-->

الغجر يبحثون عن هوية ويحلمون بوطن تشرق عليه الشمس ..

العراق / صلاح الربيعيـ وكالة المغرب العربي للانباء المستقلةـ تعيش مجاميع من القبائل الغجرية بطريقة تختلف عن بقية الشعوب الأخرى بكثير من التفاصيل قدرها أن تعيش بترحال مستمر على أرض الله الواسعة إذ لاحدود ولا قيود تمنعهم سوى الحدود السياسية والجغرافية التي تفصل بين البلدان .. وفي كثير من الأحيان لاتمنعهم القوانين الصارمة التي تصدرها بعض الحكومات عن تخطيهم لتلك الحدود ليحطوا الرحال في مكان جديد يتيح لهم العيش بأمان .. قبائل الغجر الذين ينتشرون على بقاع الأرض في خصوصية رسمت لهم نمطا غريبا من العيش بأجواء هم يرونها طبيعية الى حد ما .. وبهذا الشأن قال الباحث الاجتماعي ماهر زيدان الظالمي لمراسلنا في العراق إن هذا الشعب يتصف بخصوصية مختلفة من الناحيتين الحياتية والاجتماعية أبرزها تجنبهم مصاهرة الغرباء وان تراثهم يزخر بالعديد من الأفكار والمعتقدات ‏‏التي ترسم طبيعة حياتهم وتحدد معالمها المتسمة بالقسوة وعدم الاستقرار‏ ‏والاندماج في مجتمعات البلاد التي يعيشون فيها إلا أن العراق قد نجح وبشكل مقبول في توطينهم واستيعابهم قدر المستطاع .. وأوضح الظالمي بأن الغجر يعيشون في عدة بلدان غربية وعربية منذ أكثر من مئتي عام وأنهم ينتمون ‏‏إلى مايقرب من ثلاثين عشيرة وبحسب الروايات التاريخية إن أصل الغجر يعود الى الهند وبالتحديد ولاية بيهار التي أرسل ملكها في القرن الخامس ‏الميلادي الى صهره ملك الفرس آنذاك المدعو بهرام بور عشرة آلاف مطرب وعازف مع نسائهم ‏‏وأبنائهم بناء على طلب الأخير الذي أراد إسعاد شعبه بإقامة حفلات الرقص والغناء وبالفعل فان القوم التزموا للملك بإقامة الأفراح والليالي الراقصة خلال أيام الأعياد والمناسبات الوطنية ومقابل ذلك منحهم ‏‏الملك حينها بعض الأراضي والبذور الزراعية والحيوانات التي تنفعهم ومئونة عام كامل جزاءا لخدماتهم الترفيهية التي قدموها للملك وشعبه إلا أن القوم لم يتوجهوا الى العمل في الأرض وزراعتها وإنما انشغلوا بالرقص والموسيقى والغناء وقد استهلكوا مئونتهم ‏‏ومعها المواشي والبذور التي قدمها لهم الملك حتى جاءوا إليه في العام التالي يطلبون ‏‏المزيد فغضب منهم وطردهم من بلاد فارس ليرحلو بعدها مجبرين وينقسموا الى ثلاثة مجاميع إحداها توجهت الى الجنوب الغربي من بلاد الشام و ‏‏مصر وشمال إفريقيا فيما اتجهت مجموعة ثانية الى ‏‏أرمينيا وجورجيا ثم واصلت نزوحها لتحط الرحال في اليونان التي تركوا فيها تأريخا قديما..أما الفريق الثالث من الغجر فقد توجه الى آسيا الصغرى ومنها الى وسط وغرب‏ ‏أوروبا وصولا الى البرتغال واسبانيا التي يعيش فيها أشهر مجاميع الغجر منذ نهايات العهد‏ ‏العربي في الأندلس ولحد الآن ليشكلوا فيما بعد ابرز ملامح اسبانيا المعروفة من رقصة ‏‏الفلامنكو الى الغناء والرقص الغجري ومصارعة الثيران .. ومن جهته ذكر أستاذ التاريخ مهدي صالح الجوراني بأن الغجر ينفون صحة الرواية التي تنسب أصولهم الى الهند و‏يصرون على أنهم عرب أصلاء يرجعون الى قبائل بني مرة ويستندون الى الرواية التاريخية عن حرب ‏‏البسوس وسيرة الزير سالم الذي انتقم من قبيلة بني مرة وأمر بتهجيرهم الى أماكن متفرقة على الأرض ومنعهم من ركوب الخيل وأن لايستقروا أو يأمنوا في مكان فهربوا مع أهلهم ‏‏الى صحاري الجزيرة العربية والبلاد المجاورة لها التي لقوا فيها أقسى أنواع الإذلال والعذاب مشيرا الى قسوة الحياة التي كان يعيشها الغجر في معظم أنحاء العالم ورفضهم التام للتوطين والاستقرار في مكان واحد والاندماج في المجتمعات التي تؤويهم كما يرفض الكثير منهم‏ ‏العيش في المنازل المبنية ويفضلون عليها الخيام أو البيوت الطينية ذات السقوف الواطئة ويبررون ذلك بأنهم لايرغبون البيوت الإسمنتية بوصفها سجنا لهم كما يمتنع الغجر عن إرسال أبنائهم إلى المدارس ‏ويعتقدون أن حروف الهجاء والتعليم من اختراع الشيطان ويكتفون بما يتعلمونه من كبار السن والأجداد الذين سبقوهم في التجارب الحياتية وان الحياة العصرية وحداثتها قضت على جوانب مهمة من حياة الغجر وعاداتهم ‏ ‏وتقاليدهم وأزيائهم ولغتهم التي لم يبق منها إلا القليل .. وبالرغم من التغييرات في حياتهم العامة إلا أنهم لازالوا يعشقون الغناء والطرب والرقص وان نزوح البعض منهم الى أطراف المدن ودخول البعض من أبنائهم في المدارس وممارسة الكبار منهم لبعض الأعمال والوظائف قرب المسافات الإنسانية التي حرموا منها بسبب نمط حياتهم الصعبة خارج خريطة المألوف .. وان مايحزنهم دائما هي نظرة المجتمع القاسية لهم ونعتهم بأسوأ العبارات النابية التي جعلت منهم ينعزلون عن العالم قدر استطاعتهم لكي لايتعرضوا لتلك المعاملة التي يصفونها بالقاسية والمؤلمة .. وقال الطالب الجامعي المهتم بحياة تلك الشريحة عمر حسن المياحي بأن الغجر يتحدثون بلغة ليست لها أية قواعد ولا حروف هجائية وإنما تنسب الى اللغة السنسكريتية مع خليط من المفردات العربية والفارسية‏ ‏والكردية والمغولية والآرية .. وبسبب تطور الحياة الاجتماعية وابتعاد أبناء الغجر من الجيل الجديد عن بيئتهم أصبحوا لايتكلمون بهذه اللغة ولا يعرفونها ولازالت قبائل الغجر تبحث عن منصف يدافع عن حقوقهم الإنسانية والاعتبارية التي حرموا منها طوال عقود من الزمن ويحلمون بوطن يحميهم وينقذهم من الترحال الذي أفقدهم الهوية وطعم الحياة الآمنة المستقرة ويأملون بأن تشرق الشمس على بيوت تأويهم فوق تلك الأرض وينعمون بحياة طبيعية كباقي البشر والتخلص من كل الذكريات المؤلمة والحياة القاسية والبائسة التي أرهقتهم وأبعدتهم عن العيش بكرامة وأمن وسلام

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *