-->

أوسلو.. 25 عامًا من الضياع والمؤامرة وتصفية القضية


كانت الساعة السابعة صباحا عندما قرع أحمد قريع باب الغرفة التي ينام فيها شمعون بيرس في أحد الفنادق التاريخية القديمة في أوسلو، ليفتح بيرس الباب ويخاطبه قريع: جئتك في هذا الصباح الباكر لأقدم لك (اتفاق أوسلو) هدية عيد ميلادك السبعين.. هذا الاتفاق الذي سيسعد شعبينا!.
هذا ما ذكره بيرس في مقدمة كتابه "شرق أوسط جديد" في حديثه عن أوسلو، وقد تبع ذلك توقيع الاتفاق في 13 أيلول 1993م في واشنطن.
النفق المظلم
منذ ذلك التاريخ دخل شعبنا الفلسطيني نفقا مظلما لا بل ضياعا عصف بمستقبل الاجيال. ربع قرن مضت على الاتفاق المشؤوم، ولا يزال الفلسطينيون يعيشون على أمل الحرية والعودة والتحرير دون أن يحقق لهم هذا الاتفاق شيئا من ذلك.
لقد مرت هذه السنوات ولا يزال الفلسطينيون في عذاباتهم؛ فالقدس محتلة وتهوّد صباح مساء، بل يزاد الضنك والعذاب بحقّ أهلها، واللاجئون في الشتات لا يزالون يعيشون غربة قاتلة، فيما زادت وتيرة الاستيطان، وهي الأكثر والاوسع منذ توقيع الاتفاق، ولا تزال الحدود والمياه والسيادة تحت سيطرة الصلف الصهيوني.. قضايا مركزيه أهملها الاتفاق.
"لقد كان اتفاق أوسلو كارثة على الشعب الفلسطيني لا يقل عن كارثة النكبة الأولى عام 1948. هذا الاتفاق الذي عصف بتاريخ وحق الشعب الفلسطيني فورّث التراث والأمجاد والبطولات للصهاينة باعتراف فلسطيني".. هكذا وصف البرفيسور عبد الستار قاسم، أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الفلسطينية اتفاق أوسلو بعد مرور ربع قرن على توقيعه.
رحلة الضياع
وأضاف البرفيسور قاسم في حديث خاص لمراسلنا: "لقد جعل الاتفاق الذي وقعه رئيس منظمة التحرير الفلسطينية مبررًا للعرب وزعمائهم كي يهرولوا نحو إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني وتطبيع مفرط، لا بل ليتنازلوا عن حق الفلسطينيين في أرضهم، وارتفعت وتيرة الهرولة نحو الكيان في انطلاق صيحات عربية وخليجية تدافع عن الكيان وتعدّه صاحب حق".
وعدّ قاسم أن "ما حل بالفلسطينيين من انهيار وضياع للأرض والوطن وتنامٍ للمستوطنات، وتصاعد وتيرة التنسيق الأمني، وانهيار منظومة العلاقات الوطنية، والانهيار الاقتصاد الوطني سببه اتفاق أوسلو المجحف الظالم وملحقاته كالاتفاقيات الأمنية واتفاقية باريس الاقتصادية".
واستهجن الباحث السياسي غسان رملاوي، رئيس وحدة الدراسات الاجتماعية في جامعة بيرزيت، عدم عودة الفلسطينيين عن الاتفاق والتنكر له، وطالب منظمة التحرير الفلسطينية بالإعلان رسميا عن التحلل من الاتفاق.
وقال رملاوي في حديث خاص لمراسلنا: "لقد أجهز اتفاق أوسلو على ما تبقى من وطن ووطنية، فعدنا خدمًا للاحتلال نحافظ على أمنه ونغض الطرف عن جرائمه واستيطانه المفرط"، حسب تعبيره.
وتساءل: "إلى متى يبقى هذا السكوت المدوّي ونحن نشاهد بأم أعيننا الاحتلال وهو يجهز على ما تبقى لنا من أرض ووطن وكرامه، لقد دمرت الاتفاقيات نسيجنا الاجتماعي وكياننا الاقتصادي ووحدتنا الوطنية، وأصبح راعي المفاوضات منذ ربع قرن (الإدارة الأمريكية) شريكا مخلصا للكيان الصهيوني، وليس وسيطا في عملية السلام".
وبين أن أمريكا أصبحت خصما للقضية الفلسطينية وثوابتها "ونحن لا نزال ننسق أمنيا مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ونستقبل المبعوثين الأمريكيين.. لقد مكنّا الجنرال كيث دايتوت من العبث بكيمياء شعبنا الوطنيه حتى غدا إماما للزعماء الفلسطينيين في كل موقف".
الأقصى ضحية
ولعل أخطر حصاد لاتفاق أوسلو، كما يقول الدكتور جمال عمرو، تغوّل الاحتلال ومستوطنيه وجيشه على الأقصى؛ "فقبل الاتفاق كان للأقصى وساحاته هيبة وحرمة، لكن اليوم وفي ظل الاتفاقيات يقتحم الصهاينة من جنود ومستوطنين ساحات المسجد الأقصى وباحاته بلا ضوابط ولا قيود".
ويضيف عمرو في حديث خاص لمراسلنا: "قبل أوسلو كان إذا اقترب مستوطن من إحدى بوابات الحرم القدسي للقيام بطقوس تلمودية نقيم الدنيا ولا نقعدها، وتتحرك كل الأطر الدبلوماسية لمخاطبة العالم.. فتتراجع دولة الكيان عن اعتداءاتها خشية من غضبة الأمة العربية والإسلامية".
ولكن اليوم يدخل المستوطنون بالمئات إلى ساحات الأقصى، ويمارسون طقوسهم دون أن يحرك أحد ساكنا أو يستنكر أو يحتج.. والسبب أن نظرة المفاوض الفلسطيني تجاه الأقصى باتت منعدمة خافتة لا قيمة لها! لذلك استمرأت قيادات الشعب الفلسطيني المفرطة في الحقوق دخول المستوطنين الصهاينة ساحات الاقصى، لا بل باتوا جاهزين للتوقيع عليه، كما يقول.
الاستيطان بعد أوسلو
ولعل تنامي الاستيطان وارتفاع وتيرته أضعافا مضاعفة كان الكارثة العظمى والحصاد المر لاتفاقيات أوسلو، فقد هيمن الاستيطان على ما تبقى من أراض للفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلة.
ويعرض خبير الاستيطان والخرائط خليل التفكجي أرقاما ومعلومات مهولة عن حركة الاستيطان عقب توقيع الاتفاقيات في أوسلو، وخاصة حول القدس؛ فيكشف أن 97 بؤرة استيطانية استحدثت حول القدس منذ اتفاق أوسلو.
ويضيف في حديث خاص لمراسلنا: "لقد تضاعف عدد المستوطنين في القدس المحتلة إلى 150% بعد الاتفاق المشؤوم؛ فقد كان عدد المستوطنين في القدس والضفة الغربية عام 1993م 269 ألف مستوطن، واليوم وبعد ربع قرن من المفاوضات ارتفع العدد ليصل إلى 637 ألف مستوطن، فتضاعف العدد 240% عن الأصل، لا بل أضيفت مراكز حيوية للمستوطنات القديمة القائمة على رؤوس الجبال في الضفة الغربية مثل جامعة ارئيل في نابلس ومودعين والمستشفيات والمراكز الثقافية الشبابية".
وأضاف التفكجي: "منذ توقيع الاتفاقية ارتفعت وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة خلال اتفاقيات السلام أكثر منها خلال الحروب، حيث تضاعفت 7 مرات عن سابقاتها، كما خصص الاحتلال 42% من أراضي الضفة للتوسع الاستيطاني، من ضمنها 62% من أراضي مناطق “ج”.
أوسلو وانهيار الاقتصاد
على الصعيد الاقتصادي قيدت اتفاقية باريس الاقتصادية التي كانت أحد ملاحق اتفاق أوسلو، الاقتصاد الفلسطيني، بل دمرته، فقد بات الاقتصاد الفلسطيني مستهلكا مستوردا وليس منتجا.
ويشير الحاج هاشم النتشة، رئيس الغرفة التجارية الصناعية الأسبق، إلى أن الاقتصاد الفلسطيني قبيل اتفاق أوسلو كان اقتصادا منتجا يغطي نفقات الشعب الفلسطيني، وكان يتجه نحو التطور فارتفعت وتيرة بناء المصانع، وزاد استقبال الأيدي العاملة، وانخفضت معدلات البطالة.
لكن بعد أوسلو وتقييد التجار والصناع باتفاقية باريس الاقتصادية، فقد تراجع الإنتاج، وبات التاجر أسيرًا لكمية المواد الخام التي يسمح له باستيرادها، فالاتفاقية حددت الأنواع والأصناف التي يُسمح بإدخالها، يقول النتشة في حديث خاص لمراسلنا.
ويضيف: "تبع ذلك حركة الاستيراد للمواد الغذائية والألبسة بطريقة مفرطة وبأسعار مغرية وبنوعية سيئة جدًّا، الأمر الذي دمر المنتوج الوطني وأدى إلى إغلاق الآلاف من مصانع الأراضي الفلسطينية فأصبح جل التجار مستوردين بدل أن يكونوا مصدّرين، وطالت البطالة مئات الآلاف من العاملين الذين سرحوا من العمل بعد إغلاق مصانعهم حتى بات الشعب الفلسطيني بلا اقتصاد وطني".
المصدر - المركز الفلسطيني للإعلام

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *