صحيفة لوفيغارو الفرنسية تسلط الضوء على جيبوتي وكيف أصبحت "ثكنة العالم"؟
لا تتجاوز مساحة جيبوتي 23 ألف كيلومتر مربع، ويقطنها نحو ثمانين ألف شخص، فلماذا سجلت رقما قياسيا في عدد القواعد العسكرية الأجنبية المقامة على أراضيها؟
صحيفة لوفيغارو الفرنسية أعدت تحقيقا حول الأهمية الإستراتيجية لهذا البلد، الواقع في القرن الأفريقي على مفترق الطريق بين أفريقيا وآسيا، أبرزت فيه موقع هذا البلد الإستراتيجي الاستثنائي الذي جعله محط أنظار القوى العالمية المختلفة ومثار شهيتها.
وهكذا توجد لفرنسا تقليديا قاعدة عسكرية في جيبوتي، أما الولايات المتحدة الأميركية فأقامت قاعدتها هناك منذ حرب الخليج الأولى، لتنضم إليهما في وقت لاحق كل من اليابان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، أما الصين المتغلغلة أصلا في مفاصل الاقتصاد الجيبوتي، فإنها قررت هي الأخرى العام الماضي تأسيس أول قاعدة عسكرية لها خارج البلاد في جيبوتي، ليتحول هذا البلد فعليا إلى "عش للقوى"، في قلب منطقة توتر تثير من الجشع بقدر ما تثيره من الأسئلة.
وسبب هذا الجشع -حسب معدي التقرير آلين بارليي وتانغو برتميت- هو موقع هذا البلد المثالي؛ إذ يوجد على باب المندب الذي يتحكم في الدخول إلى قناة السويس، ويعتبر رابع أهم طريق بحري على مستوى العالم، حيث تمر منه سنويا ثلاثون ألف سفينة، بالإضافة إلى سفن ذات حمولات كبيرة جدا تمر من هناك رابطة بين آسيا والمحيط الأطلسي، ناهيك عن عدد كبير من الكابلات البحرية.
والواقع أن هذه "البركة الجغرافية" هي التي دفعت التجار الفرنسيين إلى الاستقرار في النصف الأول من القرن 19 في جيبوتي، أي حتى قبل احتلال فرنسا هذا البلد، الذي كانت بريطانيا كذلك تحاول السيطرة عليه، ولا شك أن الأهمية العسكرية لجيبوتي خلال الحرب الباردة كان لها دور كبير في تأخر حصوله على الاستقلال حتى عام 1977.
وكان من المفترض أن يتسبب انتهاء الحرب الباردة في تقليص أهمية جيبوتي، لكن الواقع أن تطورات إقليمية ودولية متلاحقة ضاعفت أهمية هذا البلد.
فاستقلال إريتريا مثّل مشكلة لإثيوبيا؛ إذ حرمها من منفذ على البحر، فاضطرت للاعتماد على حد كبير على ميناء جيبوتي، كما أن صعود ما يسمى الإسلاموية في اليمن والصومال جعل من هذا البلد أحد أكثر البلدان استقرارا في هذه المنطقة، مما جعله المكان الأمثل لمراقبة وضرب المتشددين الإسلاميين.
ودفع تصاعد أعمال القرصنة على السواحل الصومالية مشاة البحرية في الاتحاد الأوروبي إلى التمركز في جيبوتي، ليتوَّج هذا الحضور العسكري الدولي بالقاعدة الصينية المذكورة أعلاه.
وترى الأستاذة في جامعة بو سونيا لو جوريليك أن جيبوتي استفادت من الظروف التي جعلت منها موقعًا إستراتيجيًّا محوريا، وهو ما استغلته حكومتها إلى أقصى الحدود.
ويخشى البعض من أن تؤدي عسكرة جيبوتي والتنافس في هذه المنطقة الصغيرة بين قوى قد لا تكون بالضرورة أعداء إلى توترات.
وتعليقا على تلك المخاوف، يطمئن رئيس موانئ جيبوتي أبو بكر عمر هادي الجميع قائلا "كل هذه الدول موجودة هنا للهدف نفسه المتمثل في تأمين المضيق، وبالتالي ليست ثمة أية مشكلة".
المصدر : لوفيغارو