لهذه الأسباب وقفت فرنسا مع المغرب في احتلاله للصحراء الغربية
يثبت النبش في الوثائق والحقائق أن معاداة فرنسا للشعب للصحراوي نتجت عن عقدة تاريخية، بحسب ما انتهى إليه الكاتب الصحراوي، السيد حمدي يحظيه، في إصداره الجديد، عن دار لارماتان الفرنسية، بعنوان “فرنسا وعقدة الصحراء الغربية”، ففرنسا، بعد احتلالها للجزائر، السينغال وموريتانيا، كانت تريد أن تحتل الصحراء الغربية، ثم تزحف نحو المغرب، وبالتالي تصبح إفريقيا الغربية كلها مستعمرات فرنسية.
يقول الكاتب في فقرة من الكتاب: “حين كانت فرنسا تتقدم من جهة محور السينغال نحو الشمال، ظهرت عقبة أخرى في طريق طموحها وفي طريق جيشها، هي عقبة إسبانيا التي تريد، بدعم من ألمانيا، أن تضع يدها على الساقية الحمراء ووادي الذهب. ورغم تسليم فرنسا في مؤتمر برلين سنة 1885م، بأن وادي الذهب (الصحراء الغربية) أصبح هو نصيب إسبانيا من الكعكة الإفريقية، إلا أنها، على الأرض، لم تقتنع بذلك. كانت تريد أن تحتل الإقليم المذكور بالقوة، وتترك إسبانيا تصطاد السمك على السواحل فقط، أو تتفاوض معها على أساس أن تعوض لها تلك المنطقة بمنطقة أخرى في غينيا الكبرى مثلا أو بجزيرة مدغشقر. فبالنسبة للاستراتيجية الفرنسية، ليس معقولا إطلاقا إن تبقى الصحراء الغربية (الساقية الحمراء ووادي الذهب) نقطة سوداء في جلد ثور أبيض كله”. يتساءل الكاتب عن لماذا لم تنجح فرنسا في ضم الصحراء الغربية؟ الجواب هو أن إسبانيا لم تمانع في مقايضة الصحراء الغربية مع فرنسا بمنطقة أخرى، لكن المشكلة كانت في المقاومة الصحراوية المسلحة. هذه المقاومة الصحراوية المسلحة هي التي منعت فرنسا من استعمار الصحراء الغربية. فخلال محاولات فرنسا التوغل من الجنوب، نحو الصحراء الغربية، خاضت عشرات المعارك وانهزمت فيها، وأكثر من ذلك أن الصحراويين نقلوا الحرب إلى موريتانيا، خاضوا هناك الكثير من المعارك. إذن، لم تقتنع فرنسا أن يهزمها هذا الشعب البدوي البسيط الذي يسكن هذه الأرض العصية.
ويذهب الكاتب في كتابه إلى أن فرنسا كانت تعتبر الصحراء الغربية مهمة جدا، فمن خلالها كانت تريد استغلالها لربط المغرب بإفريقيا “الفرنسية” في مالي والنيجر عن طريق سكك الحديد والخطوط الجوية، لكن الصحراويين منعوها من ذلك. كانت تخطط، أيضا، أن تبدأ البحث فيها عن البترول والغاز. الاستنتاج الذي يتوصل إليه الكاتب أن المغرب، حين فكّر في غزو الصحراء الغربية سنة 1974م، توعد لفرنسا أن يحي لها أحلامها القديمة بشق الصحراء بالسكك الحديدية والطيران والتنقيب عن المعادن مقابل الحصول على دعمها للغزو المغربي للصحراء الغربية.
ومما زاد الحقد الفرنسي على الشعب الصحراوي، هو أن الجزائر، لأسباب أخلاقية ومبدئية، وقفت إلى جانب حق تقرير المصير في الصحراء الغربية، ودافعت عن تصفية الاستعمار. ولم يقتصر دعم فرنسا للمغرب، ضد الشعب الصحراوي، على الدعم العسكري والتدخل بطيران الجغوار، إنما تعداه إلى رفع الفيتو في الأمم المتحدة كلما كان هناك قرار لصالح تقرير مصير الشعب الصحراوي.
كل هذه الأسباب ولّدت عقدة دائمة لفرنسا تجاه الصحراء الغربية وسكانها. ويستنتج الكاتب، في الأخير، أن فرنسا ارتكبت حماقة رعناء هي إشهار العداء للشعب الصحراوي. ففرنسا، بحكم تاريخها في المنطقة، وبحكم علاقاتها مع دول المغرب العربي، كانت مؤهلة للتوسط وحل القضية الصحراوية حلا عادلا. لو كانت فرنسا فعلت ذلك، كانت ربحت ثقة الصحراويين والجزائريين والموريتانيين، أما الآن فيبدو أن تلك الفرصة أصبحت من الماضي، على حد تعبيره.
المصدر: الشروق اونلاين