استقال كوهلر ... فماذا بعد؟
بقلم: الديش محمد الصالح
كانت استقالة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، الرئيس الألماني السابق السيد هورست كوهلر يوم 22 ماي الجاري، فاجأت الجميع، خاصة وأنها جاءت بعد الدعم القوي الذي تلقاه من مجلس الأمن واعطى لجهوده زخما كبيرا بحيث استطاع جمع طرفي النزاع مجددا، جبهة اليوليساريو والمملكة المغربية، بعد ست سنوات من الجمود في مسلسل المفاوضات.
التعجل في الاستقالة هو ما لفت انتباه المحللين، مما جعلهم يبحثون في اسبابها، حيث يعزيها البعض منهم إلى انسداد الافق بسبب تباعد مواقف طرفي النزاع (تمسك جبهة اليوليساريو بتقرير المصير والاستقلال وفي المقابل تمسك المغرب بالسيادة على الاقليم ومنحه حكما ذاتيا)، وآخرون يتهمون فرنسا بالعرقلة بعدما لاحظت ان مقاربة كوهلر قد تفضي لحل لا يرضي المغرب خاصة بعزمه على اشراك الاتحاد الافريقي في إدارة هذا الحل، وآخرون ينظرون على ان السبب هو نتيجة لضغط أمريكي، وبعض آخر ينسب فشل كوهلر وكغيره من المبعوثين الشخصيبن الذين سبقوه إلى غياب الارادة لدى القوى العظمى في إيجاد حل لقضية الصحراء الغربية.
الرجل، الذي يصفه الكثيرون بالاستقامة والشفافية، يعاب عليه انه استقال في منتصف الطريق، خاصة بعدما أعطى الامل في الحل الذي قال بالحرف الواحد " انه ممكن". ورغم استقامته وشفافيته الا انه لم يستطع الكشف عن الدواعي الحقيقية للاستقالة وفضل انه يبررها بحالته الصحية وهو مبرر غير مقنع، وهذا ما يجعل الأمر في غاية الأهمية والخطورة.
لقد تم تعيين السيد كوهلر مبعوثا شخصيا للأمين العام للأمم المتحدة، خلفا للسفير كريستوفر روس، في ظل إعادة رسم الإدارة الأمريكية الجديدة لاستراتيجيتها في إفريقيا والتي أعلن عنها مستشار الأمن القومي، جون بولتون، نهاية السنة الماضية حيث أكد على عزم الولايات المتحدة الامريكية مواجهة نفوذ روسيا والصين من اجل المصالح في هذه القارة. وهنا لابد من الإشارة إلى انه يلاحظ تقلص في النفوذ الاوروبي في القارة وخاصة الفرنسي منه. وبالتأكيد أن كل هذا لم يفت كوهلر، كما لم يفته صعوبة المهمة التي كلف بها، الأمر الذي جعله يقتنع بأهمية مشاركة الاتحادين الافريقي والأوروبي إلى جانب الامم المتحدة في الحل المرتقب والتركيز على المصالح في مقاربته.
لم يكشف كوهلر بشكل واضح عن مقاربته للحل، لكن الجديد في مقاربته هو محاولة التوفيق بين مسالتي: الشرعية الدولية المتمثلة في حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، والمصالح المتداخلة للقوى الدولية في المنطقة. ومسألة المصالح بالطبع هي مربط الفرس، وهي التي يبدو انها عقدت الموقف لدى كوهلر، وحتى ان كان جهز خطة ما، فيبدو انها لم تنال رضى القوى العظمى، كلها أو بعضها.
مهما يكن، فإن مهمة كوهلر قد انتهت، والجميع يترقب من سيخلفه لعله يساعد في حل لغز الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذه الاستقالة المفاجئة. المهم الآن ماذا يحدث وماذا سيحدث؟ حتى نتمكن من استشراف مستقبل قضيتنا.
اننا نعيش في مرحلة تتسم بمحاولات رسم خارطة جديدة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية ليس فقط لمنطقة شمال افريقيا وحدها بل ولأفريقيا كقارة، ومن المحتمل انها بدأت في تنفيذها. وقد عكس مستشار الأمن القومي، السفير جون بولتون، مضامين الاستراتيجية الامريكية في هذه القارة السمراء، والتي من ضمن ما أشار إليه انها تحكمها مبادئ احترام حقوق الشعوب وسيادة الدول. وانطلاقا من هذا فان نجاح اي عمل باتجاه رسم خارطة جديدة لابد أن يراعي الحقائق التالية:
اولا: القوة الوازنة والمؤهلة لزعامة المنطقة هي الجزائر وبلا منازع، بحكم مكانتها الدولية، وبحكم اقتصادها، وبحكم تجربتها في التعاطي مع بؤر التوتر في المنطقة أو المحيطة بها، وبحكم تجربتها الناجحة في مكافحة الإرهاب.
ثانيا: احترام عضوية الجمهورية الصحراوية في الاتحاد الافريقي، باعتبار ان اي مساس منها يعني التدخل في الشأن الافريقي وهذا يتعارض مع مبادئ الاستراتيجية الامريكية، وخاصة أن القضية الصحراوية تشكل انشغالا كبيرا للاتحاد الافريقي الذي يعتبرها مسألة تصفية استعمار. كما أن دور الاتحاد الافريقي محوري في حل قضية الصحراء الغربية.
ثالثا: سلام دائم في المنطقة، وتجنب إشعال فتيل قنبلة الصحراء الغربية، مرتبط باحترام إرادة شعبها، الذي اثبت تصميمه على الاستمرار في الكفاح من اجل التحرير الكامل لأرضه. هذا التصميم وهذه الإرادة يدعمها التفاف الصحراويين الواسع حول ممثلهم الشرعي والوحيد جبهة اليوليساريو وامتلاكهم قوة عسكرية وسياسية قوية ومساحة شاسعة من الأراضي المحررة.
رابعا: اتساع التأييد الدولي لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، ووجود قضية الصحراء الغربية كقضية تصفية استعمار في جدول أعمال الجمعية العامة التي تصادق سنويا على لائحة تطالب بإنهاء الاستعمار من الإقليم.
خامسا: المملكة المغربية في نظر القانون هي قوة محتلة للإقليم، ولولا الحماية الفرنسية للمغرب لكان انتهى كل شيء منذ يومه الأول. ورغم احتلال المغرب لأجزاء كبيرة من الصحراء الغربية، فذلك لا يعطيها اي شرعية لاستمرار احتلالها للصحراء الغربية، وهي التي عرقلت ولازالت تعرقل الجهود الرامية الى انهاء الاستعمار من آخر مستعمرة في افريقيا، وبالتالي فإن اتهامها بالعرقلة وارد تماما.
وانطلاقا مما سبق فإن الدولة الصحراوية ستظل رقما اساسيا في أية معادلة، وهذا ما يزعج فرنسا والمغرب، لكنها الحقيقة التي سيقبلان بها في النهاية.
سياسة أخذ العصى من الوسط انتهت بخصوص تعاطي القوى العظمى مع قضية الصحراء الغربية عندما فرضت الولايات المتحدة الامريكية تقليص عهدة المينورسو ستة أشهر بدل سنة وانفردت بصياغة مسودات قرارات مجلس الأمن وضغطت على المغرب للعودة إلى طاولة المفوضات. بالتأكيد ان كل هذآ ازعج فرنسا بحيث ان الاجتماعات الأخيرة لمجلس الامن اظهرت تباين كبير في وجهات النظر الامريكية والفرنسية. فرنسا في هذه الحالة تجد نفسها مقبلة على صراع مع الولايات المتحدة في المنطقة، هذا الصراع الذي سيفقدها الكثير من قوتها، وخاصة انه سيخل بتحالفاتها التي كانت قائمة في المنطقة وفي افريقيا، والمملكة المغربية هي من ستتحمل العواقب الوخيمة لهذا الصراع.
ورب ضارة نافعة، لعل استقالة كوهلر فيها خير للقضية الصحراوية، فان كان كوهلر فعلا اصطدم بموقف فرنسا والمغرب الرافض لأي حل على اساس الشرعية الدولية المتمثل في تمكين شعب الصحراء الغربية من حقه في تقرير المصير والاستقلال، فهذا يعني أن الكرة في مرمى مجلس الأمن، وأعضاءه ملزمون بتقديم توضيحات بما في ذلك الفائدة من استمرار تواجد بعثة الأمم المتحدة من اجل الاستفتاء في الصحراء الغربية. أما إن كان السبب عدم انسجام الشق المتعلق بالمصالح في مقاربة كوهلر مع التوجه الأمريكي الجديد، فإنه من المتوقع اتخاذ خطوات عملية من طرف الإدارة الأمريكية في القريب العاجل.