-->

البوليساريو والثالوث القاتل

لم يعد الوضع الحالي الذي اصبح على جرف هار يحتمل تأجيل تقويمه ،بل اصبح من
الضروري البحث عن طريق الخلاص الوطني الجامع وفق استراتيجيات جديدة تعلي الحق وتصون المكاسب وتقوي معركتنا مع العدو المغربي الذي اعتاد المغامرة الغير محسوبة العواقب،وهو ما يفرض علينا جميعا ونحن على أبواب المِؤتمر الرابع عشر بالرغم من رسائل الخيبات الاولى والمؤامرات والدسائس، اتخاذ مسارات جدية وشجاعة على كل المستويات ،فلا يمكن استشراف ووضع برامج وخطط وتصور الحلول قبل ان نفهم تركيبة المشهد السياسي الحالي ومدى تأثيره على واقع القضية دوليا ومحليا.
اليوم وبعد أربعة عقود من الزمن وفي ذكرى الرشد تنكشف أوجه الأقطاب الثلاثة الرئيسية المسيطرة على المشهد وعصب الحياة السياسية في “الرابوني” سيدة التحكم والتفرد بالبوليساريو كحركة بعد اغتصابها للمشروع الوطني الجامع والممثل لحلم الشعب ووحدته وتماسكه ،دون حسيب او رقيب ،وتفننت في ممارسة المنطق الفرعوني القائل لا اريكم الا ما ارى ،من ليس معنا فهو ضدنا ،و هو ما عجل برحيل البعض مكرها او الاختيار بين بزوغ نور في اخر النفق المظلم او تدخل القدرة الإلهية لتقف الى جانب الحق وتخلص القوم من الثالوث القاتل عزاءهم الوحيد الحتمية البيولوجية. وبالعودة في عجالة الى الأقطاب ،نحاول التعرف على الثالوث العجيب المكون لحالة الاستثناء في ما عرف من دول وحركات وأحزاب ،التي أوصلت وأفضت بنا الى هذا الواقع والمستنقع السحيق ،وسيكولوجية عناصره الاساسية المهيمنة وابرز زعماته المحددة لطبيعة عمله.
القطب الاول: وهو الاقوى الممثل في الوزارة الاولى وما تمثله من مكون اجتماعي وما حققته من شراء الذمم واستغلال المال والنفوذ في اتساع رقعتها وزيادة تحكمها اكثر عبر اختراق كافة الجهات لأحكام قبضتها وتغطية الفشل الحكومي في ادارة الكثير من الأزمات ناهيك عن البرامج التي لا تعدو حبراً على ورق ،معتمدة في تسللها كحال الأخطبوط على ضفادع بشرية تقمصت صفة الإطار والقائد تحت سيطرة خبث نورسية النخبة والولاء الأعمى لمن يدفع اكثر، واهمين صاحب المعبد انهم يمتلكون مفاتيح خيوط اللعبة وانه اصبح الحاكم الابرز والمحرك لدمى العرائس في المشهد الداخلي، لكن الواقع اليوم يظهر ان الحاكم المغرور كلما ظن انه تحكم في رقاب الاغلبية كلما شاهدنا العكس، ففلسفة الإقصاء المتعمد بمنطق اما معنا او ضدنا في هذا المشهد البائس قد تقلب السحر على الساحر ،لان الاكيد انه لم يخترق بعد الاغلبية الصامتة و التي تربت في مجال اخرا من الاستقلالية والكرامة وانتهجت خطا سياسيا يميل الى تعاليم الثورة المجيدة رغم أمواج التناقض المتلاطمة والسيوف المسلولة بين رفاق الأمس غير ابهين بمستقبل الأجيال وعواقب العبث الوخيمة.
القطب الثاني: الذي لا يقل قوة عن الاول بحكم عدة عوامل تجعله في المقدمة الاخرى بفضل عمقه الاجتماعي واشتمال وتحكم قيادته على مجموعة من القيم واللاعبين في المشهد ،الا انه لم يستطع بعد ازاحة تلك الدمى الكرتونية ليجد مكاناً يقيه حر الواقع ويجنبه قفزات الضفادع المسيطرة ،في غياب الاحترافية والخوف من عواقب التنافس المحموم الذي قد يسكت قلب الثورة ،وهو ما مكن القطب الاول من تحين واستغلال الفرص والأحداث للقرصنة البخسة لتقوية وصفه وتغطية جوانب ضعفه ،فكان لابد ان يجد له المبرر ليمنحه زعامة القوم مرحليا وصانع التحالفات مع تلك المتناقضات الموجودة والمتفاعلة.
القطب الثالث: والممثل في قطب الرئاسة وما يدور في فلكها كل حسب غايته وسيكولوجيته وقاعدة دخوله للقطب الذي يتقن ازدواجية التحول بين الجنوبي والمعتدل والشمالي ،قاعدته البشرية القوية والممثلة في الأغلبية الساحقة هي الاكثر تواجد في كافة الساحات والجهات والتي تشكل عصى موسىى التي كان يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه وقد تتحول الى حية تسعى تصول وتجول لتفشل وتطفئ نيران الجمرة الخبيثة ،وتوقف هلع أرباب لعبة الأفعى التي لا تشبع ما لم تصطدم بذيلها ،مثلما حدث تماماً في الاحداث الاخيرة التي حاولت سحب البساط من تحت الزعيم وبمساعدة من رجاله في تجاوز واضح للخطوط الحمراء ، ولكن في اطار حرب الخلافة الطاحنة رغم صمتها بين الاقطاب دون ان يصل ذلك الى القطيعة ،والصراع المحتدم من اجل احتلال مساحات اكبر مع تأجيل مرحلة التصادم التى لا تخدم المشروع الوطني بالتأكيد ومجازفة يدفع ثمنها الاجيال الشابة.
وفي خضم تلك المعارك الهامشية والبحث عن المصالح لتمكين أوتاد الخيط “الممحوط” ، يبرز دور رحى النظام التاريخي المشلول في الثلاجة وانزوائه في خلوته مختارا التنحي الى ابراج المراقبة في انتظار رفع حاجز التغييب الممنهج ، رغم التسليم لهم من داخل الأقطاب بالقدرة على صنع التميز الخلاق ،وابتكار الحلول والخروج من عنق الزجاجة بسلام في أحلك الظروف والأزمات.
قد يتسأل البعض لماذا الحديث عن هذه الأقطاب؟ نعم لان فعلها اليوم اصبح حديث القاصي والداني وتداعيات الفعل بحكم التراكم بدأت تفوح رائحتها وتعيق سير المؤسسات وتمزق ام المكاسب ولعلى ابرز مظاهر رد الأغلبية الصامت على هذا الواقع العزوف الواضح عن الندوات السياسية الاخيرة الخاصة بالمؤتمر واستغل البعض حصان طروادة ليعيثوا في الارض فسادا امام أعين المناضلين والشرفاء من هذا الشعب الابي الصامد.
بقلم : حدي الكنتاوي

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *