-->

قوتنا الذاتية أولا وأخيرا

 


لا يراودني ادنى شك في تطلع كل صحراوي اليوم للعيش حرا كريما في كنف دولته الحرة المستقلة وكرهه للعيش في غيرها، كما لا يراودني ادنى شك في استعداد الصحراويين لتقديم الغالي والنفيس من اجل تحقيق هذا الهدف.  إن هذا الإنجاز الكبير لم يكن ليتحقق لولا وجود طليعة واضحة الرؤية ومثالية استثمرت في عناد الصحراويين وشجاعتهم بالفطرة للثقة في انفسهم، ليشهد لهم التاريخ من جديد فرض وجودهم والانتصار في حرب غير متكافئة ضد تحالف ثلاث دول مدعوما عسكريا، سياسيا وماليا من دول عظمى؛ انتصارات عسكرية ودبلوماسية جعلت موريتانيا تنسحب من الحرب وفرضت على الحسن الثاني رفع الراية البيضاء وعلى الولايات المتحدة ان تقر بالهزيمة العسكرية.
كانت الفترة منذ وقف اطلاق النار سبتمبر 1991 الى استئناف الكفاح المسلح نوفمبر 2020 فرصة ثمينة لبناء قوتنا الذاتية من خلال اكتشاف مقدرات شعبنا الخلاقة في التعامل مع مختلف أنواع الحروب والاستثمار فيها كما استثمرنا في الحرب المسلحة، لكن أضعنا هذه الفرصة وهو أمر يحز في نفوسنا جميعا كصحراويين،  ورغم ذلك علينا ان ننظر الى الامام ونستدرك ما فاتنا ونحن قادرين عليه بإذن الله ما دمنا نتوفر على نفس الارادة في فعل المستحيل والنصر آت لا محالة. 
لم نكن نريد ان تكون الحرب بشكلها الحالي، مع كل احترامي وتقديري لتضحيات صناديدنا الابطال المرابطين على جبهات القتال، ولكن اردناها لنشد عضلات جسمنا ونؤكد للعالم بأنه لا يمكن القفز علينا وباننا قادرين على إنهاء الاحتلال المغربي لأرضنا بأنفسنا. ان شعبنا أهلا لأن يصنع الفارق وفي مقدمته مقاتلي جيش التحرير الشعبي الأشاوس الذين لهم تجربة غنية في الانتصار في الحرب والتعامل مع أسلحة العدو ومخططاته، ثم ان الحرب لا بد لها من نهضة شاملة على كل الجبهات الأخرى التي لا تقل اهمية عن الجبهة العسكرية، ولعل اولى الاولويات فيها مراجعة أداة التسيير وادارته لاستعادة ثقة الصحراويين في طليعتهم ودورها في تقويم الأوضاع وإيجاد المقومات التي من شأنها ان تبعث على الطمأنينة والارتياح على المصير.
كان أمل الصحراويون في ان يشكل المؤتمر السادس عشر نقطة مفصلية في احداث هذه النهضة الشاملة، لكن للأسف الشديد لم يحدث شيء من ذلك، نظرا لان روح النهضة المنشودة لم تكن حاضرة في اذهان اولياء الامر لا ابان التحضير، ولا اثناء المؤتمر، فكيف ستكون بعده. نفس الأوجه القيادية التي عُهد لها بالفشل تدخل من الباب الواسع وها هي الان في غيبوبة تامة، والى جانبها جهاز الرقابة، الذي من المفترض ان يكون اكثر يقظة من غيره. الهياكل كذلك بقت على حالها، وظلت القبلية والفساد يضربان اطنابها ( اختلاس المال العام، الخدمات المجانية اصبحت بالمقابل والتراخيص، البطاقات، جوازات السفر، الاجلاء والفيزات تباع بأثمان باهظة) وما كان ينقصهما الا انتشار عصابات المخدرات واللصوص الذين وضعوا أمن مخيمات العزة والكرامة ومؤسسات الدولة على المحك. اما الدبلوماسية والانتفاضة في المناطق المحتلة، باعتبارهما ركيزتان اساسيتان في الحرب الحديثة، خاصة في ظل الفرص التي تتيحها الأوضاع الدولية وهشاشة أوضاع العدو، فحدث ولا حرج، فلا استراتيجيات واضحة لنيل مكاسب جديدة او اختراق مواقع على الصعيد الدبلوماسي ولا تنظيم مبدع ومتجدد قادر على احتواء وتوجيه الفعل النضالي في المناطق المحتلة ومواجهة خطط وسياسات العدو.
قد يظن البعض ان العلاج يتطلب عصى سحرية، لكن الامر غير ذلك، فكل ما نحتاجه هي الارادة الصادقة في وضع النقاط على الحروف في استراتيجية الحرب؛ ادارتها سواء تعلق الامر بالأداة او الأداء، مقومات الصمود، وركائزها الدبلوماسية وانتفاضة المناطق المحتلة. وكما طالب به الكثيرون، فإن وقفة مع ذاتنا لنقد تجربتنا هي السبيل لراب صدع مختلف وجهات نظرنا ولأجل مصلحتنا الوطنية، لنخرج منها اليد في اليد وبرؤية واضحة وعزيمة قوية على دحر الغزاة وفرض حقيقة الدولة الصحراوية التي لا رجعة فيها.
الديش محمد الصالح

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *