حسابات الربح والخسارة في الازمة السياسية بين الجزائر واسبانيا
بعد تصعيد الجزائر ضدّ إسبانيا، والضغط السياسي عليها بتعليق معاهدة الصّداقة والتّعاون وحسن الجوار التي وقّعتها الدولتان منذ عقدين، على خلفية انقلاب إسبانيا في موقفها من قضية الصحراء الغربية، أبدت الجزائر استعدادها لإخراج أوراق تصعيدية أخرى من محفظتها وفق تطور الأوضاع، بينما ردت مدريد أنها ستكون حازمة في الدفاع عن مصالحها الوطنية والاقتصادية.
أوضحت رئاسة الجمهورية الجزائرية، في بيان سابق أنّ القرار يعدّ ردا على موقف الحكومة الإسبانية الذي اعتبرته انتهاكا للشرعية الدولية وجهود الأمم المتحدة والمبعوث الجديد للأمين العام ويساهم بشكل مباشر في تدهور الوضع في الصحراء الغربية وفي المنطقة.
لكن تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع إسبانيا، أفرز استفهامات كبيرة حول مصير الاقتصاد الجزائري، وللإجابة على هذه الاستفهامات اتصل موقع أوراس بخبراء من أجل معرفة تبعات الأزمة مع إسبانيا على اقتصاد الجزائر وأبعادها.
من الخاسر؟
وصف المحلّل الاقتصادي سليمان ناصر في حواره مع الأوراس، تجميد المعاهدة بين الجزائر وإسبانيا بـ”القرار المتسرّع”.
وقال إنّ الضّرر الاقتصادي سيلحق بالطرفين، نظرا لحجم المبادلات التجارية بين البلدين، التي تتجاوز 6 مليارات دولار، فيما سيكون الاقتصاد الجزائري المتضرّر الأكبر، مرجعا الأمر إلى وجود حوالي 250 شركة إسبانيا تعمل في الجزائر، بالإضافة إلى 53 مشروع استثماري مشترك ما بين البلدين قيمته الإجمالية 1 مليار و422 مليون دولار، وخلق 4970 منصب شغل.
لكن صحيفة “ذا أوبجيكتيف” الإسبانية، كشفت، في عددها، الخميس، أن مدريد ستخسر نحو 5.5 مليار دولار سنويا، إثر القرار الجزائري.
المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية، نبيلة ماصارلي، قالت، إن “القرار الجزائري بتعليق اتفاقية الصداقة مع إسبانيا مقلق للغاية بالنسبة لنا”.
وتابعت موجهة حديثها للجزائر “نطلب منكم مراجعة قراركم، الجزائر شريك مهم في البحر الأبيض المتوسط ، ولاعب رئيسي في استقرار المنطقة”، وهو بمثابة اعتراف من الهيئة الأوروبية وإسبانيا بأن قرار الجزائر سيعرض الاقتصاد الإسباني لخسارة ولو مؤقتة
من جهته الخبير الطاقوي توفيق حَسنِي، أكّد أنّ آثار تجميد التبادل التجاري لن تكون له انعكاسات كبيرة على إسبانيا نظرا لنسبة الاستيراد، إنما ما يؤثر عليها هو الجانب الطاقوي الذي لا يمكن التراجع فيه وبالتالي لا تأثير كبير عليها.
ويرى حَسَني، أنّ الجزائر ستخسر الاستثمار الأجنبي خاصة وأنّ إسبانيا لديها إرادة كبيرة في هذا الإطار.
عقود الغاز
بعد القرار المتضمن تجميد توطين البنوك عبر تعليمة تفيد بضرورة التجميد الفوري للتبادل التجاري مع إسبانيا، الذي أُصدِر يوم أمس 9 جوان، من قبل الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية الجزائرية، تضاربت الآراء حول امتدادها من المنتجات والخدمات التجارية إلى العقود الطاقوية وأسباب ذلك.
وتعد الجزائر مورداً رئيسياً للغاز بالنسبة إلى إسبانيا. وقال الرئيس عبد المجيد تبون في وقت سابق إنه لن يفسخ عقد التوريد بسبب هذا الخلاف.
وقالت وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس إنه لا يوجد مؤشر على حدوث تغيير. وذكرت وزيرة الطاقة الإسبانية تيريزا ريبيرا أن موقف الجزائر المتعلق بإمدادات الغاز نموذج يُحتذى.
وفي السياق، قال توفيق حَسنِي، في حواره مع الأوراس، “إنّ الجزائر لا يمكنها إلغاء العقود الخاصة بالطاقة، نظرا لالتزاماتها بمعاهدات دولية الرّجوع عنها يعرّضها لمتابعة من محكمة العدل الدَولية”.
وهو ما أكّده المحلل الاقتصادي سليمان ناصر، بقوله “إنّ الجزائر حتى بعد تجميد التبادلات التجارية، ستلتزم بإمداد إسبانيا بالغاز عبر خط ميدغاز، باعتباره سلعة استراتيجية”.
ووضّح حَسنِي، بأن الجزائر لا يمكنها تجميد أو إلغاء معاهدة الطاقة لسببين، الأول أن الالتزام بها لا يخضع للرغبات والمصالح إنما لبنود محدّدة.
ويضيف، أنّ السبب الثاني فيما يخص تسويق الطاقة، التي يُمنع استعمالها كأسلحة ضد دولة أخرى، وإلا آلت القضايا المتنازع حولها إلى حرب اقتصادية مثلما هو الحال في قضية روسيا وأوروبا، لأنها رفضت تزويدها بالغاز مقابل الروبل الروسي.
ومن جهته سليمان ناصر، أوضح بأنّه اتفاق بين دولتين بمدى بعيد تحكمه معاهدات دولية لا يمكن التنصّل منه في أي لحظة، نظرا لما قد يترتّب عنه تعويضات وغرامات.
لذلك يرى حَسنِي، أنّ تعليق التبادل التجاري يشمل استيراد وتصدير كل المنتجات والخدمات باستثناء المواد الطاقوية.
ويعتقد سليمان ناصر، أن “الجزائر لن تربح شيئا على الصعيد الاقتصادي، ما عدا استفادتها المعنوية سياسيا، بكسب قرارها السيادي فيما يخص بعث إمدادات إضافية من الغاز لإسبانيا”.
وعلى العكس من ذلك، تساءل عن مصير الجزائريين الذين باشروا علاقات تجارية ووقعوا اتفاقيات مع مُصدرين إسبان، خاصة بعد القرار الفوري لتجميد توطين البنوك لعمليات التجارة الخارجية للمنتجات والخدمات من وإلى إسبانيا.
الاتحاد الأوربي يحذر
في إطار الأبعاد التي يحملها التصعيد ضدّ إسبانيا، على تحالفات الجزائر الخارجية، أعلنت بروكسل تضامنها مع إسبانيا ودعت الجزائر إلى إعادة النّظر في تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون.
وفي هذا الصدد، يرى سليمان ناصر، أنّها بمثابة رسالة ضمنية توُجّهها بلجيكا إلى الجزائر، لتُذكّرها بأن إسبانيا جزء من الاتحاد الأوروبي، وضرورة الالتزام بعقود الشراكة الموقعة مع الاتحاد الأوروبي منذ 2005 والتي لا تزال سارية المفعول.
ويضيف المحلل الاقتصادي، أنّ قرار الجزائر سيفتح عليها باب انتقادات شديدة من طرف شركاء إسبانيا، تضامنا من دول الاتحاد الأوروبي التي تعتبر دولة واحد اقتصاديا وبالتالي ما يمس إسبانيا يمسهم جميعا.
لذلك دعا حَسنِي، إلى ضرورة فهم حدود السوق الجزائرية في إطار علاقات مجموعة دول غرب البحر الأبيض المتوسط 5+5، التي تعمل تحت لواء الاتحاد الأوروبي، إلى جانب بلدان المغرب العربي.
كما قال متسائلا عن مصير الاقتصاد الجزائري بعد هذه الخطوة الجريئة: “باعتبار سوق الجزائر مبني في هذا الإطار حول البحر الأبيض المتوسط، فعندما تخرج منه إلى أين ستذهب؟”
ونبه الاتحاد الأوروبي الجزائر من تداعيات تعليق التجارة مع إسبانيا، وطالب بحل الأزمة بين البلدين عبر الحوار، لتفادي التصعيد بحكم تزامن هذه الأزمة مع رغبة الجزائر مراجعة آليات التبادل التجاري مع الاتحاد الأوروبي برمته.
بالمقابل، عبرت الجزائر عن أسفها إزاء “تسرع” المفوضية الأوروبية في الرد على قرارها بتعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار مع إسبانيا، مشددة على أنها ستبقى ملتزمة بشأن إمداد مدريد بالغاز.
المصدر: موقع اوراس الجزائري