الشعب الصحراوي ومجلس الأمن: حوار الطرشان
أياما قليلة بعد نشر التقرير الفضيحة للأمين العام للأمم المتحدة المنحاز بجلاء لسياسة فرض الأمر الواقع وفرض قانون القوة على قانون الحق، وزع مجلس الأمن مسودة تقريره (التوصية) على مجموعة أصدقاء/أعداء الصحراء الغربية لمراجعتها والموافقة أو التعديل، والتي سيتم إعتمادها بعد التعديلات إن وجدت من خلال عرضها للتصويت على كامل أعضاء المجلس الخمسة عشر. ولم أتفاجأ شخصيا بالمحتوى الهزيل للتوصية التي بدت كنسخة شاحبة بالأبيض والأسود من سابقتها التي صدرت في أكتوبر من العام الماضي أياما قليلة قبل إنعقاد المؤتمر 15 للجبهة، وبعد أن تلقى المجلس عدة رسائل تحذيرية وتنبيهية من الجبهة تتعلق بالإنحراف الواضح في مسار عمل البعثة الأممية، والتي أعلنت الجبهة بعدها أنها: "لم يعد أمامها من خيار سوى عدم الإنخراط في أي عملية سلمية لا تهدف إلى تمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير".
وكان الأمين العام للجبهة قد أرسل من جديد رسائل توضيحية لمجلس الأمن ردا على التقرير المنحاز والمائع والزائف في أغلب فقراته الصادر عن الأمين العام، وتهدف الرسائل بطبيعة الحال إلى جعل مجلس الأمن يعيد قراءة الواقع ويراجع محتوى التقرير ليتمكن من إصدار قرار (توصية) متوازنة تعيد قاطرة البعثة الدولية إلى السكة الصحيحة. لكن وكما كنت أتوقع شخصيا وربما الكثيرين غيري بدا واضحا أن مجلس الأمن أصم وآذانه لاتسمع نداءنا، ربما لأن هناك أصوات أخرى أكثر علوا من صرخاتنا، فرنسا وإسبانيا تصمانه من قريب (وهو ما أوضحناه في مقال سابق)، ولعل للحرب الدائرة في الشرق الأوسط بين أذربيجان وأرمينيا لاسباب مماثلة لقضيتنا(عدم تطبيق قرارات المجلس بخصوص إحتلال أرمينيا لمناطق من أذربيجان الصادرة قبل 30 سنة) هي أيضا أعلى صفيرا منا.
هكذا يبدو الوضع، حوار بين الطرشان، نحن نصرخ وهو-المجلس- اطرش، هو يتغنى ويكرر نفس المعزوفة التي لا نستسيغها ونحن طبعا لا نجد فيها نغمة تطربنا. ويبدو واضحا أن كلينا لم يهتد بعد أو لا يريد أن يهتدي للسمفونية التي تطرب الجميع وتحقق الإنسجام في التصور والمسار وتقود الكل إلى السير في الطريق الصحيح الذي يؤدي إلى حل قضية الصحراء الغربية بما يتماشى مع القانون الدولي وقرارت القاضي/الخصم الأكبر أي مجلس الأمن الذي يبدو أنه لا يكترث كثيرا إذا ما رميت قراراته في سلال القمامة من طرف بعض القوى الظالمة التي يمثلها بعض أعضاءه.
في الواقع ليس في الأمر جديد، فالمجلس يكرر نفس القرارات (التوصيات) المتعلقة بقضيتنا بنفس الكلمات وأحيانا أكثر تحريفا وميلا لمصالح المملكة المغربية، ونحن على مدار ثلاثة عقود نستمتع بالوهم ونتغني بقرارات تمهد لوضع السكين على مذابحنا وتهدد بتلاشي حقوقنا المنصوص عليها في القانون الدولي الذي لا يهتم به أحد سوانا، كثيرون منا صدعوا رؤوسنا بالركوب على الكلمات المتناثرة هنا وهناك في التقارير (التوصيات) الأممية وعشنا على صداعهم ثلاثين سنة من العذابات والمآسي سواء في المناطق المحتلة أو مخيمات اللجوء او الغربة والشتات وفي النهاية - وحتى منذ البداية- كنا كمن يحاول حصر الماء بايدي مبسوطة والنتيجة معروفة للجميع.
من الجلي أن صوتنا ليس مسموعا في مجلس الأمن، ومن الأكثر جلاءا أننا ما كنا على مسار يوصل إلى النتيجة التي نرجوها، بالتأكيد أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن لن يغيروا شيئا من نظرتهم وتقييمهم لنا لأننا لم نلجأ إلى ما يرغمهم على ذلك، من جانبنا هل بدأنا في سلك السبل التي ستجعلهم يعيدون حساباتهم؟
إن غدا لناظره لقريب.
حمادي البشير