-->

الشهيد الولي: زعيم أعطى للحرية ثمنها ولتقدم الصفوف معناه


ليس هناك ما هو أغلى من روح الإنسان.. وليس هناك ما هو أعظم من التضحية بتلك الروح، من أجل حرية الوطن وكرامة من يعيش عليه من مواطنين.. وليس هناك ما هو أجدر من الوفاء للشهداء الذين رسموا لنا طريقاً ما ضل سالكه يوماً، فحققوا في المقدر لهم من الأعمار و لو قصرت، مكاسب لعامة الشعب مكثث في الأرض، ستذكرها الأجيال وستكتبها الأقلام.
ومع أن الزمن يتباعد بنا بأيام اللجوء وليالي المنفى) 35سنة( منذ أن استشهد ابن الشعب البار ومفجر ثورته المجيدة، الشهيد الولي مصطفى السيد في يوم 9 يونيو من سنة 1976 وهو يقود طلائع جيشه، عنوان مفخرة الشعب الصحراوي، وهو لما يتجاوز بعد السابعة والعشرين من عمره )27 سنة( ولكل أجل كتاب، الا انه عرف كيف يختزل الزمن ويختصر المسافات، بنوعية الانجازات التي أظهرت أن الشعوب تصعد وترتقي على قدر هامات وقامات زعمائها، وعزم وارادة ابطالها، الذين نُقشت أسمائهم .. في القلوب.. وترسخت صورهم في العقول ..وحفظت كتب التاريخ أعمالهم.. أبطال الشعب الذين سخرتهم القدرة لخدمة الجماهير، كما قال شهيد الحرية والكرامة ذات يوم في تأبين فقيد الشعب وبطل انتفاضة 17 يونيو محمد سيد ابراهيم بصيري.
كلما حلت ذكرى يوم الشهداء، عادت معها أقوال الشهيد الولي التي لن يطالها النسيان، وخطاباته وتوجيهاته التي لا يتقادم عليها الزمن، وأفعاله التي ظلت وستبقى تنطق رجولة واقتدارا، بما أسسه مع رفاقه من أركان تُبنى بها الأوطان .. لتظل سيرتهم منارة تهتدي بها الأجيال، ويهيئ لها الرفاق من أمورهم رشداً. ويستخلصون منها مفردات الطهارة ، وآيات الخلود، وقيم حفظ العهود. رفاق الدرب الذين تابعنا عبر أمواج اذاعتنا الوطنية شهادات بعضهم عن معايشتهم للرجل، بعد مرور ثلاثة عقود على استشهاده )9 يونيو 2006( وكيف كانوا يفصلون الأحداث على مقاسهم الشخصي، ويروجون لبضاعتهم.. لكن الناس تميز بفطرتها بقراءة ما بين السطور. اضافة الى ان التاريخ لم يضيع حقا ولن يضيع حقيقة لأحد.. وقلب الحقائق، أمر مدان ومشين، لا يمحيه الزمن وإن طال، حتى (حج بيت الله) لا يمحيه ثم ان الزعامات التاريخية لا تستنسخ، ووعود من بقي في الدار)وعيب الدار على من بقي في الدار( بالسير على هدي الشهداء، ما فتئت تسقط وتتهاوى أمام امتحان الشعار والممارسة.. والمواقف فضّاحة، والموت الذي يطوي يوميا يجب أن يعظ كل عاقل بأن مآله إلي حفرة يلقى فيها فيطويه الثري، بكل ما كان معه من امكانيات، وأبهة وبروتوكول. لقد كانت صدمتنا في "القوم"- أو بعضهم - كبيرة، انبهرنا بهم، وبشعاراتهم. حقا ان أكثر ما يؤلم المرء هو صدمته في من اعتبرهم ولسنوات طويلة قدوةً ومثلاً يحتذى.. هنا قد يفيد أن يخلد الرفاق لذواتهم في خلوة يراجعون النفس فيها، محاولين تذكـّـر بدايات صلتهم بالشعب وكيف أصبحت الآن؟. للنظر فيما تحقـّـق مقابل ما كان مرجواً ؟.. 

اجتمعت في شخصية الشهيد الولي الثرية بالطاقات والمتعددة القدرات، سجايا جعلته قدوة في كل مجال يخوضه، أعد للتغيير عدته ... وقطع منه شوطه ومسافته..بدأه بالتوعية السياسية وما رافقها من نموذج ناجح في تأطير الجماهير، أينما تواجد المواطن الصحراوي " أهل اللثام لكحل"، اضافة الى سعيه المتواصل لتوحيد الصفوف، واستمالة من لم يطمئن قلبه بعد).. لئلا يكبر العدو حزمته بأي كان(. كان الشهيد الولي ابان الاعداد للثورة يتمنى على الشبان والشابات كتابة التاريخ وجمع التراث الوطني المحرض على الجهاد، وكان لا يبخل من حين لآخر بعديد "الكيفان" التي تتداولها الألسن، والأناشيد التي تنشدها الحناجر، وتحشد خلفها شعارات حرية الشعب الصحراوي واستقلاله.. هذا كان حلمه وأمله.. نذر شبابه من أجله واستشهد في سبيله.
وتحضرني مواقف لا يتسع المقام لذكرها، عن صدق عاطفة الرجل، رحمة الله عليه وعلى جميع شهداء شعبنا الأبرار، وكيف كان يؤثر رفاق دربه على نفسه، يشد من عزمهم، ويرفع من معنوياتهم داخل السجن )حبس ادارة الطنطان( . حين كان المخزن- قارد موبيل- يهددهم بالقائهم في البحر، ان لم يتراجعوا عن أمرهم ذاك. وان كنت أنسى، فلن أنسى وقع هذه الكلمات: أشهد أن لا اله الا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، عاشت الصحراء حرة مستقلة..أول ما نطق به الشهيد الولي وهو يستعيد وعيه من غيبوبة دخل فيها بفعل التعذيب "بأحبال القنب المبلله" التي غدت حمراء بعدما شربت من دمه و دم رفاقه. 
كان الشهيد الولي مثالا للقائد الناجح المسكون بحال وطنه، والزعيم الموحد، الذي يجذب ولا ينفر، صاحب العقل الواعي، والهمة العالية، لا يقبل الواقع المتردي، ولا يركن إلى الحال المتخلف، قويا في مبادئه، لايخشى في الحق لومة لاءم . لم يتحجج يوما بصعوبة الظروف -الواقع المرفوض- مهما اشتد ليل الشعب حلكة، وقد واجهته قضايا كبري بالغة التعقيد والدقة والحساسية..لكنه ظل في حركة مستمرة لا تكلّ من أجل التعامل مع كل جديد ومفيد، يملك رؤية مستقبلية واضحة المعالم في الداخل والخارج، تلك الصفات هي التي جعلت الجماهير تلتف حوله بالطوع والاختيار، في بيعة راضية مرضية لإنجاز مهام تحرير الوطن بالدم والحديد والنار. أحد الرفاق- مسؤول كبير- كان يتحجج بوجوب استكمال الدراسة ويعارض منطق الكفاح المسلح بحجة ان )البلومات تدوحس أيادي الطلبة(. الا ان حقائق التاريخ والكفاح أثبتت أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها، وتلك ضريبة دفع ثمنها من امتلكوا ارادة الاستشهاد وتسارعوا لنيلها شرفاً وكبرياء. ليعطوا للشهادة قداستها، ولتقدم الصفوف معناه، وللكرامة الوطنية ثمنها الغالي..
كان الشهيد الولي يدعو باستمرار اطارات المنظمة، رفاق دربه إلى الالتحام بالشعب، والتخفيف عن أوجاعه والتفاعل مع قضاياه، و ان حادوا عنها وجبت محاسبتهم، عبر هزهم وفضح سلوكاتهم )لقاء الأطر 1976 ( الرفاق الذين حملوا الأمانة، التي أعرضت عنها السماوات والأرض. فمنهم من "باع الماتش" وتولى الأدبار، يلاحقه في ذلك احتقار الجماهير ولعناتها.. ومنهم من يستغل مركزه التنفيذي ويتسابق على نهب ما تيسّر مما خف وزنه وغلى ثمنه، ذاهبا حيثما الثروة و"المسؤولية" والجاه )الصبع فالفم والا تنكلع الأم( تلاحقه في ذلك شماتة المواطنين وسخريتهم. ومنهم "أولي الأمر" الذين خارت قواهم، وضعفت مقاومتهم )كلمة كلمتين( واعترتهم الأوهام ، فبدأوا يهيمنون علي كل مناحي الحياة، يقاومون التغيير ويصادرون الحاضر، وعلى وشك أن يسدوا طريق المستقبل.. ولكن كذلك منهم أولو العزم ممن جعلتهم إرادة الله تعالى أحياء عنده يرزقون، وعند شعبهم يكرمون. أبطالاً عاشوا واقفين لا يتزحزحون، وماتوا شامخين كما يموت الرجال والأبطال. ومنهم كذلك من لازال على دينه القديم، مابدل ولا ينبغي له، مرابطا ويده على الزناد، يثبت للقاصي والداني كم هي طويلة اليد المسلحة للشعب الصحراوي الذي صنع المستحيل بعدده القليل، فدك مناطق بعيدة، وحول أخرى الى حقول رماية، تمرس فيها الرجال وتخرجت من ميادينها دفعات من الأجيال التي عشقت الشهادة وسارت على دربها.
ان مقتضيات الواجب والوفاء للعهد، تقتضي السير على هدي من تسابقوا من أبناء شعبنا لنيل شرف الشهادة، و تخليد مآثرهم من خلال البرامج الثقافية، والأعمال الإبداعية الأدبية، وكذا الأفلام السينمائية التي تبرز مكانتهم في وجداننا وتليق بمقامهم في تاريخنا. حتى يظلوا البوصلة الأولي في الحركة التي لم تنته بعد، ونجوما مضيئة، ومشرقة وباهرة في سماء الساقية والوادي.. 
المجد والخلود للشهداء والموت والهزيمة للأعداء
بقلم: محمد لبات مصطفى ـ المقال تم نشره سنة 2005 نعيد نشره بمناسبة الذكرى الاربعين لرحيل الشهيد الولي مصطفى السيد

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *