-->

كيف نواجه الوباء؟ فلنتعظ ممن مر من البلاء (بقلم: ماء العينين لكحل)


مقدمة:
استهزأ الأوروبيون طويلا من الإجراءات الصحية الصارمة التي فرضتها الصين عندما أصيبت بفيروس كورونا، بل وانبرت وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية لانتقاد الصين، متهمة إياها كالعادة بالديكتاتورية، وبعدم احترام حقوق الإنسان إلى غير ذلك من التهم. لكن الصين انكمشت على نفسها، وواصلت تطبيق استراتيجيتها لمواجهة هذا الوباء رغم كل هذا الضجيج، وفرضت الحجر الصحي على جميع المناطق الموبوءة، بل فرضت هذه الإجراءات على البلد برمته، لتخرج في النهاية منتصرة ليس فقط على الوباء بل وعلى من انتقدوها بالأمس حين انتقل إليهم الوباء.
والآن، ها نحن نرى الدول الأوروبية الأكثر تضررا تفرض نفس الإجراءات التي كانت تنتقدها بالأمس، حين أدركت أن هذا الفيروس لا حل له حاليا إلا الوقاية منه قدر الإمكان. دول كانت تقول أنها عظمى، أرغمها هذا الفيروس الميكروسكوبي على الإنحناء، فهل نتعظ؟ وهل نفهم أن علينا اتخاذ إجراءات مضاعفة إن تطلب الأمر لأننا لا نملك واحد بالمائة من الإمكانيات التي لدى هذه الدول لمواجهة الوباء لو تفشى لا قدر الله.
كيف نواجه الوباء:
عرف التاريخ انتشار أوبئة قاتلة في مراحل مختلفة من التاريخ، ولم تجد البشرية دواء له أفضل من ممارسة أقصى درجات الحرص على النظافة الشخصية، ونظافة المحيط، وتفادي الإختلاط ما أمكن، والتقليص للحركة، أي ما يعرف بفرض الحجر الصحي.
فما هو الحجر الصحي:
الحجر الصحي هو تقييد الحركة لأي شخص يشتبه في أنه قد يكون تعرض للوباء، حتى لو لم يكن مصابا، إلى أن تظهر الفحوصات الطبية الضرورية خلوه من الوباء فعلا.
ويوصي الخبراء في هذا المجال باحترام الحجر الصحي لمدة لا تقل عن 14 يوما للتأكد من سلامة شخص قد تكون لديه أعراض مشابهة لأعراض الاصابة بالفيروس (مثلا نازلة البرد، الانفلوانزا العادية أو الحمى ….الخ).
ما الذي نستطيع فعله كمواطنين:
في هذا الظرف الخطير دوليا، ينبغي التحلي التام بأعلى درجات المسؤولية الشخصية تجاه الجميع، وعلى رأسهم أقرب المقربين، حيث أن التهرب من تطبيق الإجراءات التي طرحتها جميع دول العالم حاليا بعد أن تأكدت من خطورة الوضع، هو انعدام لروح المسؤولية، واستهتار بأرواح الناس، وقد يدخل في إطار ارتكاب جريمة، والمصيبة أنها ستكون جريمة ضد أقرب المقربين وأغلاهم على الإطلاق: الوالدين على وجه الخصوص والأجداد لأنهم الأكثر تأثرا بهذا الفيروس القاتل.
ولم تجد هذه الدول جميعها حلا أفضل من التقليص التام للحركة في الشوارع والأزقة وأماكن العمل، بل حتى في المساجد التي أوقفت فيها الصلاة في عدد كبير من الدول العربية، وعلى رأسها الحرم المكي الذي منعت فيه الصلاة احترازا، ناهيك عن ضرورة وقف جميع الأنشطة الثقافية، والسياسية وحتى الاجتماعية (الزواج والعقيقة الخ) التي قد تجمع أعدادا معتبرة من الناس في مكان واحد بما في ذلك المدارس والجامعات والمقاهي وغيرها.
حتى السلام بالأيدي، وبالأحضان، وتبادل القبل، ممنوعة لمن أراد أن يكفي شره غيره.
لكن المصيبة والطامة الكبرى تكمن في أعضاء المجتمع الذين نراهم يستهزؤون بكل هذه الإجراءات، “امركو منها لصباع” ويجعلون منها مجرد كلام فارغ، ويواصلون انتهاك الإجراءات المطروحة، ما أرغم دولا، كانت تنتقد بالأمس إجراءات الصين، إلى إنزال قوات الجيش والشرطة إلى الشوارع لفرض غرامات، ولإرغام الناس على الامتثال للإجراءات غصبا وأمرا وليس تكرما منهم. فهاهي فرنسا واسبانيا تنزلان مئات آلاف الجنود لفرض الحضر في واضحة النهار، وهاهي الشركات الكبيرة توقف عملها نهائيا أو جزئيا، وتطلب من موظفيها البقاء في بيوتهم، والعمل من هناك ما أمكن، أو حتى التوقف عن العمل.
عادات خطيرة الآن في مجتمعنا:
من أخطر العادات حاليا في مجتمعنا هي جلسات الشاي، واستعمال نفس الإناء للشرب، وغيرها من العادات التي تستعمل فيها أواني أو أشياء من قبل أكثر من شخص في جلسة واحدة. وصحيح أنه سيكون من الصعب التغلب على هذه العادات، ولكن نظرا للظروف القاهرة لا بد من بذل مجهود مضاعف للنجاح في ذلك.
الاختلاط، والزيارات، والحركة والتنقل غير الضروري، وتكرارا السلام باللمس، وتقبيل الأطفال، والاصرار على تنظيم المناسبات الاجتماعية تمسكا بالعادات بدل التمسك بضرورة تجنب الوباء، هي بعض المخاطر التي على الجميع تفاديها، وعلى الجميع نصح الغير بتفاديها، وفي حالات الضرورة على أرباب العائلات والأمهات منعها غصبا في حالة تعنت أي فرد من العائلة.
علينا أن نفهم جميعا أن من يرفض احترام إجراءات النظافة، وإجراءات الوقاية هو عدو لنفسه، وعدو لعائلته وخاصة لوالديه (لأن كبار السن هم أكثر المعرضين للوباء لا قدر الله)، وعدو لمجتمعه، ويكاد يكون مجرما بل وقاتلا إن تسبب في نقل العدوى عن عمد لغيره. لذلك، ينبغي أن يواجه بما يستحق من التنبيه، والتقريع ثم الإرغام إن دعت الضرورة من قبل عائلته أو من قبل السلطات المعنية. فلا مجال للعب بأرواح الناس، ومن قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا. والتعنت والتمادي في تحدي الإجراءات الوقائية الضرورية في هذه المرحلة هو جريمة تستحق العقاب.
والأهم من كل ذلك، أن على كل من أحس بأدنى شك في أنه مصاب ببرد، أو حمى، أن ينبه محيطه إلى ذلك، ويتخذ الإجراءات الضرورية لعزل نفسه عن الناس حتى لا يتسبب في نقل أي عدوى لمحيطه، وأن يتصل بالجهات المعنية للإبلاغ عن حالته للخضوع للفحوصات الضرورية إلى غاية أن يتأكد من طبيعة إصابته.
خاتمة:
لقد شكلت السلطات جميعها هيئات مختصة بمتابعة الوباء، كما كلفت أجهزة الدولة بالحرص على مساعدة هذه الهيئات على أداء وظيفتها الخطيرة في هذه المرحلة الحساسة، ومن واجبنا جميعا أن نتعاون مع هذه الهيئات، ونمد لها يد العون، ونحرص على عدم تشويهها، أو التشويش عليها سواء بشكل مباشر أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي، ومن مسؤوليتنا كمواطنين أن نقف في وجه كل من تسول له نفسه القيام بذلك، لأن “ضحكة فينا ما تضحك” خاصة في هذه الظروف. وكل من تسول له نفسه الإصرار على ضرب مؤسساتنا وهيئاتنا في هذه الظروف التي علينا أن نتعاون جميعا ونتكاتف يستحق منا أن ننبهه لضرورة التوقف عن ذلك حاليا، ففي جميع أعراف وتقاليد وقوانين العالم يعتبر التهجم على سلطات البلد في زمن الحرب والخطر جريمة وخيانة للمجتمع وللوطن قبل أي شيء. وفي زمن الحرب والوباء يقف جميع المواطنين جنودا لخدمة الوطن والمواطن، وتوضع الأحقاد والانتقادات، والمصالح الشخصية جانبا في سبيل الخروج من الأزمات.
فهذه الهيئة، مثلها مثل جميع السلطات، ليست مسؤولة عن الوباء أكثر من مسؤولياتنا كأفراد، وكأرباب عائلات، وكإخوة وأخوات وأبناء وأصدقاء. كلنا مسؤولون عن نصح عائلاتنا وأبنائنا وآبائنا، وكلنا معنيون بإقناعهم أو حتى إرغامهم قسرا إن تطلب الأمر باحترام الإجراءات، فلا مجال هنا للصبيانيات، ولا للتلاعب بأرواح الناس، ومن تجاوز حدود الله فقد ظلم نفسه، وفي هذه الحالة ظلم أرواح الآخرين أيضا. وهنا لا بد للمرأة خصوصا من أن تلعب الدور الأكبر في مراقبة وضع العائلة، وتنبيه أفرادها لضرورة الالتزام، لأن المرأة كانت دائما أكثر تحملا للمسؤولية وأكثر تنبها للمخاطر.
فرجاء لا أمرا، علينا جميعا، ودون استثناء أن نتحلى بأعلى درجات المسؤولية تجاه أنفسنا، وتجاه عائلاتنا وتجاه شعبنا ومستقبل أوطاننا، بل تجاه البشرية. والله ولي التوفيق.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *