الاعلامي الصحراوي والباحث بجامعة اشبيلية الاسبانية البشير محمد لحسن في حوار مع جريدة الخبر الجزائرية "على الشعب الجزائري أن يستفيد من دروس إيطاليا وإسبانيا"
ربط الاعلامي الصحراوي والباحث بجامعة اشبيلية الاسبانية الانتشار الكبير لوباء كورونا باسبانيا بالتحرك المتأخر للحكومة الاسبانية في مواجهته، ففي البداية حسبه تصرفت مع المشكل على انه ينتشر في الصين وهي بعيدة عن إسبانيا وقال في حوار مع "الخبر" أن المستشفيات هناك مزدحمة عن آخرها في بؤر الوباء، خاصة في إقليم مدريد وكتالونيا وبلاد الباسك وهي على حافة الانهيار يحدث هذا حسبه في وقت القطاع الصحة الإسباني يعد الأفضل على الإطلاق في كل القارة الأوروبية، وهو الثالث عالمياً، ودعا المتحدث الشعب الجزائري أن يستفيد من دروس الشعوب الأخرى خاصة في اسبانيا وايطاليا.
تسجل إسبانيا حالات إصابة بفيروس كورونا وعدد وفيات من بين أكبر المعدلات في العالم، هل يمكن أن تقدم صورة للوضع خاصة في المستشفيات؟
المستشفيات مزدحمة عن آخرها في بؤر الوباء، خاصة في إقليم مدريد وكتالونيا وبلاد الباسك وهي على حافة الانهيار في هذه المناطق الثلاث وحتى باقي الأقاليم الإسبانية. وكان الجيش قد تدخل وقام بتشييد مستشفيات ميدانية في العديد من المدن أبرزها العاصمة مدريد لتخفيف الضغط عن المستشفيات، كما تم تجهيز فنادق تبرع مُلّاكها لتحويلها إلى مستشفيات وقت الحاجة. يحدث كل ذلك لقطاع الصحة الإسباني بالرغم من كونه الأفضل على الإطلاق في كل القارة الأوروبية، وهو الثالث عالمياً، تخيلوا لا قدّر الله لو أن الأمر انتقل إلى بلد آخر يمتلك قطاعه الصحي موارد محدودة.
إلى حد الآن تم تسجيل إصابة 9444 من الأطقم الطبية بفيروس كورونا وبالتالي خروجهم عن الخدمة. نحن نتحدث هنا عن ما نسبته حوالي 25 في المائة من اليد العاملة بالقطاع، وهو ما ضاعف الضغط على العنصر البشري العامل حالياً. كما تم تسجيل وفاة ممرضة وطبيبين بسبب عدوى تلقوها من المصابين. ولمواجهة ذلك، أعلنت الحكومة عن عزمها التعاقد مع 50 ألف طبيب من مختلف التخصصات بمن فيهم أطباء متقاعدون وطلاب السنتين الأخيرتين في سلك الطب، فضلاً عن الصيادلة والمخبريين وحتى الأطباء الشرعيين أو البياطرة.
يكفي أن نُشير إلى أن الطاقة الاستيعابية لجميع المستشفيات الإسبانية هي 4400 سرير في غرف العناية المركزة، واليوم وصلت أرقام المصابين بغرف الإنعاش 4165، أي أننا على حافة الوصول إلى الطاقة الاستيعابية الكاملة للمستشفيات، رغم أن الجيش تدخل وجهز مستشفيات ميدانية بغرف عناية مركزة مؤقتة، لكنها لن تكون كافية مع ارتفاع أعداد المصابين يومياً.
كيف كانت الإجراءات المتخذة في إسبانيا لمواجهة المرض مقارنة بدول في نفس الوضع الذي تعيشه، وما مدى التزام الإسبان بها؟
يُجمع الكثيرون هنا أن الحكومة الإسبانية تحركت متأخرة جداً، ففي البداية تصرفت مع المشكل على أنه ينتشر في الصين وهي بعيدة جداً، مذكرة في كل مرة بقوة النظام الصحي الإسباني وفعاليته كونه الأفضل بين الدول الأوروبية. وتكشف الصحافة الإسبانية أن وزير الصحة، سلفادور إييا، تلقى نهاية شهر فبراير الماضي تحذيراً من مصالح الوقاية بخصوص إمكانية انتشار الوباء بشكل خطير، لكنه تجاهل ذلك التحذير ولم تشأ الحكومة اتخاذ أي إجراءات استثنائية.
في إسبانيا تم تسجيل أول حالة في 31 يناير الماضي، ولم تعلن الحكومة حالة الطوارئ حتى بلغ عدد الضحايا 130، وهو رقم مرتفع حسب الخبراء. ويُشير الخبراء إلى الأسبوع الأخير من شهر فبراير كونه المدة التي انتشر فيها الفيروس بشكل كبير جداً وكانت الحكومة على علم بذلك، لكنها لم تتحرك. وفي 8 مارس الذي صادف يوم الأحد وهو عطلة أسبوعية، سمحت الحكومة بتنظيم مظاهرات 08 مارس التي شارك فيها 120 ألف شخص بالعاصمة مدريد، بمن فيهم وزيرات وحتى زوجة رئيس الحكومة. وللمفارقة، فإن الوزيرات اللاتي تصدّرن المظاهرة تأكد إصابتهن بالفيروس وحتى زوجة رئيس الحكومة، وحالياً تمكّن الفيروس من ثلاث وزيرات. وفي نفس اليوم تم تنظيم مقابلة في كرة القدم حضرها 60 ألف مناصر، فضلاً عن إقامة حزب اليمين المتطرف "فوكس" مؤتمره الذي حضره 9 آلاف شخص. وبعد أيام تأكد إصابة زعماء الحزب وبرلمانييه وربما يكونوا قد نقلوا العدوى لمعظم من شاركوا.
وفي 13 مارس، تحركت الحكومة بعد أن استفحل الوباء وخرج عن السيطرة لتعلن عن حالة الطوارئ ومعها اتخاذ حزمة من الإجراءات التي تحد بشكل كبير من الحركة.
ومن بين الإجراءات التي أثارت الجدل، منح وزير الصحة صلاحيات مطلقة، تم بموجبها مصادرة المعدات الطبية والأجهزة من الشركات والخواص والموزعين. كل ذلك أدى إلى حدوث ارتباك في الأوامر واكتظاظ في المخازن، عقبه سوء تسيير وعجز عن التوزيع العادل، حسبما تقول محافظة إقليم مدريد، إيزابيل دياث ايوسو، التي اتهمت الحكومة بترك مدريد وحيدة تصارع الوباء.
وللتغطية على انتقادات المعارضة في الجلسة البرلمانية ووسائل الإعلام، أعلنت الحكومة عن اقتناء 640 ألف جهاز كشف سريع عن الوباء من الصين، وبعد أيام، كشفت الصحافة أن هذه الأجهزة مزيفة وغير موافقة للمواصفات الأوروبية. حين ذلك، وجدت الحكومة نفسها في موقف محرج، فأعلنت عن إرجاع 9000 جهاز كشف سريع للشركة المُصنّعة في الصين. وفي غضون ذلك، دخلت السفارة الصينية في إسبانيا على خط أزمة الأجهزة التالفة وأكدت أن الشركة التي صنعتها لا تمتلك الرخص اللازمة في الصين، ولا زالت الحكومة عاجزة عن تسيير هذه الفضيحة.
في المقابل هل التزم الإسبان بتعليمات الحكومة لمواجهة الجائحة؟
عموماً التزم الإسبان بقانون الطوارئ وبلغة الأرقام بعد دخول قانون الطوارئ حيز التنفيذ في 13 مارس الجاري، تم تحرير أكثر من 53 ألف غرامة مالية، بينما تم اعتقال 620 شخص بسبب مخالفتهم الحجر المنزلي المفروض. مقارنة هذه النسب مع عدد السكان البالغ حوالي 47 مليون نسمة يعطينا صورة واضحة عن مدى التزام الإسبان بشكل عام بقانون الحظر.
الكثير من التقارير الإعلامية ربطت انتشار الفيروس في إيطاليا وإسبانيا بمقابلة كرة القدم بين فريقي اتلانتا وفالنسيا، ما مدى صلابة هذا الطرح في قراءة أسباب المشكلة في إسبانيا؟
لا يوجد أي ربط مباشر بين هذا الحدث الرياضي وانتشار الفيروس، على الأقل في إسبانيا. السلطات تتحدث عن الأسبوع الأخير من شهر فبراير كونه الأسبوع الذي انطلقت منه العدوى بأرقام مرتفعة. إجمالاً، هناك عدة أحداث رياضية وثقافية وسياسية وحقوقية تم تنظيمها في أوج انتشار الفيروس وقد حذر الخبراء الحكومة قبل تنظيمها لكنها رفضت الانصياع لتلك التحذيرات وهي اليوم تدفع فاتورة ذلك الرفض.
كيف يتناول الشارع الإسباني مسألة التضامن ما بين الدول الأوروبية في مواجهة الجائحة؟ وفي تقديرك هل سيتأثر الاتحاد الأوروبي بعد زوال الجائحة؟
الشارع الإسباني غير مكترث كثيراً بالتغيرات التي قد تطرأ على الاتحاد الأوروبي، على خلاف ما يحدث في إيطاليا، وقد يكون السبب هو أن إيطاليا تضررت أكثر من إسبانيا ولم تتلق أي مساعدات من الاتحاد الأوروبي وقد فقد الإسبان أي أمل في التفات المنظمة القارية إليهم، كما أن اهتمام وسائل الإعلام منصب على الأزمة في البلاد ومختلف تداعياتها. لا أتوقع أن يتفكك الاتحاد الأوروبي بعد انقشاع هذه الغيمة، لكن أعتقد أن العمل الأوروبي المشترك قد تأثر كثيراً للأسباب التالية: أولا، عجز المفوضية الأوروبية أو أي من مؤسساتها سواء المالية أو الإنسانية عن التحرك لمساعدة الدول المتأثرة خاصة إيطاليا أو إسبانيا. ثانيا، رفض الدول الأوروبية الشمالية تقاسم أعباء الوباء والنهوض الاقتصادي بعده مع بقية بلدان أوروبا الجنوبية. وثالثا، دخول أطراف إقليمية على خط أزمة البيت الأوروبي ومحاولة إحداث شرخ أو الاستفادة من الأزمة استراتيجيا وتسجيل نقاط لصالحها، نتحدث هنا عن روسيا التي أوفدت عسكريين إلى إيطاليا وأسطولا جويا يتكون من 15 طائرة شحن ليوشن محملة بمخابر طبية ومساعدات وأطقم طبية. كذلك فعلت الصين التي أرسلت مساعدات إلى إيطاليا وأطباء. في الأثناء، تراجعت الولايات عن دورها الدولي وتقوقعت على نفسها، بل على العكس، منعت تصدير مواد طبية لهم وتجهيزات في عز الأزمة.
عموماً، الوقت مبكر للتحدث عن تداعيات الأزمة وحصرها، لكن بالتأكيد سبكون هناك تغيير على الساحة الدولية وليس فقط في أوروبا. بعبارة أخرى: مرحلة ما قبل كورونا لن تكون مثل ما بعدها.
شخصيا كيف تعيش يومياتك في ظل انتشار فيروس كورونا بإسبانيا؟ وما هي النصائح التي يمكن أن تقدمها حتى لا تتكرر تجربة إسبانيا في الجزائر؟
نعيش في المنزل للأسبوع الثاني على التوالي دون الخروج، فبعد قرار إغلاق كل المؤسسات التعليمية لم أعد أذهب إلى الجامعة، أستغل الوقت في إنجاز أطروحة الدكتوراه التي تُشارف على نهايتها. لم نعد نخرج سوى للضروريات القصوى كالذهاب إلى المحل التجاري أو الصيدلية، باستثناء ذلك يُعرض الإنسان للغرامة المالية. لكن هنا الناس عموماً يلتزمون ولا تجد في الشارع سوى الذين لهم حاجات ضرورية أو هم عمال لم تتوقف قطاعاتهم كالأطباء أو رجال الأمن أو غيرهم.
النصائح التي يمكن توجيهها للشعب الجزائري الشقيق، شعبي الثاني ودولتي الثانية، هي الالتزام في البيوت وعدم الخروج. على الشعب الجزائري أن يستفيد من دروس الشعوب الأخرى، فهذه هي إسبانيا التي تملك أقوى نظام صحي في أوروبا تجد نفسها عاجزة أمام الوباء. إلى حد الآن لا يوجد أي لقاح للوباء ولا علاج. الوصفة الوحيدة المجربة في الصين والتي استوردتها أوروبا لاحقاً هي غلق المدن والأحياء ومنع الناس من الحركة والخروج. صحيح أنها ستكون له فاتورة اقتصادية واجتماعية مرتفعة، لكن بذلك نحافظ على أرواحنا وأرواح غيرنا.
المصدر: الخبر الجزائرية