظفيها إلى مقر وزارة الداخلية بدعوى أنه وقع عليهم الاختيار في عملهم الإداري، وتم نقلهم إلى مركز بن كرير، وتلقوا دروسا تكوينية في التنظيم والتأطير، وكل هذا مر في سرية تامة، وحتى هؤلاء لم يعلموا بأمر المسيرة حتى تم الإعلان عنه بشكل رسمي.
هذه المسيرة تم التحضير لها من طرف الملك المغربي وحلقته الضيقة، في سرية تامة حتى أعلن عنها. هذه هي الحكاية بالكامل، المستفيدون من الاستعمار وهم الملاكون الكبار، والقياد وحاشية الملك والذين تم دمجهم في دواليب الدولة المغربية وأجهزتها التنفيذية، هم من أشرف على تنظيم المسيرة الخضراء التي كانت الواجهة لاحتلال الصحراء الغربية.
كل إقليم يمثل مسيرة لها قيادتها وهيكلتها الإقليمية، ارتبطت هذه القيادات باللجنة المركزية المكونة من مختلف الوزارات والمصالح المركزية، فتحت كل عمالة وإقليم مكاتب لتسجيل المشاركين من طرف “المقدمين والشيوخ” وهذا النوع من السلطة يعود إلى العصور الغابرة ويسمونهم “أعوان”.
كان الإشراف الكامل للداخلية المغربية (شخص من كل بيت/ أسرة) وكانت حصة النساء 10% (35 ألف امرأة )، حصة إجمالية محددة لكل إقليم مرتبطة بعدد السكان، 44 ألف مشارك من الرسميين والإداريين 470 (طبيبا وممرضا) عملت 10 قطارات يوميا بدون انقطاع على نقل الناس من المناطق إلى مدينة مراكش ومنه إلى مدينة أكادير عبر الشاحنات والحافلات على امتداد 12 يوما صباح مساء بدون انقطاع، والتي بلغ عددها 7813، وتم نقل الجماهير المفقرة من مدينة أكادير إلى مخيمات بضواحي مدينة طانطان وطرفاية .
تحركت أول موجة من هؤلاء المعدمين من قصر السوق. والسبب أنهم متعودين على تضاريس مشابهة. شارك أكثر من 5000 عون مدني (موظفي الدولة والجمعيات المحلية ).
ضباط الجيش الفرنسي المغاربة.. في مقدمة الإشراف على المسيرة الخضراء
لا يمكن الكلام عن احتلال الصحراء الغربية والمسيرة الخضراء وبناء الجيش الملكي والفتك بالمعارضة والثوار المسلحين والماركسيون الثوريون، من دون الحديث عن اليد المتينة للحسن الثاني.
درس وتعلم أحمد الدليمي في” كوليج” مولاي يوسف ثم أكاديمية مكناس تحت إشراف الإدارة والعسكريين الفرنسيين، تخرج منها برتبة (ليوتنان) وفي سنة 1955 سافر إلى فرنسا لإجراء تدريبات عسكرية خاصة.
أحمد الدليمي من العسكريين الذين تركتهم فرنسا الاستعمارية للقصر من أجل بناء الجيش الملكي. وقد لعب دورا أساسي في قمع كل التمردات والانتفاضات، ولعب دورا كبيرا في قمع كفاح أهل الريف بجانب الجنرال محمد أوفقير بقيادة الحسن الثاني وهو ولي للعهد.
وفي سنة 1960 عمل الدليمي مع أوفقير على وضع أسس المخابرات المغربية على أنقاض مكتب الشؤون الخاصة، وأصبح الجهاز الجديد يسمى (مصلحة التوثيق والأمن sds) في البداية ويشرف عليه أوفقير ثم أصبح مستقلا تحت إدارة الدليمي. و لهذا قرر الحسن الثاني جعل الدليمي سيد المخابرات المغربية بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.
الدليمي هو قائد القوات العسكرية الملكية في الحرب مع جيش التحرير الشعبي الصحراوي الذي يقاتل تحت لواء جبهة البوليساريو، وهو من أشرف على إنشاء الجدار الرملي على 500 كلم يبتدئ من السمارة إلى بوجدور، قبل موته الغامض سنة 1983. جاء في أسبوعية الحياة العدد 1 بتاريخ 29 فبراير – 6 مارس 2008 في ملف حول الصحراء الغربية؛ “الجدار العازل طوله 2500 كلم، مزود بالرادارات والوسائل الخاصة للمراقبة الالكترونية المتطورة التي تحتاج إلى 130 ألف جندي من أجل حمايتها لوحدها فقط، بتكلفة 3 مليار دولار”.
إعلام الاستبداد.. سلاح تجييش
التغطية الإعلامية خطط لها الحسن الثاني بسرية تامة، لنسمع ما قاله أحد قدماء الإعلام الناطق باللغة الاسبانية، سعيد الجديدي؛ “إن فكرة إنشاء إذاعة طرفاية جاءت من الحسن الثاني الذي أمر محمد بنهيمة وزير الداخلية آنذاك.. وإن مهمة إذاعة طرفاية لم تدم إلا سنة واحدة، لان مهمتها انتهت بعد المسيرة الخضراء، وكان الهدف من خلقها هو التحضير للمسيرة ومواكبتها” ويضيف أن “هدف الحسن الثاني هو أن تقوم الإذاعة بالتحضير للمسيرة ولذلك تم التفكير بطريقة سرية جداٌ في إنشاء الإذاعة وكان الحسن الثاني يركز على اللغة الاسبانية والدعاية بها ولهذا تم اختياري مع بعض الزملاء..”. واتصل به حسب قوله محمد بنددوش مدير الإذاعة ومحمد خالص المدير العام وقال له بان السلطات العليا بالبلاد تريدك أن تكون في طرفاية. ولهذا انتقل سعيد الجديدي إلى مدينة أكادير بالجنوب ووجد في انتظاره الجنرال أحمد الدليمي وقد تكلف الكولونيل الشعرة بإيصال سعيد الجديدي إلى مدينة طانطان عبر طائرة عسكرية. (سعيد الجديدي في حوار مع إدريس الكنبوري، يومية المساء عدد03/06/2009).
لنسمع ما قاله مدير الإذاعة إذاك محمد بن ددوش “إن وزير الإعلام أحمد الطيبي قال للمهندس قويدر بناني مدير التلفزة أن الحسن الثاني أعطى موافقته على الخطة التي تم إعدادها في التلفزة والإذاعة.. وقد قدمت تجهيزات ومعدات ضخمة من فرنسا على عجل.
وطبقا لخطة الملك المغربي انخرطت القوات المسلحة الملكية في عملية تنفيذ الخطة ، وكانت الطائرات تنقل التجهيزات من فرنسا إلى مدينة أكادير بالجنوب المغربي مباشرة ضمن رحلات متتابعة ، وبعد ذلك يتم نقلها في شاحنات الجيش إلى المواقع التي تم اختيارها لنصب التجهيزات ويقول بن ددوش إن السباق ضد الساعة كان قويا من طرف التقنيين وأفراد الجيش معا، ثم يشرح : “إن الخطة فشلت ولم يكشف مكان العطب، وتم الاكتفاء بنقل التسجيلات (تسجيل المراسلات ونقلها عبر الجو إلى أكادير ثم إلى العاصمة الرباط أي أنهم لم يستطيعوا انجاز محطة إذاعية بالمشاركة بين الجيش والتقنيين” (حلقات “ذاكرة الإعلامي محمد بن ددوش” كتبها توفيق ناديري).
هذه هي السرية التامة للمسيرة الخضراء التي شحنت فقراء القرى ومعدمي المدن القصديرية المغربية في الشاحنات في أيام البرد القارس في بداية شتاء 1975 باسم شعارات فارغة للتوسع على حساب شعب طرد وشرد وقتل الالاف من ابنائه، على يد جيش الملك المغربي وحاشيته، الذين جمعوا وراكموا الملايير.
أما الفلاحون المغاربة أصحاب الأرض التي انتزعت منهم بحجة القوانين الاستعمارية والسلاح الفتاك وفقراء الهوامش، الذين شاركوا في المسيرة الخضراء خوفا من بطش أجهزة النظام أو صديقا لأضاليله، فلم يزدادوا إلا بؤس وشقاء، وأغلبهم مات منسيا.
بلغت ثروة الحسن الثاني بعد موته 40 مليار درهم، أما الديون التي أصبح المغاربة بسببها فاقدي السيادة على خيراتهم فبلغت 44 مليار درهم، هذا جزء من الحقيقة التي تخفيها البورجوازية على الجماهير. وهي ديون مشينة وكريهة، لأن الجماهير الشعبية لم تستفيد منها.
كم تطلبت المسيرة من المواد الأساسية؟
ما يناهز20 ألف طن من المواد الغذائية، وأكثر من 2500 طن من المحروقات و230 سيارة إسعاف و300 شاحنة تابعة للمكتب الوطني المغربي للنقل و1200حافلة لنقل المشاركين/ات و23 ألف طن من الماء، تمت مضاعفة هذه الأرقام بنسبة 2.5 بسبب البقاء في الصحراء الغربية من 21 أكتوبر إلى نهاية نوفمبر 1975، أي زيادة 63 ألف طن من الماء تقريبا و43 ألف طن من المواد الغذائية و10 ألف خيمة و430 ألف أنية للطبخ و35 ألف غطاء.
كانت قوات الجو والمظليين تتولى إمداد المشاركين بأكياس طحين القمح والمواد الغذائية، عبر إلقاءها فوق مواقعهم بطرفاية مستعملين طائرات (س- 130) التي تسلمها النظام المغربي من الولايات المتحدة الأمريكية عدوة الشعوب وحامية الأنظمة الرجعية والاستبدادية.
فرض على المشاركون بمخيمات طرفاية انضباط شبه عسكري، وتم توزيعهم إلى مجموعات ( مخيمات محكمة) غذاؤهم خبز وسردين معلب، وحتى شركة التبغ المغربية الاحتكارية استغلت الفرصة وتخلصت من التبغ الأسود الرديء.
بقلم : طه محمد فاضل ـ بتصرف وتصويب بعض المعلومات
نشر على موقع المناضل-ة القديم يوم الاربعاء 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *