-->

هل انتهت سنة 2018 بإطلاق خارطة طريق تتوج بحل نهائي لقضية الصحراء الغربية سنة 2019؟


بقلم : الديش محمد الصالح 
عوامل عديدة اجتمعت مع نهاية سنة 2018، جعلت قضية الصحراء الغربية تعود للواجهة من جديد بعد ست سنوات من الجمود في مسار الحل السياسي، والذي يعود السبب فيه إلى غياب الارادة السياسية لدى الحكومة المغربية التي ظلت تضع العراقيل تباعا بغرض الاستمرار في احتلالها للإقليم. 
وعلى رأس هذه العوامل، الاهتمام الكبير من قبل أعضاء مجلس الأمن الذين قدموا كل الدعم للمبعوث الشخصي للأمين العام الرئيس هرست كوهلر، وخاصة الولايات المتحدة التي أظهرت حضورا قويا من خلال فرض تقليص عهدة المينورسو لستة اشهر بدلا من سنة كما كان متبعا منذ سنوات وهددت بتوقيف دعمها المالي للبعثة في حالة عجزها عن تنفيذ مهمتها. وقد بدأ هذا التوجه الجديد منذ أبريل الماضي وتكرر نفس الموقف خلال شهر أكتوبر الماضي بشكل أكثر حدة وحمل معه هذه المرة ضغط قوي على الحكومة المغربية للدخول في مفاوضات مباشرة مع جبهة البوليساريو، توجت بتنظيم طاولة مستديرة يومي 5 و6 بجنيف، جمعت طرفي النزاع جبهة البوليساريو والمملكة المغربية وبحضور الجارتين الملاحظتين الجزائر وموريتانيا، وبإشراف من المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة. 
اما العامل الثاني، الذي دفع بأعضاء مجلس الأمن إلى الاهتمام اكثر للتسريع بحل قضية الصحراء الغربية، هو حدة المنافسة بين القوى العظمى على القارة الأفريقية وخاصة شمالها، بعدما تقلص النفوذ الفرنسي فيها وفي المقابل تزايد الحضور الصيني والروسي. وهذا ما اكده مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي السفير جون بولتون في كلمته حول استراتيجية الولايات المتحدة في إفريقيا التي القاها يوم 13 ديسمبر الحالي في مؤسسة هيريتيدج للدراسات، وما "خيبة الامل في عدم حل مشكل الصحراء الغربية" التي عبر عنها بولتون الا تأكيد على الامل المعلق على الجهود الحالية للتوصل إلى حل سريع ونهائي لهذه القضية . كما أن بريطانيا هي الاخرى التي تحاول التسريع بعجلة خروجها من الاتحاد الأوروبي لاسترجاع دور في القارة الافريقية. 
اما العامل الثالث، الأهمية التي تحظى بها القارة الأفريقية ممثلة في الاتحاد الافريقي الذي اصبح يلعب دورا كبيرا في جمع قدرات القارة وامكاناتها وتحقيق تكاملها لتصبح كتلة اقتصادية وسياسية وازنة في المشهد الدولي. وهذا ما دفع بالدول العظمى والتكتلات الاقتصادية والشركات العالمية إلى التسابق نحو إفريقيا باعتبارها ساحة هامة للاستثمار.
وهنا لا تخفى أهمية شمال القارة الاقتصادية والجيو- استراتيجية بحكم بوابتيها المطلتين على المتوسط والاطلسي. 
وقد بدى جليا، في بداية تحركات المبعوث الشخصي، السيد كوهلر، مراهنته على هذه العوامل في مقاربته، عندما اشرك الاتحاد الافريقي والاتحاد الاوروبي في مشاوراته التمهيدية بالإضافة طبعا إلى القوى العظمى النافذة في مجلس الامن. 
قبول المملكة المغربية مجددا للتفاوض مع جبهة البوليساريو يحمل معه الكثير من الدلالات. اولها، حجم الضغط الممارس على الحكومة المغربية، وهو ما أكد انها حضرت لطاولة جنيف مرغمة. وثانيها، التزامها بروح ونص القرار 2440 لمجلس الأمن الذي حدد اطار التفاوض الا وهو تمكين شعب الصحراء الغربية من ممارسة حقه في تقرير المصير. وثالثها، الاعتراف بشرعية تمثيل جبهة البوليساريو الوحيد للشعب الصحراوي، باعتبارها الطرف الثاني في الصراع . 
وينضاف الى هذه العوامل التي أشرنا إليها اعلاه، جملة اخرى من المعطيات التي تجعل الطرف الصحراوي في أريحية مقارنة بالطرف المغربي: 
اولا، تنامي القوة الذاتية الصحراوية وصلابة عزيمتها في مواصلة الكفاح. وقد قطعت الكركرات الشك باليقين في القدرة العسكرية الصحراوية التي كان لها الفضل في تكسير عنجهية وتعنت المملكة المغربية وتمردها على المنتظم الدولي بطردها المكون المدني لبعثة المينورسو. كما ان المقاومة الصحراوية المتواصلة بالمناطق المحتلة استطاعت اماطة اللثام عن الممارسات الاستعمارية المغربية ضد الصحراويين وعمليات النهب والاختلاس والحصار العسكري المضروب على الجزء المحتل من الصحراء الغربية. 
ثانيا، تشبث جبهة اليوليساريو باحترام القانون الدولي في معالجة قضية الصحراء الغربية من خلال تمكين شعبها من تقرير مصيره، يتعزز بالأحكام المتتالية للقضاء الأوروبي الذي اعتبرت الصحراء الغربية أرضا منفصلة عن المملكة المغربية . هذه الأحكام قد صدت الباب امام محاولات المغرب وفرنسا للتسويق لل" قبول بالأمر الواقع" كخيار للحل، وسلطت الضوء على عمليات النهب والاختلاس المستمرة للموارد الطبيعية الصحراوية. 
ثانيا، فشل محاولات المغرب المساس من المكانة المرموقة للدولة الصحراوية داخل الاتحاد الافريقي، اكد ثبات الموقف الافريقي من قضية استكمال تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية الذي يأتي عبر جلوس الدولتين جنبا إلى جانب في نفس المنظمة. وهذه الرؤية هي التي انعكست في مؤتمرات ولقاءات بين الاتحاد الافريقي وشركائه وعلى رأس هذه القاءات قمة الشراكة الافريقية- الاوروبية بابيدجان، كوت ديفوار، السنة الماضية التي حضرها الرئيس الصحراوي ابراهيم غالي والملك المغربي محمد السادس. 
ثالثا، تسارع وتيرة تقارب دول الجوار لمواجهة التحديات القائمة في الأمن والتكامل الاقتصادي، الذي يأتي في إطار منافسة تجري داخل إفريقيا من اجل تنمية مناطقها الجغرافية، والذي سلط الضوء على نوايا الرباط غير السليمة بهدف زعزعة أمن واستقرار المنطقة واولها عدم توفرها على ارادة سياسية لحل قضية الصحراء الغربية. 
رابعا: تفاقم الاوضاع في المغرب، التي تجاوزت الازمة الاجتماعية، والاقتصادية، هذه الأخيرة التي تضاعفت بقطع شرايين الدعم المجاني من الخليج والتهديد بتوقف عائدات عمليات نهب الثروات الصحراوية، إلى ازمة سياسية اصبحت تضع مستقبل العرش المغربي على المحك خاصة في افق خلق اجواء انتقال السلطة بسبب الحالة الصحية للملك محمد السادس. كما ان جرائم الإرهاب الأخيرة ضد السواح الأجانب، والتي تنضاف إلى جرائم أخرى خطيرة من قبل مغاربة راح ضحيتها العديد من الابرياء في عديد من عواصم العالم ومناطقه، يؤكد أن المغرب اصبح مصدرا خطيرا للإرهاب، والذي يجد في القنب الهندي وغير من المخدرات اهم مصدر لتمويل عملياته. 
وفي ظل هذه العوامل والمعطيات الآنفة الذكر، جاءت أهمية التسريع بحل قضية الصحراء الغربية باعتبارها مفتاح الانفراج المطلوب. فهل اختيار وقت نهاية السنة لتنظيم الطاولة المستديرة الأولى، والتي عبر الجميع عن تفاؤله بنتائجها، يعني طي صفحة الماضي، وفتح صفحة جديدة ستبدأ مع بداية السنة المقبلة 2019؟ هذا يتوقف على الإرادة السياسية للحكومة المغربية !!! وهو ما سيُحكم عليه خلال الجولة القادمة من المفاوضات واجتماع أبريل 2019 لمجلس الامن.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *