-->

“الاعتـــــراف الديبلوماسي” بين أوهام المغرب وحقائق الواقع.


أعد النظام المغربي كل الاحتمالات لغزو الصحراء الغربية خريف 1975، فحشد جبهة عريضة من الحلفاء، وحصل على الدعم المالي والعسكري الواسع من البلدان العربية والغربية، وتمكن من إثارة مكامن الشعور “الوطني” المغالي في الشوفينية لدى مواطنيه، وحرك في زمن قياسي مئات الآلاف من الجنود والقوات شبه العسكرية لضمان احتلال سريع وفعال للصحراء الغربية بعد أن ضمن سلبية مجلس الأمن من جهة، ومن جهة أخرى تسليم اسبانيا مستعمرتها السابقة عبر تقسيمها بين المغرب وموريتانيا. غير أن إعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية – الذي جاء لسد الفراغ القانوني الناجم عن تخلي اسبانيا عن مسؤولياتها القانونية كسلطة إدارية لم تقم بإنهاء الاستعمار من مستعمرتها السابقة كما طلبت منها الأمم المتحدة مرارا- خلط أوراق اللعبة المغربية وخلق حقيقة قانونية جديدة لا حيلة له ولا لحلفائه المتنفذين في احتوائها أو القفز على وجودها الماثل للعيان. وهو ما جعل كل التحضيرات والسيناريوهات التفصيلية التي أعدها النظام المغربي سلفا تصطدم بواقع قانوني وديبلوماسي جديد اسمه الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية التي أعلنتها جبهة البوليساريو بمعية المجلس الوطني الصحراوي يوما واحد بعد الانسحاب العشوائي والرسمي لإسبانيا من الصحراء الغربية.
ومنذ لحظة إعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية بدأت في شن حرب ديبلوسية -لا تقل شراسة عن الحرب العسكرية التي كانت الصحراء الغربية تعرفها حينئذ – معتمدة فيها على ترسانة قوية من النصوص واللوائح القانونية الواضحة في إدانة الغزو واستعمال القوة في تغيير الحدود الموروثة عن الاستعمار، ورفض واقع الاحتلال والتوسع الذي كانت شعوب العالم الثالث تطوي لتوها آخر صفحاته وتقتلع حركات التحرير الوطني اخر معاقله في أفريقيا وأسيا وأمريكا اللاتينية.

ولم تمض سوى سنوات قليلة حتى كانت الديبلوماسية الصحراوية التي راكمت تجارب ميدانية نوعية تحاصر الأطروحات التوسعية المغربية ليس في العواصم الدولية فحسب بل في المنظمات والتجمعات الإقليمية والدولية بعد أن حظيت باعتراف عشرات البلدان من مختلف قارات العالم وارتبطت مع دول عديدة بعلاقات ديبلوماسية متميزة على مستوى السفراء واحتلت بجدارة موقعها كعضو كامل العضوية في منظمة الوحدة الإفريقية، وأثبتت حضورها كقضية في مؤتمر عدم الانحياز، وفي الأممية الاشتراكية وغيرها.
ومع انتهاء الحرب في جانبها القتالي وجلوس طرفي النزاع على طاولة المفاوضات بعد قبول الخطة الأممية القاضية بتنظيم استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية انتقل القتال بكل شراسته إلى الجبهة الديبلوماسية واستعملت فيه كل الأسلحة الممكنة، بما في ذلك أسلحة النظام المغربي القذرة من رشاوي، وشراء للذمم، وبيع لكل شيء مقابل دعم احتلالها للبلد.
النظام المغربي حاول الخروج من واقع العزلة الديبلوماسية التي عاشها خلال العقود الماضية مستغلا التحولات التي عرفتها الساحة الدولية عقب انتهاء الحرب الباردة وسقوط المعسكر الاشتراكي، فما أن يتغير النظام في بلد ما حتى يسعى إليه المغرب عارضا خدماته الأمنية والاقتصادية والفنية مقابل شيء واحد هو التخلي عن دعم حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال.
وانتهج المغرب عدة محاور في محاولته تحجيم الاعتراف الدولي بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية هي:
– استغلال وصول الأحزاب اليمينية للحكم في بلدان كان يحكمها اليسار المتعاطف تقليديا مع حركات التحرير والمؤيد لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها كما هو الحال في الهند وبوركينا فاسو مثلا.
– استفادة المغرب من علاقات حلفائه خاصة فرنسا في التأثير على مواقف بعض البلدان التي تخضع لنفوذها كما هو الحال في عدد من بلدان افريقيا التي كانت مستعمرات فرنسية ومازالت خاضعة لإملاءات باريس.
– استغلال الصعوبات الاقتصادية والأوضاع الصعبة التي تعرفها بعض البلدان الفقيرة بدليل توقيع عشرات الاتفاقيات الإقتصادية ووعود بالإستثمار في البلدان التي سحبت اعترافها بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية (مدغشقر وغينيا بيساو مثلا لاحصرا)
– محاولة إيهام بعض الدول والجهات بأن عدم اعترافها بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية يشكل مساهمة عملية في جهود الأمم المتحدة في البحث عن حل سلمي وعادل، وهو ما حصل مع جنوب إفريقيا أثناء حكم نيلسون مانديلا، إلى أن جاء الرئيس تابو امبيكي ليعترف بالدولة الصحراوية سنة 2004 بعد أن تيقن من أن المغرب غير جاد في البحث عن حل سلمي وعادل للنزاع في الصحراء الغربية وهو ما أوضحه دون مواربة في رسالته الشهير لملك المغرب آنذاك.
– مقايضة مواقف بعض البلدان المحتاجة للتمويل بسحب الاعتراف بالدولة الصحراوية مقابل حصولها على منح وقروض من الدول العربية الغنية الحليفة للمغرب.
– الاعتماد على العلاقات الشخصية التي تربط بعض قادة الأحزاب المغربية مع زعماء أحزاب وصلت للسلطة في بلادها كما هو الحال مع “الاشتراكي” عبد الرحمن اليوسفي وبعض قادة أحزاب أمريكا اللاتينية.
-اللجوء للتهديد والمقاطعة الاقتصادية في حق البلدان التي تعلن عن نيتها الاعتراف بالدولة الصحراوية وحادثة مجمع “ايكيا” السويدي خير مثال لذلك.
– الدعاية الموجهة داخليا وخارجيا وتجنيد وسائل الإعلام المغربية والاحزاب ومختلف مؤسسات الدولة المغربية لخلق رأي عام يقوم على تبخيس المكاسب الديبلوماسية الصحراوية وتضخيم المكاسب الديبلوماسية المغربية رغم محدوديتها، فخبر سحب الباراغواي اعترافها بالدولة الصحراوية تكرر في قرابة 100 وسيلة إعلامية مغربية ناطقة باللغة العربية، وفي حالات إعادة الدول الاعتراف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية يتم تجاهل الخبر بصورة مقصودة.
إنها الحرب إذا.. وفي مثل هذه الحرب تستخدم حتى الحيل التي يعدها المتخصصون حربا نفسية تستهدف التأثير على الجوانب السيكولوجية للمتلقي ومثال ذلك الخريطة التي وضعتها وكالة المغرب العربي للأنباء الناطقة باسم الدولة المغربية وتناقلتها بكثافة وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية المغربية فقد حددت فيها الدول التي سحبت اعترافها بالجمهورية الصحراوية باللون الأصفر الفاقع وحددت الدول التي لاتعترف بها باللون الازرق الغامق في حين أن الدول المعترفة بالدولة الصحراوية تركت باللون الأبيض على خلفية زرقاء فاتحة حتى لاتظهر هذه الدول بصورة جلية.
وبالتأكيد أن تقديرات كل طرف لنتائج هذه الحرب تختلف، فما أن يجلس متحدث مغربي في استوديو لقناة اخبارية او يتحدث ديبلوماسي مغربي لوسيلة اعلام محلية أو أجنبية إلا وذكر أن البلدان التي تعترف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية قد سحبت اعترافها بصورة تكاد تكون نمطية، وتتكرر هذه الاسطوانة في المواقع الإلكترونية المغربية، بل تصل الى المراكز الاكاديمية والبحثية المغربية التي يفترض فيها الحد الأدنى من الموضوعية واحترام قواعد المهنية.
وفي الجانب الصحراوي تغيب الصورة الكاملة والتحليل الموضوعي لظاهرة الاعتراف وسحب الإعتراف أو إعادته كما لو أن في المسألة اقرار بالتقصير أو تعمية على واقع يتطلب التحليل المنهجي بما يمكن من تدارك مواضع الخلل ومعالجته، ولم يعرض أي باحث أو إعلامي صحراوي إلى تقييم حقيقة الصورة التي طغى عليها الطرح المغربي المنتشي بانتصارات هزيلة وأحيانا وهمية في حرب ديبلوماسية مازالت رحاها تدور.
والمواقع الإلكترونية المغربية فقد حددت فيها الدول التي سحبت اعترافها بالجمهورية الصحراوية باللون الاصفر الفاقع وحددت الدول التي لاتعترف بها باللون الازرق الغامق في حين أن الدول المعترفة بالدولة الصحراوية تركت باللون الأبيض على خلفية زرقاء فاتحة حتى لاتظهر هذه الدول بصورة جلية.
تختلف تقديرات كل طرف لنتائج هذه الحرب، فما أن يجلس متحدث مغربي في استوديو لقناة اخبارية او يتحدث ديبلوماسي مغربي لوسيلة اعلام محلية أو أجنبية إلا وذكر أن البلدان التي تعترف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية قد سحب اعترافها بصورة تكاد تكون كاملة وتتكرر هذه الاسطوانة في المواقع الإلكترونية المغربية، بل تصل الى المراكز الاكاديمية والبحثية المغربية التي يفترض فيها الحد الأدنى من الموضوعية واحترام قواعد المهنية.
وفي الجانب الصحراوي تغيب الصورة الكاملة والتحليل الموضوعي لظاهرة الاعتراف وسحب الإعتراف أو إعادته كما لو أن في المسألة اقرار بالتقصير أو تعمية على واقع يتطلب التحليل المنهجي بما يمكن من تدارك مواضع الخلل ومعالجته، ولم يعرض أي باحث أو إعلامي صحراوي إلى تقييم حقيقة الصورة التي طغى عليها الطرح المغربي المنتشي بانتصارات هزيلة في حرب ديبلوماسية مازالت رحاها تدور.
غالي الزبير
كاتب وباحث من الصحراء الغربية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *