الصحراء الغربية في دائرة إعادة الإنتشار الجيوستراتجي الفرنسي-الأمريكي في افريقيا!
صحيح أن الإستقالة المتسرعة و ليست المفاجئة للسيد هورست كوهلر من مهامه كمبعوث خاص للصحراء الغربية ورميه للمنشفة في وجه الجميع،أثارت كثيرا من التساؤلات المشروعة لدى الرأي الوطني الصحراوي و إستغراب لدى الرأي العام الدولي،ورسمت لدى الصحراويين الطيبين ،خيبة أمل و نسفٍ للثقة التي كانوا يعلقونها على الأمم المتحدة و مجلس الأمن.
كيف أن الإندفاعة التي إنطلق بها السيد كوهلر و التفائل الذي خلقه مسعاه في جمع طرفي النزاع حول طاولة المفاوضات لمرتين على التوالي في ظرف قياسي و كان يُحضر للثالثة بعد توقف دام ست سنوات، ينهار في رمشة عين و ينسحب رئيس سابق لأقوى دولة اوربية التي هي المانيا مهزوما مطأطئ الرأس لا يُولي على شيء ؟ كيف تفرض الإدارة الأمريكية على مجلس الأمن الدولي تقليص عهدة "المينورسو" من سنة الى ستة أشهر، قيل انها للضغط على طرفي النزاع للإنصياع الى ايجاد تسوية عاجلة تُنهي هذا الصراع الذي عمر طولا و إذا بكل بذلك يسقط في الماء و تنسفه الريح، و ربما ستعود عهدة المينورسو الى سابق عهدها أي الى سنة أو أكثر؟ كيف يُعبر مستشار الأمن القومي الأمريكي السيد جون بولتون علانية عن رغبته في تفعيل دور البعثة الأممية في الصحراء الغربية أو إنسحابها من الأقليم، وتلكم كانت رسالة واضحة تهدف الى الدفع في اتجاه الحل النهائي للنزاع ،و راهن الكثرون على السيد بولتون العارف بخبايا الملف بحكم أنه اشتغل عليه لمدة زمنية مع السيد جيمس بيكر، لكن لم تظهر له بصمة و لا أثر على القرار الأخير لمجلس الأمن رقم 2468 الذي جاء فاترا باهتاً لاطعم له و لا رائحة؟
ألاً يَضع كل هذا المرء في حيرة و استغراب و يطرح أكثر من سؤال!؟
نعمو هو كذلك، إذا عالجنا قضية الصحراء الغربية بمعزل عن مايدور على حدودنا من ترتيبات جيواستراتجية و جيواقتصادية، أما إذا أخذنا بالإعتبار المعطيات الجديدة و التطورات السريعة في المنطقة منذ أكثر من ثلاث سنوات من اليوم، فإننا نجد مايبرر و يزكي هذا التقليص في السرعة نحو الحل لقضية الصحراء الغربية اذا لم يكن وضعه في الثلاجة الى أجل غير مسمى. فإذا ما أدركنا أن فرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية تقومان الآن بإعادة الإنتشار في افريقيا مركزة على دول الساحل و الشمال الأفريقي و أن هناك صراعا أميركيا فرنسيا شرسا حول من يتحكم أكثر في المنطقة، حربا غير معلنة تدور رحاها على الساحة الإقليمية بين فرنسا كقوة استعمارية تعتبر هذا الجزء من افريقيا حديقتها الخلفية والولايات المتحدة كقوة دولية يقودها تاجر محترف، تسعى لبسط هيمنتها على العالم ،وإضافة إلى الصراع الأميركي الفرنسي، تمعنا ايضا في توسيع التنين الصين لدائرة نفوذه، وتعزيز وجوده في جميع أنحاء أفريقيا، على أمل التفوُّق على الولايات المتحدة. تحرُّك يخشاه المسؤولون الأميركيون و الأوروبيون، ويرون فيه سعيا صينيا لإعادة تشكيل النظام العالمي وتغير وجهته نحو الشرق كقطب للقوة الأقتصادية و القرار السياسي عوض الغرب كما هو الحال منذ الحرب العالمية الثانية، نكون بذلك قد بددنا موضوع الأستغراب و الحيرة و برئنا ذمة "المسكين" هورست كوهلر و الى حدما ذمة الوفد الصحراوي المفاوض الذي غلبت عليه طيبته البدوية عوض "الشطارة" السياسية.
فمع الكشف عن ماتزخر به باطن الأرض من خيرات طبيعية، تحولت المنطقة الى حلبة للصراع و التنافس الدولي و اصبح البترول و الأرانيوم و الذهب و الملح تثير أطماع الدول العظمى وتحدد رهاناتها الجيوسياسية وخريطتها الجيوإقتصادية و مع دخول موريتانيا، والنيجر و تشاد ضمن الدول المنتجة للنفط و إكتشاف "حوض تاوداني" و مايحتويه من ثروات معدنية ذهب أورانيوم و بترول تغيرت النظرة الى دول الساحل اضافة الى بترول ليبيا الذي أصبح مشاعا و خيرات الجزائر المستهدفة، جعل المنطقة كلها أمام هجمةإستعمارية شرسة أصبحت تتضح معالمها بعد ما كانت تحجبها دعوى محاربة الإرهاب و الهواجس الأمنية المزعومة.
فبات استقرار الساحل و الصحراء يعني ديمومة المصالح الفرنسية و الأمريكية ممثلة في مصادر الطاقة و الأورنيوم حيث تمثل موريتانيا مخزونا معتبرا من الحديد المهم لصناعة الصلب (أعلن يوم أمس26 ماي 2019 عن إكتشاف احتياط هام من الأرانيوم في منطقة تريس في الشمال الموريتاني من طرف شركة استرالية)، و تأتي النيجر الرابعة عالميا في إنتاج الأورانيوم بنسبة 8.7 % من الأنتاج العالمي فضلا عن المخزون المهم من البترول في دول خط موريتانيا و مالي و النيجر و اتشاد حسب دراسات الأتحاد الأوربي و تقاير و كالة الأستخبارات الأمريكية و لعل مشروع خط انبوب الغاز العابر لهذه الدول اضافة الى نيجريا الإتحاديةفي اتجاه مواني المغرب مرورا بالصحراء الغربية ليصل عبر البحر الى أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية هذه الأخير التي تضاعفت وارداتها من النفط الأفريقي من 15% قبل عشر سنوات الى 30% عام 2018، لعل هذا الأنبوب الذي روجت له المملكة المغربية سنة2017 نيابة عن اللاعبين الكبار، و كان لوقتها محل سخرية و تهكم من لدن بعض النخب الصحراوية، لم يعلن عنه عبثا بل ضمن نظرة استشارفية و استباقية لمستقبل المنطقة بصفة عامة و المآل الذي ستؤول له قضية الصحراء الغربية بصفة خاصة و من هنا نفهم بان مصير شعبنا في منعرج خطير خاصة اذا أضفنا لذلك مايحاك من دسائس ضد الجزائر من أجل إركاعها ثم تدجينها و الأوضاع في ليبيا التي تتناسق فيها المواقف الفرنسية -الأمريكية و تتناخم المشير حفتر في هجومه على طرابس ضد حكومة السراج المعترف بها دوليا و من هنا ايضا يمكن ان نجد بعض الأجوبة للأسئلة التي تراودنا حول خلفية استقالة السيد كوهلر السريعة و الغير مفاجئة.
إن من يراهن اليوم على حل لنزاع الصحراء الغربية في ظل المتغيرات الجديدة ياتي من الأمم المتحدة، إما هو واهم أو لديه سوء تقدير للوضع الراهن او نقص في رؤيته الإستشرافية، مع أن ذلك لايعني عدم التواصل مع الأمم المتحدة و لكن التعامل معها يكون بمنظور جديد و استراتجية جديدة هجومية تعري أكاذيب المنظمة الأممية و تحرجها أمام المجتمع الدولي بعد ثمانية و عشرون سنة من المتاهة و الدوران في الفراغ.
إن الصحراويين مطالبون اليوم أكثر من مضى بتراصي الصفوف و نبذ الخلافات الهامشية وتأجيج نار الثورة، فالعاصفة تقترب فإما "ان نكون او لا نكون" كما ان الجبهة الشعبية مطالبة هي الأخرى "بأعادة الأنتشار" لكن هذه المرة الى الأمام و ليس الى الخلف كما كان الحال بالكركرات مع الأسف، إعادة الأنتشار بمفهوم مراجعة الجبهة الداخلية ومعالجة إعوجاج كل حلقة حلقة منها، إعادة اإنتشار نعني به تغير الإستراتجية الدبلوماسية و الإعلامية، خطة اسلوبا وأداة بإعتماد اسلوب أحسن و سيلة للدفاع هو الهجوم، إعادة الإنتشار نقصد به أيضا تعمير المناطق المحررة و ممارسة السيادة الفعلية بها وهي المناطق التي انتزعت بالدماء أصبحنا نساوم عليها اليوم! إعادة الإنتشار يعني الإنتقال بانتفاضة الأرض المحتلة الى اسلوب مبتكر جديد تتم فيه وحدة التصور و شمولية العمل و انسجام الخطط و في الختام تعاد لجيش التحرير الشعبي كبرياؤه و شموخه وعزته و أنفته و نضع انفسنا بشرا و إمكانيات مادية تحت تصرفه تحسبا لأي طاريء. بذلك وحده سنفرض وجودنا ضمن لعبة الجيوسياسية في منطقة الساحل و الشمال افريقي ونظهر للقتصي و الداني أننا معادلة يصعب القفز عليها لمن يريد الحفاظ على مصالحه الأقتصادية و السياسية في المنطقة. فلا فرنسا و لا أمريكا و لا الأمم المتحدة و لا جلالة مجلس الأمن بقادر على ثني شعبنا الصبور البطل عن تحقيق اهدافه و في تجربتنا الطويلة ما يكفي من دروس و عبر و "الموت فرض و الركَة ماهي فرض" .
بقلم: محمد فاضل محمد سالم