الجيش الصحراوي من حرب العصابات ..الى حرب الاستنزاف..
التجربة الصحراوية تنوعت بمراحلها وتعددت اساليبها الا انها حافظت على "صيرورة المزواجة" بين المقاومة الشعبية وحرب العصابات، كما قال الكاتب والمحلل الاسباني، د. كارلوس ارويث.، قبل ان يبدأ وقف اطلاق النار والذي جعل عمل الانتفاضة يواصل المشوار، لكن بطرق جديدة من العصيان المدني وب"مناعة" الاسلوب ، يوضح احد النشطاء الصحراويين والسجناء السابقين في سجون المغرب ..!!
يمكن ان نلاحظ مرحلتين فاصلتين- حسب تصريحات وزير الدفاع الصحراوي السابق (محمدلمين البوهالي) :
الاولى يمكن ان نسميها بعد فترة التاسيس بمرحلة " الدفاع الايجابي والتاهب للهجوم"..
إذ فرضت وضعية الاجتياح (أكتوبر 1975 ــ يونيو 1976) على البوليساريو التأقلم مع الظروف الجديدة عبر ما يمكن أن نطلق عليه الحماية حيث تعرضت المنطقة لاحتلال من الشمال ومن الجنوب و اكتساح غير مسبوق عرض المدنيين والسكان عامة لخطر الموت وحرب الإبادة في ظل التشريد والنزوح الجماعي والفرار من الجيوش القادمة من الشمال والجنوب ..
هذه الفترة رغم ما اتسمت به من شراسة وقسوة " لم تفرض على جيش التحرير الصحراوي التقوقع أو التسليم بالأمر الواقع، بل وقف من خطة الدفاع الايجابي بالمرصاد لمشروع الابادة: وقد تمثلت مهامه بحسب وثيقة صادرة عن وزارة الدفاع الصحراوية" في :
أ - تأمين المواطنين الصحراويين الفارين أمام القوات الغازية، ونقلهم إلى مناطق آمنة.
ب - التصدي للقوات الغازية لتعطيل زحفها.
ج - ضرب مؤخرة الخصم والتأثير على محاور إمداده من جهة ، وتسديد ضربات في العمق استهدفت ابعد النقاط - (موقع السفارة الصحراوية بالجزائر)-
وهكذا عرفت هذه المرحلة عمليات متعددة الشكل(اغارات، كمائن، معارك موقعية، اختراقات العمق، ضربات وراء الخطوط الأمامية)، التصدي لحملات التمشيط الكبرى وكانت هناك معارك كبرى مثل أمقالا في 13 ـ 14 فبراير..
لتتوج هذه المرحلة من الحرب بالعملية "الخاطفة" التي استهدفت العاصمة الموريتانية نواكشوط، وقادها الأمين العام السابق الولي مصطفى حيث توفي يوم ( 9 يونيو 1976) .
امام "استعادة المبادرة والمبادأة" بالهجوم، التي بدأت مع" هجمة الولي" يونيو1976 وحتى ديسمبر 1978 والتي كانت ابرز معالمها بحسب ذات المصدر :
" ضرب نواكشوط، وزعزعة نظام ولد دداده في موريتانيا، وخروج موريتانيا من النزاع (..) وهو ما سمح للجيش الصحراوي ان يوسع جبهة المعركة العسكرية التي طالت حتى جنوب المغرب وكل التراب الصحراوي ،مع تسديد ضربات وشن عمليات تكاد تكون يومية على جبهة تجاوز طولها 5000 كلم حسب ما تمليه طبيعة الأرض والقوة المهاجمة، استعمال كل تكتيكات الحرب المعروف بالمزاوجة بين حرب العصابات وحرب المواقع،وضرب الأهداف الاقتصادية، واستهداف خطوط الإمداد والدعم اللوجستيكي للخصم"- تصريحات وزير الدفاع الصحراوي (السابق ابراهيم غالي) حسب كتاب "الصحراء الغربية التاريخ المحظور" .
و عرفت هذه المرحلة "انهيار" شبه كامل القوات المغربية المحتلة ، وهو ما " حذا بفرنسا القوة الراعية للدولتين الغازيتين ذات العداء التاريخي لأي نهج وطني استقلالي بالمنطقة،يقول وزير الدفاع السابق ، الى التدخل.." اذ تشكل وقتها محور باريس ـ الرباط ـ نواكشوط، ضمن استراتيجية لازالت فرنسا تعمل عليها بمختلف الصيغ والإشكال تحذوها مصالحها القديمة وحنينها القديم للسيطرة والنفوذ في افريقيا، يقول محمد لمين احمد في حديث للاذاعة الصحراوية.
خلال هذه الهجمة الشاملة تم تنظيم صفوف الجيش الصحراوي ضمن قطاعات عملياتية ( الجنوب الشرقي ــ الجنوب الغربي ـ الوسط ـ الشمال والشمال الشرقي). هذا إضافة إلى التطور على مستوي وزارة الدفاع(التي كانت من اهم الوزرات في اول حكومة صحراوي سنة 1976) مع استحداث الأركان العامة، ورفع مستوى التأهيل القتالي من خلال التدريب لدى الدول الصديقة والشقيقة، وخلق نواة لمدارس تدريب وطنية صحراوية.
أما على صعيد ميدان العمليات فقد سجل جيش التحرير الصحراوي مئات العمليات التي تراوحت بين الهجمات والمناوشات والمعارك الكبيرة، على جبهة زاد طولها على 4000 كلم من أقصى الجنوب الشرقي لكويرة حتى جنوب المغرب، مما اجبر القوات المغربية على تغيير تشكيلاتها وتكتيكاتها أكثر من مرة في محاولة منها لاستعادة المبادرة العسكرية التي انتزعت منها منذ البداية، يعتقد قادة جبهة البوليساريو، فتبنت في مرحلة أولى استراتيجية الانتشار بالمناطق الصحراوية والتمركز في القرى والمدن مما جعلها معزولة عن بعضها وسهل "شل" خطوط إمدادها.
ويكشف القادة بان ذلك "التقهقر" جعل الجيش المغربي ومن ورائه المختصين الأجانب، يفكرون في انتهاج إستراتيجية وحدات التدخل( D-I-R ) ومحاولة "صحروة الحرب" من خلال التجنيد القهري للصحراويين في هذه الوحدات، لكن ذلك في رايهم " كله باء بالفشل" إذ استطاع الجيش الصحراوي أن يسجل الملاحم الكبيرة والنوعية العالية التي اعترف بها العدو وشهادات الضباط المغاربة هي خير اعتراف ضباط مغاربة كما دونها الطوبجي في كتابه "ضباط صاحب الجلالة" ثم اعترافات بعض كبار الضباط مثل الجنيرال الدليمي ، والجنيرال لعبيدي، والقجدامي.
واتبع الجيش الصحراوي اسلوب "التجديد" في مواجهة الخصم والإيقاع به عبر إطلاق العنان كل مرة لتكتيكات جديدة لمواجهة كافة اصناف الحرب التي حاولت القوات المعادية ابتكارها ( هجمة بومدين ،يناير 1979 ـ أكتوبر1984) التي بدأت مباشرة بعد سقوط نظام ولد داداه وخروج موريتانيا من الحرب منذ منتصف شهر يوليوز 1978 ( يقول وزير الدفاع في حديث لجريدة الصحراء الحرة )
اذ أعلنت البوليساريو، الشروع في الهجمة الشاملة التي أطلق عليها اسم الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، عرفانا وتخليدا لذكرى الرجل حيث تركزت جهود الجيش الصحراوي كلية نحو الجيش المغربي، الذي عرف خلال هذه الهجمة "أسوأ هزائمه" بحسب اعترافات ضباط مغاربة، بعد ان الحقت به البوليساريو "أفدح خسائر" في مواقع حربية كبيرة (لبيرات التي وصفتها الصحافة الدولية بأنها " ديان بيان فو" الصحراء، معارك الوركزيز التي استمرت شهرا تم خلالها القضاء على نخبة الجيش المغربي التي كان يقودها الجنيرال الدليمي ، السمارة تم تحرير 850 مواطنا صحراويا والمحبس تم فيها التدمير الكلي للقوات المغربية المتمركزة بالحامية (ستة آلاف جندي وضابط )
اضف الى ذلك العشرات من الملاحم الأخرى التي أجبرت القيادة العسكرية المغربية على تغيير نظام قواتها وتشكيلاتها سواء من حيث العدد أو التسليح، فظهر ما عرف بالألوية الممكننة ( B-MECA ) إضافة إلى تجريدتين عسكريتين كبيرتين تعملان بشكل مستقل ومتوازي مع بقية الجيش , وهما ما عرف ب (الزلاقة وأحد) ، قوات "أحد" كان يقودها الجنرال الدليمي هذه الاخيرة حاولت فك الحصار عن مدينة الزاك المحاصرة الا انها تعرضت" لأشر الهزائم"، وفر قائدها الجنرال الدليمي، وذلك في نهاية شهر ابريل 1980 (حسب شهادات ضباط مغاربة ومراقبين ).
ولم تكن قوة "الزلاقة" بأوفر حظ من "أحد" ،فقد تعرضت في شهر مارس 1980 لأنكر الهزائم وتفككت وحداتها في معارك الواركزيز(جنوب المغرب) اذ قدرت خسائرها ب 1531 عسكري مغربي واسر العشرات منهم ضباط كبار.. ثم معركة القلتة التي ت فيها القضاء على لواء، بحسب وثيقة تقييمية اعدتها وزارة الدفاع الصحراوية بعيد وقف اطلاق النار .
بقلم: الكاتب والاعلامي السالك مفتاح