-->

الجزائر مع القضية الصحراوية العادلة


بقلم: العياشي دعدوعة
في الثلاثي الثاني من شهر جويلية 1978 انعقد بالعاصمة السودانية، الخرطوم، المؤتمر الخامس عشر لمنظمة الوحدة الإفريقية.
وقد كان إذاك الرئيس السوداني، جعفر النميري، ورئيس غينيا، أحمد سيكوتوري، تحوم حولهما اتهامات جراء علاقات مشبوهة تربطهما بأمريكا وإسرائيل، مما يجعلهما ينحازان إلى صف الملك المغربي الحسن الثاني، رحمه الله، فيما يتعلق بالقضية الصحراوية، الملك الذي اعتبر الإطاحة بالرئيس الموريتاني المختار ولد داده في التاسع من شهر جويلية 1978، أخبارا سيئة، وأحداثا بالغة الخطورة.
وما إن فاحت رائحة التآمر والتواطؤ بين النميري، وسيكوتوري المسير للجلسة، والملك الحسن الثاني على القضية الصحراوية، صدح بومدين، رحمه الله، في كلمته برأي الجزائر تجاه القضية الصحراوية، وكان شجاعا وصادما ومحيّرا للحاضرين، معلنا أمام الملأ أن قضية الصحراء الغربية قضية سياسية، ويجب أن تحل سياسيا، طالبا من المؤتمر أن لا يتجاهل مبادرة البوليزاريو، بل يجب أن يستجيب لها والأطراف المعنية، حتى يعود السلم إلى ربوع المنطقة، وإلا يحال ملف القضية إلى منظمات دولية أخرى، وأردف، والجزائر ستواصل دعمها لكفاح الشعب الصحراوي، ولن نخون التزاماتنا، محذرا من أي تفكير يسيء إلى الجزائر.
فمثل هذا الكلام ما كان إلا كلاما أمميا يعترف بالشرعية الدولية، ويدعم نفاذ مبادئها ومقاصدها في أرض القواعد من خلال التزام الأطراف باحترام بنود المعاهدات والصكوك والبروتوكولات والإعلانات التي صدقت عليها.
لذلك فدعم الجزائر للكفاح العادل للشعب الصحراوي الهادف إلى تقرير المصير ونيل الاستقلال وتسيير خيرات بلاده من طرف السلطات الوطنية التي يخولها ذلك، جاء محترما للمواثيق الدولية ملزما لتطبيقها موافقا لمبادئ الجزائر الثابتة في نصرتها للشعوب المستعمرة المكافحة من أجل نيل استقلالها وحريتها، وبسط سيادتها على أوطانها، والتحكم بإرادة حرّة في ممتلكاتها، سواء ما كان منها على وجه الأرض وفي باطنها أو في أقاليمها البرية والجوية والبحرية.
وها هي الجزائر وعملا بالتزاماتها تجاه المواثيق الدولية التي صدّقت عليها الجزائر، وبناء على مبادئها الثابتة في مناصرة الشعوب المستعمرة، وانطلاقا من قيمها الراسخة التي تحترم الآخر في تظلمه، وتقف إلى جانب المظلوم فتنصره، بقيت على عهدها ووعدها منذ عملية السطو المغربي على الأراضي الصحراوية إلى يوم الناس هذا.
وها هي اليوم جبهة البوليزاريو تعقد مؤتمرها الرابع عشر الشهر الفائت، وهي تعتبر الجزائر الملجأ الثقة والحضن الدافئ والحصن الحصين والمدافع الأمين والداعم القوي لكفاح الشعب الصحراوي.
ذلك ما وجدته القضية الفلسطينية في الجزائر التي تعتبرها مثل جبل أحد، كلما ضاقت بها السبل ذرعا، واشتد عليها الحصار والتضييق على أنفاسها إلا ووجدت في الجزائر الصدر الرحب والمتنفس الأرحب لما يقارب السبعين عاما وإلى التمتع بحرية الاستقلال واسترجاع السيادة، والتصرف في ثرواتها ومواردها الطبيعية، ما يزكّي التصرف الجزائري وينوه به، وما يجعله تاج اعتزاز على رأسها ووسام شرف على اكتافها ونياشين فخر على صدرها، وهي حصيلة المواثيق الدولية المتفق عليها والتي تعطى:
1/ لكل شعب الحق في الوجود، لكل شعب حق مطلوب وثابت في تقرير مصيره، وله أن يحدد بحرية وضعه السياسي وأن يكفل تنميته الاقتصادية والاجتماعية على النحو الذي يختاره بمحض إرادته.
2/ للشعوب المستعمرة المقهورة الحق في أن تحرر نفسها من أغلال السيطرة واللجوء إلى كافة الوسائل التي يعترف بها المجتمع الدولي.
3/ لجميع الشعوب الحق في الحصول على المساعدات من الدول في هذا الميثاق في نضالها التحرري ضد السيطرة الأجنبية، سواء كانت سياسية أم اقتصادية أم ثقافية.
ذلك ما نصت عليه المادة 20 من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وكما جاء في مواد الجزئين الأولين لكل من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص باختصار على:
حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، والتصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية، وعلى الدول الأطراف في العهدين وفي غيرهما أن تعمل على تحقيق حق تقرير المصير، وأن تحترم هذا الحق، وفقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة.
وهي الشروط الدولية والمعايير الأممية التي يُخلُّ بها المغرب في ممارساته تجاه القضية الصحراوية والصحراويين، وتخل بها إسرائيل في ممارساتها تجاه القضية الفلسطينية والفلسطينيين، وذلك ما تقف الجزائر على إحلاله في الواقع الحي وتنفيذه على الأرض، اعترافا منها وتأييدا لما يصدر من مواثيق أممية وإقليمية وجهوية، كانت قد صدقت عليها.
وما استقبال الرئيس الصحراوي، السيد محمد عبد العزيز، من طرف رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، أخيرا، وإصدار بيان مشترك، يؤكد موقف الجزائر الثابت، وما تكريمه من طرف اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها إلا دليل قاطع وبرهان ساطع على موقف الجزائر الدائم تجاه القضايا العادلة في العالم، وفقا لمبادئ الأمم المتحدة وقراراتها وأهدافها في إحلال الأمن والسلم الدوليين في كافة أرجاء المعمورة.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *