-->

تذكرة عودة الى زمور...

بعد استحالة تصوير هذه العودة ضمن برنامج تذكرة عودة للقناة الفرنسية فرانس 24
قررت الكتابة عن عودة إمراة صحراوية تقطن بمخيمات للاجئين الصحراوبين قرب مدينة تيندوف الجزائرية الى مسقط راسها بالصحراء الغربية و بتحديد منطقة زمور شمالي شرق لإقليم .
ولدت اخديمة سيد احمد في ستينيات القرن الماضي بمنطقة زمور في الصحراء الغربية إبان الاستعمار الاسباني للاقليم عاشت سنوات طفولتها الاولى في حضن عائلتها الصحراوية المحافظة على الحدود الشمالية الشرقية للصحراء الغربية و المتاخمة للحدود الموريتانية و ذالك راجع الى اختباء والدها الذي يمتهن الصيد و يمتلك السلاح و هو ما جعله يقطن الخط الحدودي لتفادي دوريات الجيش الاسباني التي تمنع ذالك .
يزاول الاب سيد احمد والد اخديمة كباقي السكان هناك مهنة رعي الابل و المعز كما يمتهن مهنة الصيد التي تعطي لصاحبها في المجتمع الصحراوي انذاك قيمة و احترام كبيرين
توجه اثنان من اخوة اخديمة الى العمل في المدن الساحلية الصحراوية و التي انعشتها سلطات الاستعمار الاسباني في تلك الفترة في زمن كانت فيه اخديمة صغيرة جدأ ، بعد فترة عاد احد الاخوة و معه جهاز مذياع يتابع من خلاله تطورات الاحداث التي بدأت تتطور مع ظهور الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب و مطالبتها للاستعمار بمغادرة الصحراء الغربية،.
في تلك الايام تحصلت اخديمة على ارانب وحشية صغيرة تم العثور عليها في رحلة التنقل بين اودية و سهول زمور ، جهزت اخديمة سيد أحمد كوخ من الحجارة و الطين خصصته للعب مع الارانب الصغيرة و لكي تضمن سلامتها في وجه برد زمور القارس
و في إحدى تلك اليالي الشتوية تحت خيمة صحراوية اصيلة و بينما كانت أم اخديمة تحضر وجبة العشاء كان اخوها كعادته يستمع للمذياع ، وقف فجأة و نادى والدته و اخواته و عمته و اغلق المذياع ، بدا يتحدث ( عليكم جميعاً ب طي الخيم الليلة و التحضير للرحيل غداً في اولى ساعات الفجر )
ردت الوالدة ( لماذا الرحيل يا بني و نحن الذين لم نكمل الاسبوع في هذه المنزلة )
رد قائلا ( الغزو ادخل اجديرية يا والدتي و طياران المغرب بدا بالقصف و ما علينا فعله هو الرحيل من هنا و التوجه شرقاً هذا ما اتفق عليه الرجلي )
في ساعات الفجر الاولى استيقظت اخديمة سيد احمد و اخوها الصغير على رغاء الابل و هي تحمل العدة من امام خيمة اهلها فنهضت و لم تبالي بذالك و اخذت في البحث عن احد الارانب الصغار كانت قد فقدته يوم امس ، توجهت مجموعة من الجمال المحملة ببراميل صغيرة تسمى التنوة لجلب الماء من احد الابار القريبة و من سؤ الحظ ان إحدى البراميل الصغيرة هذه جديدة تم اقتنائها مؤخراً و يبرز لمعانها من بعيد عند ظهورها لشمس و ذالك ما وقع في ذالك اليوم المشؤوم عند عودة القافلة من عند البئر حيث تمت ملاحظتهم من طرف طائرة مغربية و تمت قنبلتهم على الحدود مع موريتانيا ، لم يصاب احد من الرجال لكن الجمال و ما تحمله اصبح كشيء كان تناثرت اشلا الجمال و اختلطت بما البراميل و نار طياران الغزات
سمع لفريك و هو الاسم الحساني لمجموعة خيم تقطن في نفس المكان صوت القنابل و هرولت النسوة بتجاه اشجار الواد للاختباء فيما واصلت اخديمة سيد احمد عملية بحثها عن احد الارانب المفقودة و في غفلة منها تبتعد شيئأ فشيئاً عن مكان الخيم ، وصل الوالد و الرجال بدون ماء و لا جمال ، ابتعد صوت الطائرة فيما لم يعرف اين ذهبت اخديمة ، بدا والدها في البحث عنها فيما بدأت النسوة في استكمال جمع كل المستلزمات للرحيل بتجاه إحدى التلال المجاورة للاختباء
عثر الاب على ابنته و هي تائهة في إحدى الاودية المجاورة تبحث عن الارنب الصغير ، اخذ بيدها و بدا في الجري بتجاه تمركز العائلة المذعورة و المرتبكة من هول الحادثة وصل المكان و بدا في اعطاء تعليماته ..... الجميع يتوجه نحوى التلة و الرجال يسوقون القطيع في وسط الواد و يتوجهون شرقاً و يبتعدون بعد الشيء عن التلة التي سيتوجه نحوها الاطفال و النساء ..... عند غروب الشمس سيتحرك افلان مع النساء و الاطفال على اثر القطعان فيما سأتوجه انا و افلانء الى لحفيرة و هي منطقة بها بئر تتواجد على الحدود الموريتانية الصحراوية لعلنا نجد من يساعدنا في الحصول وسائل جلب الماء و ستكون النقطة المحددة للقاء هي النقطة كذا و كذا ......
تحرك الجميع حسب تعليمات الوالد و رحلت اخديمة سيد احمد مع والدتها عن ذالك الوكر الذي ولدت فيه تاركتا ورائها اعز ما تملك ارانبها الصغار هذا كل ما يؤلمها ، غافلة هي حقا لا تعلم حينها بانها برحيلها بتهجيرها من ذالك الواد و تلك الربوع الطاهرة قد بدات تفقد الوطن .
واصل الجميع سيره منهم من ركب الابل و منهم من سار على الاقدام حتى وصل الجميع الى ارض الجزائر ، دخل الاب مراكز تدريب الحرس ( ميليشيا ) و توجه الاخوة الى جبهات القتال و دخلت اخديمة سيد احمد رغم صغر سنها من باب الثورة الواسع ، عملت ضمن اللجان الشعبية تزوجت فأنجبت لثورة ابناء و بنات و حملت على عاتقها مشعل الثورة و آمنت حق الايمان بحتمية النصر و الرجوع الى الاوطان ،
بعد اربعيين خريف قضتها اخديمة سيد احمد في مخيمات اللاجئين الصحراويين صامدة تثابر من اجل البقاء و من اجل مستقبل افضل لاجيال الوطن كتبت الاقدار بان تتوجه الى هذه الربوع الطاهرة من الوطن و المحررة و المدارة من طرف الجيش التحرير الشعبي الصحراوي البطل و المحكومة بقاونين الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية
كان ذالك في شهر يناير من سنة 2016 و بمناسبة حفل زفاف ابها الاكبر محمد لمين ،
كانت زمور حينها و كانها تعلم بقدوم اخديمة سيد احمد بعد اربعين سنة من الفراق خضراء تسلب عقول الناظرين صافية الهواء كعادتها جميلة السماء بقيومها طاهرة الارض بنبتاتها رائعة المناخ كطبيعتها ساحرة للانسان بتاريخها و ذكرياتها و مرابع صبى قضتها أجيال هنا و هناك ......
خرجت خديمة سيد احمد من خيمتها بمخيم اجريفية بولاية الداخلة 80كلم جنوب شرق مدينة تيندوف الجزائرية على متن سيارة لاندروفير رفقة أفراد من عائلتها للمشاركة في حفل زفاف ابنها المقرر انعقاده في منطقة زمور في المناطق المحررة من الصحراء الغربية ، توجهت القافلة التي ترافق اخديمة سيد احمد الى المجمع الاداري للشهيد الحافظ اين تتواجد مؤسسات الدولة الصحراوية لطلب ترخيص للخروخ من البوابة الغربية للحدود الجزائرية بتجاه الاقليم الصحراوية المحررة ، وصلت القافلة الى المجمع الاداري الشهيد الحافظ بوجمعة و تحصلت على ترخيص بطريقة او باخرى !!؟
توجهت القافلة من جديد نحوى الغرب و اجتازت الحواجز الامنية على الحدود لجزائرية الصحراوية و اقامت لليلتها في العراء على الحدود بين الجزائر و الصحراء الغربية ، قدم العريس اي ابن اخديمة الذي ترافق لمرافقيه خروف لتحضير مأدبة عشاء صحراوية في دفئ اشجار إحدى اودية الحدود ،
عند الصباح الباكر و على صوت هبوب برد الساحلية و قبيل شروق شمس يوم الميعاد مع زمور تناول الجميع كؤوس الشاي الصحراوية بنوعيها الاحمر و الابيض ( الشاي الابيض يحضره الصحراويون بالحليب في فترة الشتاء لتدفئة) ، اشتغلت محركات سيارات الاندروفير و ركب الجميع و بدات القافلة في سيرها نحوى زمور و ما هي الا دقائق حتى بدأت معالم الارض المسلوبة تبرز لزوار ، هنا مررنا و هنا نزلنا و هنا دفنت شهيد و هنا تمركزنا و هنا و هنا و هنا .....هكذا يحدث اخديمة سيد احمد احد اقاربها يرافقها في الرحلة عمل مقاتلا في صفوف جيش التحرير في سنوات الحرب....
تستمع اخديمة سيد احمد لحديث ابن عمها و هي التي سمعت من قصص المقاتلين ما لم تسمعه الاذان، و لكن لم تمل من تلك القصص و الاحاديث التي تذكرها ب ريعان شبابها حين كانت تعمل في صفوف اللجان الشعبية و حين كانت تجمع تلك القصص و البطولات لتشحن بها خطاب و همم الجماهير ....
واصلت القافلة سيرها غربأ و سلكت الطريق العابر من وسط بلدة بئر لحلو المحررة لتشاهد اخديمة سيد احمد حقيقة تطبيق سيادة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية على اراضيها المحررة، هناك أيضاً شاهدت تحرك لدوريات من الجيش التحرير الشعبي الصحراوي في المنطقة حيث لم تتمالك نفسها امام شعور الفخر الاعتزاز و موجة الفرح لتطلق العنان لزغاريدها و تلوح بعلامات النصر لدوريات الجيش ....
قضت القافلة ساعات للاستراحة بضواحي منطقة الوس لعجارم غرب منطقة بئر لحلو و جنوب شرق بلدة اتفاريتي المحررتين
لتنطلق في مساء ذالك اليوم الذي لن تنساه اخديمة سيد احمد بتجاه احد الاودية بضواحي اتفاريتي المحررة صوب عائلة اهل العروس ...
وصلت اخديمة سيد احمد مع ابنها محمد لمين و الوفد المرافق لهم الى وجهتم تحت زغاريد النسوة و امام فرح اطفال البوادي، ساعات قليلة كانت كافية لعقد قران الشباب و بداية انشطة حفل زفاف بوادي الصحراء الغربية التي تدوم في اجواء الاحتفالات ثلاثة ايام بلياليها ، ذُبحت الخرفان و نُحرت الإبل و سهر الشباب على انغام موسيقى البيظان و طقوس و تقاليد العرس البدوي الصحراوي المشحون بروح التحدي و التنافس بين أهل العريسين تحت ظل طقوس و تقاليد ترحل بالحاضرين إلى عمق أعماق الأصالة الصحراوية ...
فرحلة صباحية بإحدى الأودية على شرف العرسان و كسر صمت المنطقة الهادئة بصوت أجهزة الموسيقى و معالم الحاضر الزائر لربوع سكن على اضلعها سكون و صمت الطبيعة الخالي من مستلزمات التمدن و الحضر ،
كانت حينها اخديمة تائهة بين فرحة زواج الابن و حجها الى بلاد و ربوع تذكرها و تعني لها كل معاني الحياة ، تجولت بين اودية و اشجار المنطقة فتذوقت من نبتات الارض و ثمارها حتى لا تنسئ مذاق تلك النبتات التي تذوقتها و هي صبية تلعب عند منازل خيم اهلها هنا قبل حوالي 41 سنة خلت .
استيغظت باكرا لكي تعيش شروق شمس ارضها و هي تبزق من بين تلال و شجار طلح زمور ، سهرت الليالي لكي تشاهد القمر و النجوم تحاكي ربوع الوطن المظلم و تنفست هواء ارضها النقي فتذكرت تلك الايام التي كانت بالامس تحكي لابنائها ، عن طفولتها عن مرارة نزوحها عن بطش المستعمر و غدر الجيران ..... تهاوت من بين ألم الذكرى القاسي و موج فرح الحاضر المعاش ، صمتت تنفست بعمق و تركت دموعها تحكي بقية هذه الحظة التاريخية ......
بعد فترة دامت حوالي الشهر في منطقة زمور عادت اخديمة سيد أحمد إلى خيمتها و باقي أفراد عائلتها وعملها الثوري و شعبها المشرد في مخيمات اللاجئين الصحراويين قرب مدينة تيندوف الجزائرية لتواصل عملها النضالي من أجل الحصول على حقها الكامل و حق شعبها في الحرية و الاستقلال كباقي شعوب العالم.
تقول اخديمة سيد أحمد في مقابلة سابقة مع أصوات صحراوية... ( انا متأكدة بأن تضحيات هذا الشعب و دماء الشهداء لن تذهب سدا لانها تنير لنا الطريق و بأنه سيأتي اليوم الذي سنرجع فيه إلى أرضنا حرة مرفوعي الرؤوس رغم كيد الأعداء )
هذه القصة تمت كتابها من واقع عاشته المواطنة الصحراوية اخديمة سيد احمد بعد زيارتها لمنطقة زمور التي ولدت فيها و غادرتها عنوة رفقة عائلتها كمعظم شعب الصحراء الغربية الى الملاجئ في جنوب الجزائر منذ حوالى 41 سنة و منذ سنة 1991 و هم ينتظرون من الامم المتحدة تنظيم الاستفتاء الذي وعدتهم به لكي يرجعوا مرفوعي الراس الى وطنهم الصحراء الغربية.
بقلم اسلوت امحمدسيد أحمد
تقبلوا جميعا فائق الإحترام و التقدير....شكرا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *