-->

التخدير بخلايا التفكير

منذ مدة ليست بالقصيرة ونحن نحقن بمهدءات “مسكينات” تعمل على استمرار الوضع على ما هو عليه واستمرار استكانتنا لهذا الوضع، ومع كثرت استعمالها وتتالي زيادة الجرعات لضمان فعاليتها تحولت إلى مخدرات وأخر ما تفتقت عنه أفكار القائمين على صناعتها هو مخدر اسمه “خلايا التفكير”.

هذا المخدر هو الأخر صنع لربح المزيد من الوقت وإيهام الناس أنهم مشاركون في صناعة القرار أي صناعة مستقبلهم والحقيقة أن الأمر ليس سوى خدعة كبيرة وذلك للاتي :
ـ عدم لمس نية صادقة لدى النظام للبحث عن حلول، فلو كانت هذه الخطوة جادة لتم تعيين لجنة محايدة ترأسها شخصية وطنية مستقلة ليست من الأمانة أو الحكومة تشرف على نقاش وطني جاد مع مختلف مكونات المجتمع تشخص من خلاله الخلل وفق نظرة نقدية للفكر الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم وتقدم الحلول.
لكن الحقيقة أن هذا النظام أصبحت لديه عقدة من قول الحقيقة، فحتى النقاش من اجل النقاش الذي كان يحدث في الندوات رغم كونه غير ملزم ومجرد أداة لامتصاص الغضب أصبح غير مقبول وغير مسموح به، واستبدل بهذا النوع الجديد خلايا التفكير أي اكتب رأيك وابعثه واسكت ونحن نفعل به ما نشاء نقراءه أو نرميه في سلة المهملات.
ـ تواصل عمليه استصغار العقول التي يتعامل بها النظام مع الجماهير من خلال طريقة عمل هذه اللجنة التي خاطبت المواطنين كتلاميذ قصر طرحت عليهم ورقة مليئة بالأسئلة كورقة امتحان وطالبتهم بالإجابة عنها ووضعها في صندوق بريد قد لا يصل أصلا، و بها أسئلة على قدر عقولنا من قبيل كيف نقف الفساد؟ و كأن الفساد يقوم به احد غيرهم، والطامة أنها تنتظر منهم أن يصدقوا أنهم مشاركون في صناعة القرار والجميع يعلم ان اغلبهم هم المنتخبين غير مشارك في صناعة القرار وان اوجودهم في الهيئة كوجود المزهريات لا غير .
ـ تجربتنا مع هذه اللجنة التي ظهرت أول مرة عام 2011 في خضم بداية الربيع العربي والهلع الذي أصاب الأنظمة الفاسدة حينها، ورغم ذلك فإن الاقتراحات التي وصلتها وكان أهمها مقترح الرقابة الذي كان مطلب شعبي آنذاك لم تظهر في التقارير التي وصلت المؤتمر فما بالك اليوم وقد انتصرت الثورات المضادة أو كادت .
هذا النوع من اللجان لا يكتب إلا ما يريد إن يسمعه من عينهم لا ما يجب أن يُكتب هم يعرفون هذا جيدا ويقومون بدورهم على أكمل وجه وإلا لما اسند لهم الدور أصلا، هذا المنطق هو الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم لأنه ليس منطق الدولة بل منطق السلطة.
منطق الدولة هو منطق المؤسسات القابلة للحياة ” الاستمرار” التي تؤدي دورها بشكل محترف بعيدا عن سيطرة الأشخاص عليها او تملكهم لها، منطق الدولة هو اتخاذ القرارات وفق هذه المؤسسات لا وفق الأمزجة، منطق الدولة هو الشفافية في تسيير الشأن العام وترشيد المال العام، منطق الدولة هو تحمل المسؤولية عند الأخطاء و الإخفاقات والإقرار بذلك وليس الهروب للإمام والتنكر له، منطق الدولة هو تقبل الرأي الأخر والقبول به وليس تخوينه والتغول عليه، منطق الدولة هو التداول على السلطة وعدم احتكارها والانفراد بها وهو ما فشلنا فيه إذ كنا حاولنا أصلا.
إما منطق السلطة فهو الحفاظ عليها بكل الأشكال والطرق الممكنة شراء الذمم و باستعمال القبلية، قتل البديل بتوريطه في الفساد، التضييق على الرأي الأخر، و الانفراد في الرأي، تقريب الذين يكثرون من شكر الواقع او يفرطون في الصمت وتجاهل من ينقل الحقيقة هذا هو منطق السلطة الذي هو في الحقيقة اقرب الى منطق المافيا وهو الذي يحكمنا للأسف وما لم نتخلى عنه سنظل نتعاطى المخدرات حتى تقضي علينا
واذا كانت هذه اللجنة عكس ما أقول أتحداها أن تورد في تقاريرها هذا الرأي ان الحل يكمن في تداول فوري على السلطة يضمن لنا استمرار المشروع وعدم ارتباطه بحياة شخص بعينه ويكون فرصة لتغليب منطق الدولة والتمكين له.
بقلم: محمد لحسن

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *