-->

حذار من دبلوماسية اللحظات الاخيرة

حالة استنفار معلنة تعيشها الدبلوماسية المغربية منذ اعلان رئيس الحكومة السويدية عن
موقف بلاده من قضية الصحراء الغربية على هامش الدورة الاخيرة للجمعية العامة للامم المتحدة، حيث عقد رئيس الحكومة المغربية اجتماعا طارئا للاحزاب السياسية المغربية لدراسة المستجدات قبل اعلان السويد عن اعترافها بالجمهورية الصحراوية. وفي اعقاب الاجتماع تم الاتفاق على ارسال وفد من مختلف التشكيلات الحزبية المغربية الى العاصمة السويدية ستوكهولم من اجل اقناع الاحزاب السياسة السويدية بعدم الاعتراف الرسمي بالدولة الصحراوية، وامام هذه التطورات المتسارعة اصبح من الضروري طرح السؤال : اين الدبلوماسية الصحراوية؟.
حالة الاستنفار التي تعيشها الدبلوماسية المغربية تذكرنا بدبلوماسية اللحظات الاخيرة ومقدرتها على قلب موازين المعادلة في أخر لحظة، وهو ما حصل عام 2013 بمقر مجلس الامن الدولي عندما قدمت الولايات المتحدة الامريكية عن طريق سفيرتها في منظمة الامم المتحدة مشروع قرار لتوسيع صلاحيات بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الانسان، وهو القرار الذي تم سحبه في أخر لحظة من قبل الولايات المتحدة الامريكية بعد ضغوط فرنسية واتصالات حثيثة اجراها ملك المغرب مع بعض البلدان الخليجية التي لها تأثير مباشر على السياسة الخارجية الامريكية، كما قامت الرباط باستبدال سفيرها بالامم المتحدة وتعويضة بسفيرها السابق بجنيف، كل هذه التطورات حدثت في ايام معدودة وكانت نتيجتها سلبية على مستقبل الوساطة الاممية في الصحراء الغربية، حيث تم التمديد لبعثة المينورسو لسنة اضافية دون ان يتم توسيع صلاحياتها وهو ماكانت تنتظره الرباط.
التحركات السابقة في مجلس الامن الدولي عام 2013 قد لاتختلف عن التحركات الحالية للدبلوماسية المغربية وان كان الامر يتعلق بقرار سيادي لبلد اوروبي لكن في قاموس السياسة تبقى المصالح هي العليا. وفي في خطوة استباقية للتلويح بورقة الضغط الاقتصادي قام المغرب باغلاق متجر شركة “ايكيا” للاثاث قبل افتتاحه، وهي خطوة تعتبر غبية وتنم عن عدم معرفة المغرب بالمصالح الاقتصادية السويدية، لان شركة ايكيا هي شركة عالمية وما ستجنيه الشركة من ارباح بالمغرب لايقاس بارباحها من اي متجر عادي باحدى المدن السويدية. لكن المخاوف تكمن في مقدرة المغرب على حشد الدعم الخليجي في اطار ممارسة الضغط على الحكومة السويدية خاصة وان هناك اتفاقات للتعاون العسكري بين السويد والسعودية بملايير الدولارات. وسبق وان هددت السعودية بوقف تعاونها العسكري مع السويد في اعقاب الازمة التي اثارتها وزيرة الخارجية السويدية بتصريحاتها المنتقدة لسجل حقوق الانسان في المملكة السعودية، لكن الظروف الحالية للمملكة السعودية تمنعها من الدخول في اي مواجهة دبلوماسية مع السويد بسبب ازمة النفط في الاسواق العالمية وحاجتها -اي السعودية- الى الدعم العسكري السويدي في حربها باليمن.
للدبلوماسية السويدية تجارب مماثلة في قضايا الاعتراف خاصة بعد اعترافها بالدولة الفلسطينية وتحديها للضغوط الكبيرة التي مارستها اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية التي اعتبرت ان قرار اعتراف السويد بدولة فلسطين من شأنه ان يغوض جهود السلام في منطقة الشرق الاوسط، لكن ذلك لم يثني الحكومة الاشتراكية السويدية عن المضي في قرار الاعتراف بفلسطين.
التحركات المغربية الاخيرة لم تأتي الا بعد تاكد الرباط من مصادر رسمية عن عزم الحكومة السويدية المضي في قرار اعترافها بالدولة الصحراوية، وتسعى الدبلوماسية المغربية حاليا الى ضمان اخف الضررين وهو محاولة تخفيف مستوى الاعتراف، من الاعتراف الرسمي بالدولة الصحراوية الى الاعتراف بالصفة الدبلوماسية لجبهة البوليساريو. وهو ماستعتبره الدبلوماسية المغربية نصرا لها او تعويضا عن الصدمة التي ستتلقاها من ستوكهولم مما يتطلب تحركا عاجلا من الدبلوماسية الصحراوية والعمل على ارسال وفد دبلوماسي رفيع تزامنا مع زيارة الوفد المغربي من اجل تخفيف الضغط على اصدقاء الشعب الصحراوي في الاحزاب السياسية السويدية وداخل البرلمان السويدي. وعدم ترك المغرب يلعب وحيدا في المشهد السياسي السويدي، لان غياب الطرف الأخر كفيل بضمان الفوز للفريق الحاضر، هذا منطق في عالم الرياضة لكن كذلك ينطبق على السياسة. وفي حال نجاح الرباط في معركة ستوكهولم فلن تتردد مستقبلا في استخدام دبلوماسية اللحظات الاخيرة في اجهاض اي محاولة للاعتراف بالدولة الصحراوية خاصة في بلدان شمال القارة الاوروبية.

بقلم : سعيد زروال.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *