-->

التنظيم الوطني الثوري، العرض الممل


يقول المثل الحساني المعروف، والذي يُضرب لتمييز النضج والبلوغ (بوصوم ألا من القوم ولا زازو اللوم)
ويقول المثل الآخر المعروف والذي يُضرب لتبرئة الذمة وتخفيف الإحساس بالمسؤولية (اللي أحظر ماصاب يسكت)  
سقطت الحبة الخامسة عشر في تعداد سبحة مؤتمرات التنظيم الوطني الصحراوي، وبتلمسها بأصابعنا نطوي قرابة 47 سنة منذ نشأة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، التي أوجدها الشعب الصحراوي لتكون طليعته وممثله والناطق الرسمي والممثل الوحيد بإسمه أثناء كفاحه من أجل حقه في تقرير المصير والإستقلال، وللتذكير فقد كان هذا هو السبب الوحيد لنشأتها والسبب الأوحد لإلتفاف الصحراويين قاطبة حولها وتبنيها والإنضمام لها والتجند في صفوفها، قبل أن تجد نفسها مضطرة لرسم برنامج وطني أوسع وأشمل لمعالجة التبعات التي واجهتها بسبب الغزو والحرب والنزوح واللجوء.
وفي سنوات الحرب كان الرصاص كعادته يصدر الأوامر ولا ينتظر التردد من المتلقين، وكان الشعب الصحراوي بشكل عام يسير وفق متطلبات القذائف وتوجيهات القنابل والصواريخ، ولكن في جهة العملة المقابلة كان الإطار التنظيمي على ما يبدو يرسم خطوطا وتوجهات أخرى بصوت هامس لايمكن سماعه مع أزيز الطلقات، وتحت ضوء باهت لايُرى مع البريق واللهب الساطع الصادر من فوهات المدافع. ومع سكوت البنادق بدأ يظهر ما كان خفيا وما كان يحاك بليل. 
الشعب الصحراوي طيب وصبور وخلوق، ومن عاداته وتعاليم الدين وطبيعة البادية إكتسب مواصفات نادرة تصنفه من أفضل التجمعات البشرية وأكثرها تسامحا وكرما وترفعا عن دنايا الأمور، هذه المواصفات كانت ستكون نعمة لو وجدت من يستغلها ويوظفها لصالح الإنسان الصحراوي ويصعد به إلى عنان السماء، وعندما لم يتوفر ذلك للأسف بقي الملعب فارغا لمن يرغب في تعقيد الأمور ومع الضلال وضيق الأفق وإنعدام الرؤية بقي المجتمع الصحراوي يتمرق في وحل القبلية ويتعفن في مستنقع المصالح الضيقة للبعض ممن لا يستح ويفعل ما يشاء وللأسف إتخذ من مواصفات الشعب سلاحا يضربه به ويتستر وراءه.
ومع الزمن إستمر التنظيم الوطني الثوري في تكرار وإجترار سياسات بعيدة عن المبادئ والشعارات التي يضعها على جبينه وتؤلف قلوب الصحراويين من حوله، وفي خضم تلك الممارسات تعالت أصوات من هنا وهناك تنبه للمحظور وتنادي بالتصحيح والوقوف على مثل وقيم جبهة البوليساريو التي نادت بها عند التأسيس وعندما عرضت نفسها لتمثيل الصحراويين، وقوبلت هذه الأصوات بالتجاهل تارة والتنكر تارة أخرة وأحيانا تُرمى في مرمى الإتهام، وتُنعت بمختلف النعوت، وفي آخر الزمن أصبح الإطار المتمكن من ممارساته النتنة يقول وبصوت مرتفع " أنتم قولوا ما شيئتم، ونحن سنفعل ما نشاء". وهنا جدير بنا التساؤل عن المعنى من الشعار الذي رفعته الجبهة دائما (الشعار والممارسة هما اللذان يحددان هوية الفرد)؟ ماذا عن التنظيم؟
بهذا القول الأخير تبين أن نخبة التنظيم الثوري بشكل ما لم تعد تتسع للجميع، وأصبح جليا أنها حكر على البعض دون الكل، ومن خلال بقاء أو خلود بعض الإطارات في مناصبهم نقول للعالم أننا أمة متخلفة وعقيمة، ونقول لشعبنا خاصة في اللجوء أننا لا نستطيع تدبير أمورنا ولا نحسن تربية أجيالنا، وأننا لا نهتم ببناء مجتمع بل نرعى أمزجة أفراد وأما المصير والتسيير فيمكن أن ينتظر حتى نتأكد من أن (ذلك البعض) يتكئ على الكرسي الوثير الذي يناسبه، وليبقى اللاجئات واللاجئين في مهب الريح فمعاناتهم ليست أولوية لدى هؤلاء على ما يبدو، وإذا كان من معارض لهذه الفكرة فليجب على هذا السؤال: كيف يجرؤ مسؤول عن اللاجئين على السكن في المدن المجاورة أو البعيدة ويتجرأ على الحديث بإسمهم؟
إنفض المؤتمر 15 للجبهة، وتقترب من عقدها الخامس، فهل بلغت سن النضج؟ هل تحسب من القوم أم ليس عليها لوم؟ أم أنها شابت على ما شبت عليه؟ ورغم التقدم في العمر، يستمر التنظيم في تقديم نفس العرض وبنفس الأدوات ومع الأيام ينسحب العديد من الحضور خاصة ممن يجلسون في المقاعد الخلفية. فهل تعي نخبة التنظيم أن أهمية العروض تكمن وتتضح بحجم الحضور وعدم شغور الكراسي من المتابعين المهتمين؟ يبقى السؤال ضمن آلاف الأسئلة التي تدور في أذهان الصحراويين كل أربع سنوات، لكن عسر مخاض المؤتمر الأخير وما تمخض عنه والفرق بين التحضير والنتائج يصرخ بصوت عال ويوضح للأعمى والبصير أنه رغم ملل الحاضرين وتململهم يستمر عناد الفرقة في تقديم عرض يدعو للقرف والغثيان.
حمادي البشير
يناير 2020

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *