كلمة رئيس الجمهورية في افتتاح المؤتمر التاسع للاتحاد الوطني للمرأة الصحراوية، في الذكرى الثانية والخمسين لانتفاضة الزملة واليوم الوطني للمفقود
ألقى رئيس الجمهورية ، الأمين العام لجبهة البوليساريو السيد ابراهيم غالي كلمة اليوم السبت خلال أشغال المؤتمر التاسع للإتحاد الوطني للمرأة الصحراوية التي تحتضن أشغاله ولاية أوسرد .
وفيما يلي النص الكامل للكلمة :
كلمة الأخ إبراهيم غالي، رئيس الجمهورية، الأمين العام للجبهة، في افتتاح المؤتمر التاسع للاتحاد الوطني للمرأة الصحراوية، في الذكرى الثانية والخمسين لانتفاضة الزملة واليوم الوطني للمفقود.
ولاية أوسرد، 18 يونيو 2022
بسم الله الرحمن الرحيم
أيتها المؤتمرات الفضليات،
الحضور الكريم،
يلتئم هذا الجمع الكريم في افتتاح المؤتمر التاسع للاتحاد الوطني للمرأة الصحراوية، مؤتمر المفقودة مغلاها يحظيه امبارك، ونحن نخلد الذكرى الثانية والخمسين لانتفاضة الزملة التاريخية واليوم الوطني للمفقود، المصادف ليوم اختطاف واختفاء قائد تلك الانتفاضة، زعيم المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء، محمد سيد إبراهيم بصيري.
لقد كانت تلك الانتفاضة محطة ناصعة ومتميزة في مسار طويل من المقاومة الصحراوية ضد مختلف أشكال الاستعمار والطغيان. ويكمن تميزها في أنها، من ناحية، شكلت أول تمظهر سياسي منظم ومؤطر بوعي وطني صحراوي جامع و، من ناحية أخرى، باعتبارها إيذاناً بالشروع في تحول جذري عميق في تاريخ الشعب الصحراوي والمنطقة، توج بتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، واندلاع الكفاح المسلح في 20 ماي 1973 ضد الوجود الاستعماري في بلادنا.
إن ذكرى انتفاضة الزملة واليوم الوطني للمفقود تحيلنا إلى ذلك الرجل المخلص الذي قدم أروع مثال على الوطنية والقناعة بقضية شعبه وصدقه في تبنيها واستعداده للذود عنها بكل ما يملك، وبلا تردد. لقد قدم لنا وللعالم مثال القائد الذي يتقدم الصفوف ولا يتقاعس في اللحظات الحاسمة، ولكن بإيمان راسخ بالله ثم بشعبه، وبثقة مطلقة في حتمية انتصار الحق، مهما تطلب ذلك من تضحيات ومهما تعاقب من أجيال.
وفي وقت نلح في هذا اليوم على مسؤولية الدولة الإسبانية في الكشف عن مصير فقيد انتفاضة الزملة، فإننا نترحم على كل شهيدات وشهداء القضية الوطنية عامة، وفي مقدمتهم مفجر الثورة، شهيد الحرية والكرامة، الولي مصطفى السيد، ومن سار على ذلك الدرب المنير، وما بدل تبديلاً، من أمثال الرئيس الشهيد محمد عبد العزيز.
الأخوات المؤتمرات،
الحضور الكريم،
وإن الحديث عن الانتفاضة والمقاومة والاختفاء القسري يحيل بالضرورة إلى الدور والمكانة الخاصة التي تحتلها المرأة، فخرالانتفاضة وفخرالثورة وفخر المجتمع بكل فئاته، خاصة في خضم الحرب التحريرية الوطنية، وفي جميع مراحلها.
لقد جسدت حضورها الميداني منذ أول وهلة في انتفاضة الزملة، وعززت ذلك الحضور بقوة وحماس منقطع النظير في البدايات الأولى لثورة العشرين ماي، حيث انخرطت النساء الصحراويات في خلايا التنظيم الوطني الثوري، وشاركن بشجاعة وتضحية في مقدمة الصفوف.
وعلى سبيل المثال، عندما حلت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في بلادنا ماي 1975، حضرت المرأة الصحراوية، بمجهودات استثنائية، لم تقتصر على دعم أنشطة المقاومة وإيواء المناضلين وتموينهم، وليس فقط بخياطة الأعلام وكتابة الشعارات، بل بالمشاركة الكبيرة والمباشرة في كل محطات الزيارة، سواء داخل الوطن، أو على مستوى الجاليات والشتات.
ومع شروع جحافل القوات الملكية المغربية في اجتياحها العسكري الهمجي لبلادنا، كانت النساء الصحراويات بالمرصاد، ورسمن لوحة خالدة من الصبر والمقاومة البطولية الباسلة، دفعن فيها مئات الشهيدات والفقيدات وعانين من أبشع صور القمع والتنكيل وأسوأ ظروف الاعتقال والاختفاء القسري في زنازن السجون والمخابئ السرية المغربية.
لقد تحملت المرأة الصحراوية،بـجَـلَـد منقطع النظير، أقسى الظروف وأصعب المراحل. فهي أم وأخت وزوجة الشهيد التي تربي الأجيال على نهج الأبطال، وهي المناضلة النشطة والفاعلة في البلديات والدوائر والولايات والمؤسسات الوطنية.
لقد صنعت المرأة الصحراوية تاريخاً ناصعاً في خضم الثورة، وانتزعت عن جدارة واستحقاق مكاسب في غاية الأهمية، وخاصة على الواجهة السياسية والاجتماعية. وكخيار استراتيجي، عملت جبهة البوليساريو على تعزيز المكانة الخاصة التي تحظى بها المرأة في المجتمع الصحراوي، الذي ظل يضع لها اعتباراً راقياً، يجعلها سيدة محترمة ومهابة في منزلها ويمنحها دوراً أساسياً في تسيير شؤون أسرتها.
وبعد تجربة قصيرة في عمر الشعوب، لكن زاخرة بالعطاء والكفاح المرير، برهنت المرأة الصحراوية على قدرتها وفعاليتها وهي تناضل بكد وجد وتضحية واستمرارية وسخاء، على كل واجهات الفعل الوطني، وفي قطاعات غاية في الأهمية، مثل الصحة والتعليم والتربية والإدارة وغيرها. وليس غريباً اليوم أن تتولى المرأة الصحراوية زمام المسؤولية في مواقع سامية في هيئات الجبهة الشعبية وفيمؤسسات الدولة الصحراوية، التنفيذية والقضائية والتشريعية، في الداخل كما في الخارج.
ولا يمكن أن تمر المناسبة دون الوقوف باعتزاز وفخر وتقدير وتثمين عند المساهمة الجبارة للمرأة الصحراوية البطلة في خضم انتفاضة الاستقلال المباركة، منذ نذرها الأولى، وصولاً إلى اندلاعها الرسمي في 21 ماي 2005، مروراً بمحطات عديدة، مثل ملحمة اقديم إيزيك. إنها مناسبة للوقوف وقفة تقدير وإجلال وإشادة إزاء كل أولئك البطلات اللواتي صنعن مفاخر وأمجاداً للتاريخ، بمن رحلن شهيدات مكرمات، وبمن لا زلن يواصلن الدرب بعزم وثبات، من أمثال أمنتو حيدار ورفيقاتها المناضلات الصامدات، رغم أنف الغزاة.
وفي هذه المناسبة المتميزة، ينبغي لنا أن نتوقف وقفة خاصة امام المعركة البطولية التي خاضتها المناضلة سلطانة خيا وعائلتها، والتي تزامنت مع استئناف الكفاح المسلح، مما أعطاها بعداً متميزاً وزخماً من التحدي البطولي المعروف لدى المرأة الصحراوية، مرغ أنوف المحتلين في التراب، رغم أبشع أنواع التنكيل والتعذيب والإهانة والحصار والتضييق الخانق التي تمارسها دولة الاحتلال المغربي.
تحية الصمود والإباء والتضامن والمؤازرة إلى سلطانة خيا وعائلتها و، من خلالها، إلى كل بطلات وأبطال انتفاضة الاستقلال، كل باسمه وفي موقعه، وفي مقدمتهم أسود ملحمة اقديم إيزيك وجميع الأسرى المدنيين في السجون المغربية.
الأخوات المؤتمرات،
الحضور الكريم،
منذ الانتهاك الصارخ لاتفاق وقف إطلاق النار من طرف دولة الاحتلال المغربي في 13 نوفمبر 2020، دخلت القضية الوطنية مرحلة جديدة، كنتيجة طبيعية لإمعان دولة الاحتلال المغربي في التعنت ومساعي فرض واقع الاحتلال العسكري اللاشرعي لبلادنا، في غياب رد صارم ومناسب من طرف الأمم المتحدة.
وبهذه المناسبة، نتوجه إلى مجلس الأمن الدولي ليتحمل مسؤوليته كاملة لتطبيق ميثاق وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بقضية الصحراء الغربية، وخاصة الإسراع بمنح شعبنا حقه، غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال، على غرار كل الشعوب والبلدان المستعمرة. فجبهة البوليساريو، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، لا يمكنها التعاون في سياق لا يحترم هذه الأسس والمنطلقات التي تحكم قضية تصفية استعمار واضحة المعالم.
كما نؤكد على ضرورة تحرك الاتحاد الإفريقي، كشريك للأمم المتحدة في خطة التسوية الأممية الإفريقية لسنة 1991، ولكن أيضاً لضمان السلم والأمن والاستقرار في قارتنا، انطلاقاً من حل النزاع القائم بين دولتين عضوين في المنظمة القارية، الجمهورية الصحراوية والمملكة المغربية، من خلال الاحترام الكامل لمبادئ القانون التأسيسي للاتحاد، خاصة احترام الحدود الموروثة غداة الاستقلال.
وإذ أتوجه بالتحية والترحيب إلى كل الوفود التي تشارك معنا في هذا المؤتمر، لا يفوتني أن أتوجه بتحية التقدير والشكر والعرفان إلى كل الأشقاء والأصدقاء والحلفاء في كافة قارات العالم، وفي مقدمتهم الجزائر الشقيقة، بقيادة سيادة الرئيس عبد المجيد تبون ، جزائر العزة والنخوة والشموخ والإباء، جزائر المواقف المبدئية الراسخة إلى جانب الحق والقانون والعدالة والشرعية الدولية.
جدير بكل الشكر والتقدير والعرفان أيضاً هو موقف جنوب إفريقيا، بلد نلسون مانديلا، بلد المؤتمر الوطني الإفريقي والكفاح ضد الميز العنصري، البلد الشقيق الذي لا يؤمن باكتمال تحرر إفريقيا ما لم يتمتع الشعب الصحراوي بحقه الكامل في تقرير المصير والاستقلال.
كما نحيي بحرارة مواقف التضامن والمؤازرة على مستوى الساحة الإسبانية، والتي تجلت في ذلك الرفض الشامل والقاطع للموقف المخزي لرئيس الحكومة الإسبانية الذي قرر، في انتهاك صارخ للشرعية الدولية، أن يمنح ما لا يملك لمن لا يستحق، ويبيع في مزاد الخيانة دعمه الصريح والمعلن لسياسة التوسع والعدوان والابتزاز التي تنتهجها دولة الاحتلال المغربي، والتي لم تسلم منها كل الشعوب والبلدان المجاورة لها، بما فيها إسبانيا نفسها.
الأخوات المؤتمرات،
الحضور الكريم،
إن المرحلة إذن تتطلب مزيداً من التجند والاستعداد لمواجهة التحديات القائمة، ولنكون في مستوى متطلباتها، على جميع الأصعدة رافعين، بالمناسبة، آيات التقدير والإجلال لمقاتلي جيش التحرير الشعبي الصحراوي، الذين يتقدمون اليوم المعركة المحتدمة بصمود وشموخ وإصرار وثبات.
يحق للاتحاد الوطني للمرأة الصحراوية، كرافد من روافد الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، وهو يعقد مؤتمره التاسع اليوم، أن يفخر ويعتز بتجربته الغنية، على مدار مسيرته الطويلة.
ونحن نسجل الجهود والإنجازات المحققة خلال العهدة السابقة، فإننا لعلى ثقة مطلقة بأن المرأة الصحراوية، جنباً إلى جنب مع شقيقها الرجل، سوف تمضي قدماً لاستكمال مسيرة التحرير والبناء. ولا شك أن المرأة الشابة مدعوة اليوم، أكثر من غيرها، لتتولى زمام المبادرة في سياق تواصل فعال ومسؤول، في جميع المهام وعلى جميع المستويات.
وإضافة إلى ذلك السند الراسخ والدعم الدائم من النساء الصحراويات لمقاتلي جيش التحرير الشعبي الصحراوي، فإن من أبرز التحديات الراهنة أمام المرأة الصحراوية هو المساهمة الميدانية، بحزمها المعهود ويقظتها الدائمة، في التصدي لمؤامرات العدو ودسائسه التي تستهدف جبهتنا الداخلية ووحدتنا الوطنية، وتسعى بشكل ممنهج إلى تدمير المجتمع وقيمه وأخلاقه، بنشر المخدرات وغيرها من الآفات التي تهدد نسيج المجتمعات في كامل المنطقة وأمنها واستقرارها.
إن المشروع الوطني الصحراوي، الذي يحث الخطى نحو تتويج مسيرته باستكمال سيادة دولتنا على كامل ترابها الوطني، هو ثمرة جهود وتضحيات وعرق ودموع كل الصحراويات وكل الصحراويين، في كل مواقع الفعل والنضال. وإن واجبنا جميعاً، رجالاً ونساءً، شيباً وشباباً، هو صيانة هذه الأمانة التي تركها لنا كل شهيدات وشهداء القضية الوطنية الكرام البررة.
ولا شك أن المرأة الصحراوية التي كانت وهي اليوم وستبقى غداً قوام المقاومة والصمود، سوف يكون لها الشأن الكبير والحضور المتميز في الدولة المستقلة. وإننا في قيادة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب والجمهورية الصحراوية لنجدد التأكيد على الالتزام الكامل بتعزيز دور المرأة الصحراوية، وتدعيم مكاسبها ومؤهلاتها السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية وغيرها، لتكون دائماً في مستوى تلك المكانة السامية والمستحقة.
كل التمنيات بالنجاح والتوفيق للمؤتمر التاسع للاتحاد الوطني للمرأة الصحراوية
عاشت المرأة الصحراوية،
عاش الاتحاد الوطني للمرأة الصحراوية،
جيش الشعبي للتحرير ونحن ثورة للتغيير،
رحم الله معشر الشهداء وجازاهم عنا خير الجزاء،
المرأة الصحراوية عهد ووفاء على نهج الشهداء،
كفاح، صمود وتضحية، لاستكمال سيادة الدولة الصحراوية،