-->

المشروع الوطني ومآلاته (الجزء الثاني)


اعتقد ان نقطة الانطلاق لدراسة أي ظاهرة في الواقع هي تحديد موضوع البحث ومكانه وزمانه بمعنى المرحلة التاريخية التي حددناها سلفا بمرحلة اللا سلم, واللا حرب ويكون الكلام موجه هنا للذين اصبحت لهم فكرة عن هدف الكتابة ومناهج البحث ومبدأ التحليل العلمي الواقعي ,من اجل نقل الوعي الحقيقي بالواقع إلى الإدراك الذاتي الجماعي, ومسايرة التغييرات التي طرأت على واقع ثورتنا المجيدة، ومسار تطورها التاريخي الطبيعي ,باعتبار شروطها الذاتية والموضوعية, في كل مرحلة مرحلة.
ومثل هذه الأطروحات خصوصا يجب أن تكون موضوع بحث الأطر الصحراوية ويجب ان تجد فضاء متخصصا لنشرها بعيدا عن المواقع الصحفية والإخبارية المستعجلة , المتهافتة على الجديد ذو الطابع الاستهلاكي الناتج عن طبيعة عملها وكونها لسان جهات سياسية تعبر عنها وليست لنشر الدراسات العلمية المتأنية التي تدرس واقعنا الإجتماعي والمشاكل الخفية داخله ،وهي المشاكل الغير قابلة للملاحظة البسيطة وتسليط الضوء عليها وفك الغازها، ولكي نساهم وبشكل فعال في تحصين المناضلين من الإنزلاق الى مواطن الفكر الرجعي والوعي الزائف لواقع المشروع الوطني لابد من هذه النظرة الواقعية والعلمية العميقة إلى كل الأدوات التى يستعملها العدو في معركته الديماغوجية ضدنا،كي تكون تفنيد جدي وجذري وتستطيع أن تجد البراهين العقلانية لاستيعاب هجماته ودراستها ودحضها وتفكيك دعائمها.ولا شك أن ملاحضة هذه المجموعة من المنزلقين إلى موقع الفكر النقيض بل الذين تحولوا في وقت وجيز من مدافعين عن الشعب الصحراوي وعن القضية ومن منتقدين عدم عودة الجبهة إلى الحرب مثلا ( وهو ما يمكن أن يفهم كموقف راديكالي تحرري) ،تحولوا وبسرعة إلى مدافعين عن طرح الإحتلال في أروقة الأمم المتحدة ولدينا امثلة
عملية السقوط السريع في الخيانة تعني أساسا عدم توفر الساقط على مبادئ قوية تحصنه من الرذيلة والجريمة التي هي الخيانة …...، لأنها في كل القوانين جريمة ضد الوطن ،وفي كل الديانات امتزجت باللعنة وفي القواميس الأخلاقية :سلوك لا يغتفر لمرتكبه ،،،،،،،، والمبادئ القوية لا يمكن ان يكتسبها الإنسان إلا بوعي حقيقي يصدر عن فكر علمي ووطني يعكس الحركة العامة للمجتمع ويحمل جوهرا إيديولوجيا موجبا يرسخ الثوابث الوطنية وينفي غيرها , هذا الوعي ينتج عنه أن ارتباط مصلحة الإنسان بوطنه ,هو نفسه إرتباط مصلحة الإنسان بمصير الإنسانية ..


و لأن الإنسان يشكل ما يحيط به ويعتبر جزء منه،ولأن تعارض المصلحة الشخصية للفرد مع مجتمعه ليس امرا سليما, ولا منطقا معقولا، يصبح لزوما على الدارس بحث الوعي الذي يخلق هكذا تعارض ،وبحث الواقع كذلك باعتبار الجدلية القائمة بين الفكر والواقع،و استشفاف ماهية الشئ الذي ينتج هذه الفئة التي تتحول من الراديكالية في النضال إلى الرجعية ،إذا سلمنا جدلا بصدقهم في الطرح في كلتا الحالتين ،وهو ما يبدو احتمالا ضعيفا
ولا بد ان نشير هنا إلى أننا عزونا سقوطهم في الخيانة إلى عدم التزامهم بالمبادئ, ولكن بدون برهان وبدون بحث العلاقة بين المبدأ والوعي ،وهو أمر لابد لنا منه خصوصا ونحن نحاول نقل الوعي الحقيقي بالحقبة التاريخية إلى الإدراك الذاتي الجماعي للمجتمع الصحراوي.
يصف كثيرا من المهتمين مسألة الخيانة بالطبيعية فقط لأنها تحدث في كل الثورات،وتوصف من وجهة نظر سياسية بأنها النفعية والبراڭماتية ،ولكن إذا ركزنا على مبدأ توافق مصلحة الفرد مع المصلحة العامة لشعبه : فالخلل يكمن فقط فيما مدى وعي الأفراد داخل المجتمع بهذ التطابق ،أو عدم وعيهم به ،وعدم وعيهم به يعتبر بداية الشك وبعد ذلك التسليم بتنافر هذه المصلحة ،وهذا هو ما عبرنا عنه في المقال الأول من سلسلة (المشروع الوطني ومآلاته ) بخلخلة المرتكزات الفكرية ،ولكي لا يكون كلامنا هنا فكر مجرد سنأخذ على سبيل المثال (خط الشهيد ) أو (المبادرة) أو هما معا، تبدأ هذه الحركات واضع الحركات بين قوسين ورغم صغر قاعدتها الجد محدودة، بوصف نفسها كراع لِلمشروع الوطني وحقوق الشعب الصحراوي وتنتقد الجبهة بالتقصير فيه مستعملة في ذلك نفس الخطاب الديماغوجي الذي يستعمله الاحتلال للنيل سياسيا من الجبهة ،والتطابق في الوسائل والأدوات بين الاحتلال وهذه الحركات يؤدي حتما إلى وحدة النتائج ومن هنا فقط يمكننا تعرية هذه المجموعة من المتسلقين وهنا لا بد أن أعرج على رئيس المبادرة فقط كمثال لأنني لا أحب شخصنة الأمور ،وليس فقط لأنه ابان عن إخفاقه في فهم الصيرورة الموضوعية التاريخية لتقدم المشروع الوطني وضرورة انتصاره كي يكون للتاريخ معنى التطور الإ يجابي أو الإرتقاء،وليس أيضا، لأن رئيس المبادرة يعاني تغربا وانفصالا عن النسق العام ،والإيمان الحتمي والعام للشعب الصحراوي في التحرر ،بل لأن الحاج احمد مع كامل احترامي لشخصه (وانا لم التق به قط ولا اعرفه مباشرة) وفي أولى خرجاته الإعلامية وقد كنت متعطشا لسماعها :رمى الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب بأنها تحولت من حرة تحرر إلى حزب سياسي ،وأنا اتسآأل هنا هل يا ترى حركة بشعار :سلام، وفاق ،عدالة, يمكن ان تصنف كحركة تحرر ؟؟؟؟؟ أو كبديل للجبهة التي يحمل تسعة وتسعين في المئة من شعارات مؤتمراتها كلمة كفاح أو كفاح مسلح ؟؟؟؟


طبعا لن اجيب عن هذين السؤالين كي لا اكون عابثا ،ولأن شرح الواضحات من المفضحات ،ولكن اريد ان اشير إلى كون إعلام المخابرات المغربية هو أول وآخر من هلل لكلمة رئيس المبادرة ورحب بها لانها قالت ما كانت جريدة هيسبريس تريد قوله وهو ما يحتاجه النظام المغربي في هذه الآونة لتغطية ازماته و مواصلة سياساته في الهروب إلى الأمام ،بل الأخطر من ذلك نكتشفه حينما نسلط الضوء على الغباء السياسي الذي تمتع به الحاج أحمد الذي أعلن المبادرة وارتمى في حجر الحزب الاشتراكي الإسباني وأعلن حركة صحراويين من أجل السلام وارتمى في حضن هسبريس.........
من حيت الجوهر, كل ما ينطبق على المبادرة ينطبق على (خط الشهيد) والبونس وغيرهم.... ويختلف شكلا دور كل واحد منهم حسب الحقبة التاريخ وما تتطلبه وما يرضي المستعمر بالنسبة للبعض وما يرضي الإحتلال بالنسبة للبعض الآخر .
هنا أغتنم الفرصة للرد على أحد القراء وأعتقد انه من افراد المبادرة وكان قد علق على الجزء الأول من هذا المقال قائلا :اتركنا من الفلسفة وقل لنا ماذا حققنا خلال 47 عاما من اللجوء. وحقيقة لا يهم من هو الرجل ولا يهم كذلك الرد عليه ولكن المهم هو كلامه باعتباره أولا يتساءل ماذا حققنا خلال 47 عاما وهذا الخطاب لا يؤمن بحتمية النصر خطاب الشك, وهو نفس خطاب الإحتلال وكأن ثورتنا محكومة بزمن معين وهو وعي خاطئ ,وهذا هو حقيقة مانقصده حينما نقول_ الإنزلاق إلى مواقع الفكر النقيض _لأنه لا يمكنك ان تقاوم إحتلالا ،انت تفكر مثله وحدودك وعيك هو الذي رسمها لك ,فقط لأنك في هذه الحالة : مسلوب الإرادة ,ففي فكر الجبهة، وعلى لسان الشهيد محمد عبد العزيز رحمة الله عليه يقول: اجيال تتلاحق على هذه القضية حتى انتزاع النصر, بمعنى ان الزمن يمتد إلى اجيال وان النصر منتزع، وليس ممنوح، فالثورة الفرنسية مثلا نجحت بعد سبعين سنة ,أقل بقليل من قرن ولذلك نعتبر نسبية الزمن ولا نقلل من أهميته ونومن بحتمية النصر كمبدأ ،أما عن قوله اتركنا من الفلسفة فيبدو أن القارئ لا يعرف ان الفلسفة هي اساس تطور الفكر ،او يختزل الفلسفة في السفسطائية او ينكر ان هناك فلسفة علمية تدرس العملية التاريخية وفق شروط ذاتية وموضوعية محددة في مكان وزمان محددين ,وهو ما يضمن اقصى حد من العلمية باعتبار نسبية العلوم الإجتماعية وكل ما ذكرناه في مقدمة الجزء الأول من المشروع الوطني ومآلاته(https://mapnr.blogspot.com/2020/04/blog-post_868.html) ولكن يبدو أن مشكلة القراء بشكل عام في المجتمعات الألف بائية هو افتقارها لعادة الحوار التفاعلي واستخدام آليات التحليل والنقد لإستيضاح الحقائق التي تمكن من دحض الوعي الزائف الذي هو سبب الانزلاق إلى مواقع الفكر النقيد.
وحينما نتكلم عن الإحتلال المغربي يجب أن يفهم من كلامنا أننا لا نتكلم عن الفئات العريضة من الشعب المغربي الشقيق ,ولا عن المناضلين المغاربة الأحرار الدين يقدمون التضحيات ويملأون السجون من اجل تحرير المغرب وقد رأينا منهم منظمات ومؤسسات حزبية وأفراد يساندون حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير وهم يشكلون المعارضة الحقيقية في المغرب ويؤمنون بان مبدأ الحرية والإنعتاق ينسجم مع الطرح والمبدأ ولا تهمه الأرضية.


حينما نتكلم عن الإحتلال إنما نتكلم عن التحالف الطبقي المسيطر على المغرب والمتكون أساسا من الكمبرادور ( اي القصر وحاشيته) والتكنوقراطية العسكرية والطبقة الغنية المسيطرة على الاقتصاد والمرتبطة أساسا بالخارج وبفرنسا على وجه التحديد وهم من يسمون بالطبقة الكولونيالية اي المرتبطة بالاستعمار الجديد هذا التحالف هو وسيلة الإستعمار الفرنسي ليس فقط في السيطرة على المغرب بل أيضا في إحتلال الصحراء الغربية ،وتقوية النفوذ الفرنسي في منطقة الساحل وتسهيل السيطرة الفرنسية على الثروات والموارد الطبيعية الإفريقية خصوصا في منطقة الساحل ،إذن حينما نهاجم الإحتلال بوصفه هذا فإننا نعمل على تحرير الصحراء الغربية والشعب المغربي وتحرير الثرات والموارد الطبيعية الإفريقية من الهيمنة الفرنسية وهذا هو ما قصده الشهيد محمد عبد العزيز حينما قال : صحراوي في أي مكان ارفع راسك عالي شعبك وثورتك يحقق مهمة حضارية عالية في هذا العالم.
إنطلاقا مما سبق نفهم الأبعاد العالمية للصراع وحرص فرنسا على عرقلة وتعطيل استقلال الصحراء الغربية كجزء من خطة استعمارية شاملة تستهدف كل شمال إفريقيا ومنطقة الساحل.
إذن الجبهة كحركة تحرر قاومت في المرحلة الأخيرة من العهد الإمبريالي وعلى طول مرحلة الاستعمار الجديد تكون كسبت من التجربة ما يؤهلها للعب الدور الطلائعي لمقاومة الإستعمار في هذه المنطقة ولكن هذا يتطلب عملية تقوية ذاتية وبهذا نكون وصلنا إلى نفس نتيجة الجزء الأول من هذه السلسلة وضرورة مراجعة فكرية شاملة ينتج عنها خلق قوة ثورية رائدة وخطاب سياسي تحرري واعي يخدم المرحلة ويفند هذه الهجمات التي تحاول ان تكرس واقع الإحتلال وتصفه بالواقعي وتحاول جر الأمم المتحدة إلى القفز على حق الشعوب في تقرير مصيرها وهو ما يشكل تهديد سافر للسلم والٱمن الدوليين حسب مرجعيات القانون الدولي أما الواقعين تحت الاحتلال فالدرس الذي علمنا التاريخ هو امتشاق البنادق لتحرير الأوطان :المجد والخلود لشهدائنا الميامين ،وكل الوطن أو الشهادة
بقلم حسان ميليد علي

Contact Form

Name

Email *

Message *