المسيرة الخضراء، ذكرى النكبة الصحراوية: السياق التاريخي… المستفيد والضحية؟
تعود ذكرى النكبة الصحراوية في السادس من نوفمبر 1975 لتعيد صور الدمار والمجازر البشعة التي رافقت الاجتياح المغربي للصحراء الغربية والتغطية على تلك الجريمة بالجيوش الجرارة من المستوطنين الذين منحت لهم ارض الصحراء الغربية ليهجر شعبها ويواجه بالقصف والتقتيل.
كل يوم 6 نوفمبر تقصف عقول الكادحين في المغرب الاقصى بوابل من الأضاليل حول المسيرة الخضراء وتعلق الشعب بالعرش في مسيرة استكمال ما يسمى "الوحدة الترابية"… لكن لا حديث عن الحدث الحقيقي وسياقه التاريخي والسياسي، لا حديث عن المستفيد من هذا “الحدث” ولا عن الضحية.
انطلقت المسيرة الخضراء من المغرب إلى الصحراء الغربية في أواخر سنة 1975، الحدث صنعه الحسن الثاني وحاشيته، وأشرف عليه كل من الجيش الملكي والداخلية وعدة أجهزة تابعة، هذه المؤسسات هي نفسها التي سحقت كل النضالات الجماهيرية الشعبية والمعارضة بالسلاح داخل المغرب، ونقلت المعركة الى خارج المغرب في عملية توسع واحتلال للصحراء الغربية وتشريد شعبها بعد ارتكاب مجازر كبيرة.
إن الشعوب هي التي تقوم بالأعمال الخالدة، وتنجز الأمور العظيمة، تشارك في معارك التحرر وتشرف على بناء بلدانها، وتقدم من أجل ذلك الشهداء من فلذات أكبادها. حملت هذه الشعوب السلاح وخاضت معارك وحروب شرسة ضد الاستعمار والامبريالية، من أجل حقها في تقرير المصير والسيادة على خيراتها والحرية والكرامة فوق ترابها، بينما كان الحكام يتواطئون مع المستعمر وينتهزون الفرصة للاستحواذ على تضحيات الشعوب.
يتناول هذا الموضوع قضية ظلت أقلام البورجوازية والاستبداد المأجورة تتكلم عنها بشكل واسع، لكن مع التغاضي عن تناول الجوهري في الأمر. كل ما يهمهم هو استعمال ما أطلق عليه إجماعا وطنيا خلقه هذا الحدث، قصد صناعة المغربي العبد والرعية والقطيع، الخاضع للحاكم المقدس، موحد الرأسماليين الكبار.
الحدث هو المسيرة الخضراء، والمبدع هو الحسن الثاني، حسب رواية البرجوازية المسيطرة على المغرب الاقصى. إن الأسئلة الجوهرية في الموضوع هي من شارك في المسيرة؟ من كان وراء التنظيم؟ وما هو سياقها التاريخي؟ وماذا حدث بالضبط في أيام المسيرة الخضراء؟ من استفاد منها ومن خسر؟ كل هذه الأسئلة لا تطرح من طرف صانعيها.
يصعب الجواب على هذه الأسئلة، دون الاطلاع على الوثائق والملفات الموجودة لدى جهاز الدولة المغربية والمؤسسات التي نظمت المسيرة. إن البورجوازية المغربية المرتبطة بالرجعية وبالامبريالية- المساندان لدولتها القمعية ونظامها المستبد- تريد طمس التاريخ بدون محاسبة، إن الوطنية المتشددة والشوفينية، والرجعية المتخلفة والمرتبطة بالنظام الرأسمالي، لن يقهرها سوى الكفاح الاممي.
للقضية جذور، ومعرفتها ضرورية.. يأتي في مقدمتها التفقير الذي تعرض له فقراء الفلاحين والذين مثلوا الحشود التي شاركت في المسيرة وبعدها جمهور المستغلين من طرف الرأسمال الباحث عن الاستثمار في الصحراء الغربية ووقود الشوفينية الذي يرمي به النظام الملكي في المغرب الى محرقة تمسكه باحتلال الصحراء الغربية ورغبة التوسع التي تغذي هذه الاطماع لاشباع رغبات الهيمنة واستصغار الشعوب والانتقام منها على مواقفها ضد الاستعمار ومقاومتها له.
إن دور الملكية المغربية التي شحنت مشاعر الآلاف المتوجهين لاحتلال الصحراء الغربية، هو التغطية عن الاجتياح العسكري الذي رافق العملية وارتكب مجازر مروعة في حق الصحراويين في تواطؤ مع النظام الإسباني
وبعد تخلى العرش المغربي عن المقاومة الصحراوية وتركها لوحدها في مجابهة الاستعمار الاسباني، بل حاربهم، فمحمد الخامس وابنه البكر يريان أن توطيد سلطتهما الهشة عقب الاستقلال لها الأفضلية على دعم الشعب الصحراوي في تحرير ارضه الصحراء الغربية؛ بل إنهما يعتبران المقاومين الصحراويين متمردين يزدادون قوة ويجب كبح جماحهم، وهذا هو هدف الحملة الفرنسية- الإسبانية المسماة أوراغان- إكوفيون التي نفذت بتعاون تام مع القوات المسلحة الملكية المغربية. فبينما كانت العائلات الصحراوية تتشتت تحت وقع القنابل، كان جيش التحرير يجرد من أسلحته، والقمع الإسباني في المنطقة يزداد ضراوة. كافأ فرانكو التعاون المغربي بالتخلي له عن منطقة طرفاية التي تعتبر ارض صحراوية تاريخيا.
لكن الاطماع التوسعية للنظام الملكي المعربي هي التي جعلت هؤلاء المفقرين والمتزعة أراضيهم، هم من سيتم تكديسهم في الشاحنات ويتجهون إلى قفار وفيافي الصحراء الغربية في أواخر سنة 1975 وهنا تبرز عدة اسئلة لماذا كل هذا العناء والمغامرة من اجل احتلال الصحراء الغربية:
الصحراء الغربية الموقع والثروات..الشعب يكافح والمستعمرون ينهبون.
تقع الصحراء الغربية في شمال غرب إفريقيا، يحدها المغرب من الشمال (445 كلم) والجزائر من الشمال الشرقي (30كلم) وموريتانيا شرقا وجنوبا (1570كلم ) وتمتد حدودها على الساحل الأطلسي غربا، شاطئ يبلغ طوله أزيد من1200 كلم وتبلغ مساحتها الإجمالية حوالي 266.000 كلم مربع. قام الاستعمار الاسباني بتقسيم المنطقة إلى شطرين، الساقية الحمراء شمالا(82.020 كلم مربع) ووادي الذهب في الجنوب (184.000 كلم مربع )
الفوسفاط
يعتبر الفوسفات الصحراوي الموجود بالمنطقة من أجود الأنواع عالميا (نسبة 65 -80 في المائة ) ويمثل 10 في المائة من الاحتياط العالمي، أي 3.8 مليار طن، في حين ذهبت بعض المراجع إلى أن احتياطي 6 حقول مكتشفة على امتداد 1200 كلم مربع قد يمثل نسبة 28.5 في المائة من الاحتياطي العالمي ، ويعتبر منجم “بوكراع” أكبر منجم منفرد في العالم، حيث تبلغ مساحته 250 كلم مربع، وبلغ إنتاجه سنة 1975، 2.6 مليون طن، وتحتل الصحراء الغربية الرتبة الثالثة عالميا في إنتاج الفوسفات بعد المغرب والولايات المتحدة الأمريكية .
تم اكتشاف الثروة الفوسفاطية منذ العام 1947 على يد المكتشف الجيولوجي الاسباني “مانويل اليا ميدينا” والتي تعد حقولها في عمق الأرض إلى حوالي 800 كلم مربع بين منطقة “ازيك” وجزيرة الرأس الأبيض لكنها لم تستغل إلا منذ سنة 1963 عندما بوشر بالإنتاج الفعلي من منجم “بوكراع” الذي تحتوي خاماته على نسبة 85 في المائة من الفوسفات ثلاثي الكالسيوم، ويقدر احتياطه بحوالي 10.000 مليون طن (ويتم استغلال خيرات هذا المنجم من طرف المغرب في نهب ممنهج متناقض والقانون الدولي بخصوص المستعمرات ودون استشارة او موافقة للشعب الصحراوي وممثله الشرعي والوحيد جبهة البوليساريو ).
ظل استغلال فوسفات بوكراع بالصحراء الغربية مشتركا بين مجموعة المكتب الشريف للفوسفات والشركة العمومية للمساهمة الصناعية الاسبانية (sepi) مند 1975 زمن المسيرة الخضراء إلى الآن . واحتياط فوسفات بوكراع يناهز ملياري طن، تمثل مابين 2و3 % من الاحتياطي الإجمالي للمغرب ، ويمتاز فوسفاط الصحراء الغربية باحتوائه كمية مهمة من مادة (الاورانيوم) الذي يمكن استخراجها منه. وقد استوردت دولة بلجيكا 5% من الاورانيوم التي تتوفر عليها حاليا من المغرب، وهي مستخرجة من فوسفاط بوكراع . و(sepi) تمتلك 35% من رأسمال مناجم بوكراع وتشارك في مجلسه الإداري وبالتالي تساهم في تدبير شؤون المناجم وتسطير سياستها وإستراتيجيتها .ويصدر فوسفاط بوكراع بالأساس إلى (اسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية ) .
إن المستوطنين المغاربة الذين تم شحنهم في الشاحنات مكدسة وقطعت مسافات طويلة جدا من أقصى الشمال والشرق إلى تخوم الصحراء الغربية وهم واقفون لا يستطيعون الجلوس نتيجة الازدحام. لازالوا يظنون أن اسبانيا تركت الثروات الصحراوية ولم تعد تستفيد من حبة رمل، لكن العكس هو الصحيح وهو ما يفسر صمت اسبانيا حتى اليوم عن مسؤوليتها التاريخية تجاه الشعب الصحراوي ومستعمرتها السابقة الصحراء الغربية.
مصايد الأسماك والرخويات
يعتبر الساحل الصحراوي من أهم المناطق الغنية، يتسع على امتداد 200.000 كلم مربع، وتعتبر مدينة الداخلة بجنوب الصحراء الغربية والكويرة من أهم المرافئ وهذا ما يجعل النظام المغربي يعقد اتفاقا يسمح بالصيد في المنطقة رغم مخالفة القانون الدولي ولوائح الامم المتحدة.
ويتميز الساحل الصحراوي بأغنى حوض سمك بالمنطقة بسبب الطبيعة الصخرية، وعوامل بيئية محددة منها مرور التيار الكناري البارد الذي يجلب معه أنواعا من أسماك المناطق الباردة، ويتوفر على 71 نوعا من الأسماك بكميات كبيرة وأكثر من 100 نوعا بكميات متفاوتة و60 نوعا من الرخويات وعشرات القشريات وراسيات الأرجل، ويوفر صيد مليوني طن سنويا، وهذا ما تشتهيه الأساطيل الامبريالية والاتحاد الأوروبي بالخصوص في فرض اتفاقيات اقتصادية فاقدة للشرعية ومتناقضة مع قرارات محكمة العدل الاوروبية والقانون الدولي.
موانئ الصحراء الغربية
يحتل ميناء العاصمة العيون لوحده المرتبة الأولى إفريقيا في تفريغ سمك السردين و 40 في المائة من الحمولة المغربية الكلية، كما يبلغ حجم التفريغ السنوي لميناء الداخلة 100.000 طن في السنة حسب إحصائيات 2006.
النفط والغاز
أغلب الدراسات والأبحاث ترجح إلى أن المنطقة غنية بهذه المادة، إضافة إلى طاقات أخرى متجددة، كالطاقات (الشمسية، المائية، والرياح..)
الحديد والمعادن
يقدر احتياطي الحديد المكتشف بمنطقة “أزميلات اغرشا” بـ 4.6 مليار طن (نقاوة الفلز بين 65-38 في المائة) ويعتبر ذا قيمة اقتصادية كبيرة لقلة الشوائب في تركيبته، إضافة إلى إمكانية استخراج (10) طن من التيتانيو، ونصف مليون طن من الفاناديوم (المرتبة الثانية بعد جنوب إفريقيا) من نفس المنجم أي “أزميلات افرشا” وتوجد خزانات كثيرة للملح على شكل سبخات (42 سبخة) في كل من ( اريدال ، كريط طاح ، أم الضبوع ، وأماكن أخرى.. ) فضلا عن إمكانية استخراج أملاح البوتاسيوم من الأحواض البحرية على شاطئ المحيط الأطلسي.
هذه الثروات المستغلة منها والكامنة هي التي كانت في رهان المسيرة الخضراء، الثروات التي أسالت ولا زالت تسيل لعاب النظام الملكي وتقديم رشاوى للانظمة الغربية التي تدعم استمرار احتلاله للصحراء الغربية.
الحياة التقليدية لشعب الصحراء الغربية
هم بدو رحل يعتمدون على الثروة الحيوانية (خاصة الإبل والأغنام والمعز..) بينما تمتهن أعمال الصيد والزراعة والتجارة والصناعة التقليدية نسبة قليلة كوسائل ومصادر معاش . أما عدد السكان، فمن خلال مصادر عدة أو كل المصادر التاريخية للشعب الصحراوي تقريبا، فإنه من المستحيل أن يتم الوقوف على إحصاءات دقيقة لان اغلب الصحراويين غير مسجلين فالاستعمار الاسباني كان يسجل السكان في المدن فقط، وكل الإحصاءات القديمة، تجد أنهم دأبوا دائما على تقديم أرقام غير ثابتة ويشوبها كثير من الغموض وعدم الدقة، فان اسبانيا أرسلت وفدا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة من بعض الصحراويين المنحازين لسياستها حيث قدم هذا الأخير إحصاء أكد فيه أن عدد السكان بالصحراء الغربية الموجودين على أراضيها يبلغ 300.000 نسمة، فبينما تنكر لوجود صحراويين خارج الإقليم لمصلحة اسبانيا طبعا ، خاصة وان هذه الأخيرة كانت تعتزم تنظيم استفتاء يقرر من خلاله السكان مصيرهم، وعليه فانه ليس من مصلحتها تسجيل وإحصاء كل السكان.
هذا هو واقع المنطقة وهذا هو شعبها، المنطقة التي اندلعت فيها حرب الصحراء الغربية بين الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب المعروفة اختصارا بالبوليساريو ونظام الاحتلال المغربي، الذي خلف الاستعمار الاسباني ودخل المنطقة عسكريا لاخضاعها بالقوة، في تنكر لتضحيات الشعب الصحراوي ومقاومته الباسلة ضد الاستعمار.
وتسببت الحرب التي دامت اكثر من 16 سنة في مقتل الالاف من المغاربة الذين دفعوا في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
يتبع ... من اشرف على تنظيم المسيرة الخضراء ؟
بقلم: طه محمد فاضل ـ بتصرف وبعض التصحيح
نشر على موقع المناضل-ة القديم يوم الاربعاء 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012