✍️ محمد قنديل - مدون، ناشط حقوقي وسياسي مغربي مستقل
🔻 لم يحتج العالم هذه المرة إلى تقرير أممي جديد، ولا إلى مداخلة داخل مجلس الأمن، ولا إلى بيان من مفوضية حقوق الإنسان، كي يرى الحقيقة عارية كما هي.. إحتاج فقط إلى خريطة واحدة نشرها الإتحاد الإفريقي لكرة القدم، خريطة بسيطة، هادئة، بلا ضجيج… لكنها كانت كافية لنسف سرديات القصر الملكي من جذورها... المغرب ظهر كما تعترف به الشرعية الدولية؛ بلا الصحراء الغربية، وهنا سقط (( الفتح المبين )) دفعة واحدة، وتحوّل إلى نكتة جغرافية ثقيلة الدم.
الكاف لم يفعل سوى إحترام القانون الدولي، لكن هذا الإحترام وحده كان صفعة مدوية على خد نظام بنى شرعيته الوهمية منذ عقود على التزوير البصري.. خرائط مدرسية مفبركة، نشرات جوية سياسية، ملصقات سياحية ملغومة، وفضائيات تشتغل كورشات تزوير خرائط... كل ذلك إنهار أمام خريطة رسمية واحدة قالت للمخزن.. الصحراء الغربية ليست لك، ولن تكون لك في خرائط الشرعية الدولية مهما نفخت أبواقك.
القرار 2797 الذي حاول المخزن تقديمه (( كفتح دبلوماسي تاريخي )) ظهر فجأة على حقيقته.. ورقة توت لتغطية عورة سياسية، فبينما يبيع القصر للشعب إنتصارات وهمية، تواصل الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي تصنيف الصحراء الغربية بإعتبارها إقليمًا خاضعًا لتصفية الإستعمار، بحيث لا سيادة، لا (( مغربية ))، لا (( عودة ))، لا (( فتح ))، فقط إحتلال مُدار بدعاية.
السخرية الثقيلة أن هذه الفضيحة لم تقع في نيويورك ولا أديس أبابا، بل وقعت على أرض المغرب نفسه؛ في قلب المجال الذي يسيطر عليه المخزن، وتحت كاميرات إعلامه المأجور، وفي حضرة القصر ووزراء نظامه الهش ومستشاريه، وأمام أجهزته الأمنية بمختلف تلاوينها، ظهرت الخريطة التي فضحتهم جميعًا، إذ لم يجرؤ أحد على الإعتراض، ولم يصدر أي (( بلاغ توضيحي ))، ولم نسمع نباح الأبواق المأجورة.
فجأة، إكتشف المخزن أنه عاجز أمام كرة قدم… لكنها كرة تحترم القانون الدولي أكثر مما يحترمه القصر الملكي وأزلامه، وهنا بيت القصيد.. المخزن ليس مجرد نظام سياسي، بل مصنع أكاذيب منظم، ينتج الخرائط كما ينتج البلاغات، ويعيد تدوير الشعارات كما يعيد تدوير الوجوه... لكن كل هذا المسرح يسقط عندما يُواجه بوثيقة واحدة غير خاضعة لرقابته، خريطة واحدة كانت كافية لإظهار أن (( السيادة )) التي يتغنى بها ليست سوى طلاء سياسي فوق إحتلال لا يعترف به أحد.
أبواق المخزن، تلك التي تعيش على فتات القصر، وجدت نفسها عارية بدورها.. لسنوات، كانت تملأ الأثير بخطب وطنية، وتهاجم كل صوت يذكّر بالشرعية الدولية، وتخوّن كل من يتحدث عن الصحراء كقضية تصفية إستعمار. اليوم، خريطة واحدة جعلت كل تلك الحناجر تبدو كمكبرات صوت مكسورة، تصرخ داخل قاعة فارغة.
الكاف لم يعلن موقفًا سياسيًا، لكنه أعلن الحقيقة.. وهذه هي الفضيحة الكبرى.. أن الحقيقة وحدها كافية لإسقاط نظام مبني على التزوير.
لم يحتج الإتحاد الإفريقي إلى خطاب ناري، ولا إلى بيان هجومي، بل إكتفى بخريطة رسمها وفق القانون الدولي، فانهار كل البناء الدعائي للمخزن.
الدرس قاسٍ وبسيط في آن واحد.. يمكنك أن تشتري الإعترافات، أن تضغط على الحكومات، أن تموّل الحملات، أن تكمّم الأفواه، لكنك لا تستطيع أن تغيّر القانون الدولي، ولا أن تُعيد رسم الجغرافيا في خرائط الشرعية الدولية.
الصحراء الغربية ستظل قضية تصفية إستعمار، والمخزن سيظل نظامًا يعيش على تزوير الواقع، مهما بدّل الأقنعة.
كرة القدم هذه المرة لم تُسجّل هدفًا في مرمى فريق، بل في مرمى سردية ملكية مخزنية كاملة.. هدف نظيف، بلا تسلل، وبلا حكم فاسد؛ هدف إسمه #الحقيقة.

تعليقات
إرسال تعليق