حكّام الأقاليم يضغطون على مدريد لاسترضاء الجزائر
قال الباحث في جامعة اشبيلية بإسبانيا، البشير محمد لحسن، إن أوروبا أبلغت الحكومة الاسبانية بأن المشكلة التي سببها بيدرو سانشيز وهي مشكلة ثنائية مع الجزائر، ورفضت أن يتم الزج بها في هذه الخصومة.
وأكد لحسن في حوار مع “الشروق”، خشية اسبانيا من التأثيرات الاقتصادية للأزمة مع الجزائر، وهو ما تترجمه مسارعة بعض حكام الأقاليم بمطالبة الحكومة المركزية في مدريد بضرورة إصلاح العلاقة مع الجزائر.
أي تأثير خلفه قرار الجزائر بوقف العمل باتفاقية الصداقة مع إسبانيا على مدريد؟
قرار الجزائر بتعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار له تأثيرات على عدة مستويات، الأول على المستوى السياسي وسمعة إسبانيا ودورها كدولة أوروبية على تماس مع الدول الإفريقية، حيث يفترض في دولة أوروبية في هذا الموقع الجغرافي أن تحافظ على علاقات متوازنة مع مختلف الدول في جنوب المتوسط، وهو الأمر الذي فشلت فيه مدريد بدليل أن الشركاء الأوروبيين رفضوا مساعي اسبانيا بجعل هذه المشكلة مشكلة أوروبية جزائرية، وبعثوا لإسبانيا برسالة مفادها أن ما حصل مشكلة اسبانية جزائرية محضة، ولا يمكن لإسبانيا أن تزج بالاتحاد الأوروبي في هذه المسألة.
الموضوع الآخر هو موضوع تجاري، فالصادرات الإسبانية إلى الجزائر تقدر بـ 2.107 مليار دولار سنويا، وهو مبلغ كبير جدا، فهنالك أقاليم في اسبانيا تعتمد بشكل مباشر على الصادرات نحو الجزائر مثل فالنسيا.
هذه المناطق بدأت تشعر بهذا التأثير، وبدأت في الضغط، وعلى سبيل المثال حاكم إقليم فالنسيا هو اشتراكي شرع في الضغط على الحكومة المركزية، وقال في مراسلة للحكومة إنه قد لا تتأثر مدريد بصفة مباشرة مع الجزائر، لكن فالنسيا تأثرت بشكل مباشر، ودعا الحكومة للقيام بخطوات مستعجلة لإصلاح العلاقات مع الجزائر، من دون إغفال الشرخ في البرلمان الإسباني والطبقة السياسية التي تلقي اللوم مباشرة على الحكومة، وبالتالي هنالك تداعيات مجتمعية.
هل الأثر البالغ مرده الخسائر على المستوى السياسي والاقتصادي، أم الاعتقاد المسبق بعدم ردة فعل من الجزائر أصلا؟
يبدو أن هنالك سوء تقدير وسوء قراءة من طرف الحكومة الاسبانية للموقف الجزائر، بدليل أن أول ما أعلنت الحكومة الاسبانية عن تغيير موقفها من القضية الصحراوية وتأييدها الاحتلال المغربي للصحراء الغربية، سأل الصحفيون وزير الخارجية خوسيه مانويل ألباريس، فأجاب أن الجزائر على علم بالموضوع، ويبدو أن التصرف بهذه الطريقة أغضب الجزائر، كون هذا الأمر سيضع الجزائر في موقع محرج، لكن اتضح لاحقا كذب وزير الخارجية الاسباني، الأمر الذي تأكدت منه الصحافة الاسبانية، وتبين لاحقا أن الحكومة الاسبانية أدارت الملف بطريقة سيئة جدا، ولم تقدر ردة فعل الجزائر لهذا الخرق الواضح لقرارات الشرعية الدولية.
ردة فعل الجزائر لم تتوقعها الحكومة الاسبانية، إضافة إلى نوعية وحجم هذا الرد الذي مس الصادرات الاسبانية وصمتها، كما أن ما قامت به اسبانيا ترك رسالة واضحة لدى الأوروبيين بأن مدريد مصدر مشاكل مع الجيران في أفريقيا، حيث تخلت اسبانيا عن دورها كعامل استقرار في حوض المتوسط.
لجوء للاتحاد الأوروبي ثم الادعاء بوجود دور روسي فيما حصل، كيف تقرأ حالة الارتباك الحاصل لدى حكومة سانشيز؟
الادعاء بوجود دور روسي لسوء العلاقات بين البلدين، جعل الحكومة الاسبانية أضحوكة لدى الرأي العام، أولا، لأن الوزراء الذي رددوا هذه المزاعم لم يقدموا أي دليل ملموس لإقناع المتابعين.
حديث وزيرة الاقتصاد أن العلاقات الجزائرية الروسية تحسنت كثيرا، أظهر جهلها بتاريخ العلاقات مع موسكو سواء في الحقبة السوفيتية أو بعد ذلك، لأن الكل يعلم باستثناء الوزراء الأسبان أن علاقات الجزائر وروسيا كانت دائما قوية ومتينة.
هنالك منحى آخر، وهو تزامن تصريحات وزراء أسبان بعلاقة الجزائر وروسيا وتدهورها مع مدريد، مع زيارات مسؤولين أوروبيين إلى الجزائر، ومن ذلك نائب وزير خارجية ألمانيا، والمحادثة التي جمعت وزيرة خارجية فرنسا مع نظيرها رمطان لعمامرة، وزيارة هذا الأخير إلى فنلندا، هذا التحرك من أوروبا نحو الجزائر جاء في وقت سيء لإسبانيا، ما يدحض المزاعم بوجود تنسيق روسي جزائري لسوء العلاقات مع اسبانيا.
ما هي الخيارات المتاحة لدى رئيس الحكومة الاسبانية الآن؟
الخيارات أمام سانشيز قليلة جدا، لا يمكنه سياسيا أن يضحي بوزيره الخارجية ويجعله ككبش فداء، لأنه سيعطي انطباعا سيئا داخليا وخارجيا، حيث سيكون ألباريس ثاني وزير خارجية يتم التضحية به، وسيكون لها قراءة سلبية جدا بأنه أدار السياسة الخارجية بطريقة سيئة جدا.
الخيار الآخر أن يواصل سانشيز التعنت وإبقاء الثقة في ألباريس، بحيث تستمر العلاقة مع الجزائر بهذه الطريقة إلى حين سقوط الحكومة قبل أوانها وتنظيم انتخابات مسبقة، أو سقوطها تلقائيا مع تنظيم الانتخابات التشريعية بعد سنة ونصف، وهنا نكون أمام خسارة اقتصادية لإسبانيا من الناحية التجارية ورفع أسعار الغاز على اسبانيا وإنقاص إمدادات الغاز بشكل مستمر، وتعويض اسبانيا بإيطاليا في عملية إمداد أوروبا بالغاز.
الحقيقة لست أدري إن كان الاقتصاد الاسباني يتحمل كل هذه الخسائر، والآن الكهرباء في أغلى أسعارها منذ سنوات ،والاقتصاد الاسباني متدهور ويعيش حالة من الركود والتضخم.
هل يمكن تقديم رصد لدى الطبقة السياسة والصحافة والرأي العام مما يحدث بين الجزائر وإسبانيا؟
الكثير من الطبقة السياسية والصحافة الاسبانية تؤكد أن هنالك سوء تقدير من الخارجية ومن سانشيز تحديدا فيما يتعلق بالأزمة مع الجزائر، وأن ما حصل جرى في أسوإ توقيت، وأوروبا تبحث عن الغاز، ومع ذلك يغامر سانشيز ولن يحصل على أي شيء من المغرب، فيما الجزائر شريك موثوق وضامن لإمداد الغاز، بالمحصلة مغامرة سانتشيز محفوفة بالمخاطر، وهو ما يعكس تباين المواقف، ففي الأزمة مع المغرب، الحكومة والأحزاب والصحافة اصطفت مع الحكومة، لكن الآن هنالك انتقاد كبير للحكومة ولطريقة إدارة الأزمة.
المصدر: الشروق