-->

الأيادي الخفية وتصفية العلماء العرب


رغم أن ظاهرة استهداف العلماء والمختصين العرب ليست جديدة إذا تضرب في أطناب التاريخ الحديث وبالتحديد في أربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن المنصرم عندما أقدمت المخابرات الغربية والصهيونية علي اغتيال وتصفية علماء وعقول عربية نبغت في تخصصات مهمة وحيوية كانت حكرا علي العقل الغربي الاستعماري ,الذي عمل علي تجهيل دول الشرق العربي وسلبها مقومات النهضة الفكرية والحضارية والعلمية العسكرية وتم استهداف علماء نوابغ كالدكتور يحي المشد أو الدكتور مصطفي مشرفة الذي كان المساعد الشخصي لألبرت اينشتاين وساعده علي اكتشاف النظرية النسبية أو الدكتور سعيد البد ير الذي حصل علي المركز الثالث عالميا من بين 13عالم في هندسة الصواريخ الميكانيكية الخاصة وحادثة رميه من طابق العمارة في مدينة الإسكندرية عندما ذهب لزيارة احد أقاربه هناك مشهورة وموثقة تاريخيا لأنه وغيره من علماء الصواريخ وتقنيات الأسلحة المتطورة الحديثة رفضوا الانخراط في مشاريع بحثية لدول كبري علي رأسها أمريكا وفرنسا وحتى إسرائيل ,لان هذه العقول الفذة كانت ستكون النواة الصلبة لمشروع نووي عربي وحدوي كان إن تم سيغير خارطة التوازنات العسكرية العالمية ويعيد صياغة مراكز القوي الصلبة فيه إلي الأبد ولكن الإرادة الامبريالية الغربية وعمالة بعض الأنظمة العربية التي يرعاها ويدعمها الغرب إلي ألان حالت دون ذلك
فإفشال المشاريع التسلحية النووية العربية والذي بدا باغتيال عالمة الذرة والباحثة النووية الدكتورة سميرة موسي في ولاية كاليفورنيا عندما تلقت دعوة لزيارة احد المفاعلات النووية هناك لتكسف التحقيقات فيما بعد أن إدارة المفاعل لم تتصل بها ولم تدعها لزيارته أصلا,لتكشف ريتا ديفيد توماس حفيدة راشيل ليفي أبراهام العميلة اليهودية المصرية والتي اختير لها اسم بديل رقية إبراهيم حتى لا تلفت الأنظار إليها أثناء نشاطها داخل مصر وغطاءه كان ممثلة سينما وصديقة مقربة من الدكتورة سميرة موسي التي لم تكن تعلم مدي عمق ارتباط صديقتها رقية بجهاز الموساد الإسرائيلي ,وانه كلفها باستضافتها في أمريكا أين عرضت عليها بتوجيهات من إسرائيل قبول الجنسية الأمريكية وان تعمل في مراكزها العلمية ولكن إصرار الدكتورة سميرة موسي علي العودة إلي مصر من اجل الاستقرار أثار شكوكا ومخاوف لدي هؤلاء من أن عودتها ستؤدي إلي بناء برنامج نووي عسكري مصري وهذا ما تخشاها دولة الاحتلال الصهيوني بشدة.
ولم يقتصر الأمر علي تلك الفترة التاريخية التي شهدت نشوب الحرب الباردة ودخول الجيوش العربية في حروب مع إسرائيل وتسابق تسلح عالمي ,ولكن حتى بعد انتهاء هذه الحروب وتوقيع اتفاقيات سلام مع دول عربية تعتبرها إسرائيل عدوة وعلي رأسها مصر والأردن وجنوح السوريين نحو السلم وان ضمنيا وعدم شنهم حربا إقليمية من اجل استعادة هضبة الجولان المحتلة منذ سنة1967,ولكن هذه الفكرة والسياسة الأمريكية الصهيونية طفت للسطح وعادت من جديد إلي واجهة الأحداث لتطرح تساؤلات مهمة وخطيرة عن مدي التواطؤ الرسمي العربي مع هذه القوي التدميرية الاستعمارية فبمجرد دخول القوات الأمريكية الغازية إلي قلب العاصمة بغداد والإطاحة بنظام البعث حتى بدا العلماء العراقيون يفقدون حياتهم الواحد تلوي الأخر وخاصة في مجالات الذرة والصواريخ وكذا الأطباء والعاملين في البرنامج النووي العراقي سابقا,وحسب ما أوردته صحيفة الأخبار اللبنانية نقلا عن تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية في تلك الفترة كشفت فيه بان أمريكا بالتنسيق والتعاون مع جهاز الموساد الإسرائيلي اغتالت حوالي 530عالما و200مختص في جميع التخصصات الاخري,وان الخزانة الأمريكية خصصت أزيد من 25مليون دولار أمريكي من اجل تأهيل 5500عالم عراقي منذ الغزو الأمريكي للعراق سنة2003,ومن لم يستجيب يقتل علي الفور,وفي دراسة للأستاذ إسماعيل خليلي تحت عنوان محنة العلماء في العراق قدمه إلي مؤتمر مدريد الدولي وكشف فيه بان الموساد يقف وراء اغتيال وتصفية أزيد من 307من العلماء والأطباء والمتخصصين العراقيين وذلك حتى شهر نيسان 2006
وهذه الأرقام تقريبية فقط إذ أن هناك من العلماء العراقيين من فقد منذ سنوات ولم يظهر له اثر إلي اليوم,وفي تقديرات لمراكز بحثية عراقية فان عدد العلماء العراقيين الذين اختفوا منذ سبعينات القرن الماضي تجاوز10الاف عالم في جميع الشعب والتخصصات العلمية والنووية والكيميائية وأيادي الغرب الخفية وبصماتها واضحة لا لبس فيها في اختفاءهم كما يؤكد عدد كبير من الباحثين العراقيين والعرب,ولم يقتصر الأمر ليقف عند حدود بلاد الرافدين إذ أن سوريا لم تسلم من تلك الأيادي الغادرة والحاقدة فقامت وحدة من فرق الكومندوس الإسرائيلية التابعة لسلاح البحرية الصهيونية باغتيال العميد السوري محمد سليمان في طرطوس سنة2008وهذا حسب وثيقة سربها ادوارد سنودن العميل السابق في وكالة الأمن القومي الفدرالي الأمريكي واغتالت إسرائيل أيضا الدكتور محمد إبراهيم مدير التخطيط في مركز الدراسات والبحوث العلمية في دمشق ,كل هذه الاغتيالات والتصفيات للعقول السورية الفذة تمت قبل أحداث ثورات الربيع العبري التي جلبت الدمار والخراب لدولنا العربية وجعلتها مكشوفة ومستباحة في وجه أجهزة الاستخبارات العالمية فقد قام جهاز الموساد بعد اندلاع الثورة السورية التي هي مؤامرة علي الدولة بكل المقاييس باغتيال علماء وعقول عدة في عاصمة الأمويين نذكر علي سبيل المثال لا الحصر منهم المخترع السوري عيسي عبود في حمص والذي يلقب بأصغر مخترع في العالم,والمهندس السوري اوس عبد الكريم ,واغتالت أيادي الإجرام الصهيوني الدكتور سمير فتة المتخصص في هندسة الطيران وقامت بالتنكيل بجثته في حلب,والعلامة الدكتور نجيب زغيب العالم في مجال صناعة الصواريخ والذي باركت صحيفة هارتس للمعارضة السورية عملية تصفيته الناجحة,ليس هذا فقط بل حتى العلماء العراقيين والذين قصدوا سوريا طلبا للأمن واللجوء بعد انهيار الدولة العراقية المدوي بكل ما تحمله من ثقل ووزن حضاري وفكري وعلمي ومنهم الدكتور نور الدين كريلي والذي يعد احد ابرز العقول العربية في مجال التكنولوجيا النووية وتم استهدافه مباشرة بعد الغزو الأمريكي سنة2003للعراق.
كل هذه الاغتيالات التي تمت والتي تعكس حقيقة واحدة وأكيدة هو مدي الرعب الصهيوني من البرامج النووية العربية وهو خوف تاريخي قوامه علماء الذرة وتقنيات الأسلحة النووية التي استطاع العرب أن يبرزوا فيها عالميا ,فأي دولة تحس إسرائيل بأنها تمتلك برنامجا نوويا حتى ولو كان للأغراض السلمية تسارع إلي التوجس منه خيفة والادعاء في الإعلام المحلي والغربي بان برنامج نووي ذو أغراض عسكرية وتقيم الدنيا ولا تقعدها ضد تلك الدول وتمارس ضغوط دولية عن طريق حليفها القوي والدولة الضامنة لوجودها واستمراريتها في المنطقة وهي الولايات المتحدة الأمريكية وتسعي بشتى الطرق والوسائل الدبلوماسية تارة والعسكرية تارة من اجل الضغط عليها لتقوم بالتخلي عنها أو توقيع اتفاقيات عدم انتشار الأسلحة النووية وهي الاتفاقية التي تتهرب إسرائيل من توقيعها لحد ألان إذ تشير تقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها تمتلك أزيد من 200راس نووي, فالجميع يذكر ماذا فعلته تل أبيب من اجل إقناع مجلس الأمن بان يدين ليبيا ألقذافي وإجبارها علي تفكيك برنامجها النووي الذي كان للأغراض السلمية وإلا كان سيتعرض للغزو من طرف الحلف الأطلسي وكانت اتفاقية لوزان سنة2004التي أعلن فيها الوفد الليبي عن تخلي بلاده عن برنامجها النووي وفقدان نظام ألقذافي بالتالي لأي ورقة ضغط علي المجتمع الدولي هي ورقة التوت الأخيرة التي سقطت عن جسد نظامه القمعي والذي خدم الغرب لأزيد من 35 سنة .
وكانت النتيجة أن دعمت دوله عملية الإطاحة به وإعدامه في بنغازي أمام عدسات كاميرات الإعلام العالمي عن طريق مرتزقة المعارضة التي دعمتها ومولتها عواصم تلك الدول ووفرت لها الغطاء للعمل والحركة داخل الأراضي الليبية دون حسيب أو رقيب,ونفس الأمر ينطبق علي الجزائر والتي كانت من اشد الدول العربية التي رفضت التوقيع علي بنود هذه الاتفاقية ولكنها أجبرت علي التوقيع عليها في تسعينيات القرن الماضي تحت وطأة ضربات الإرهاب الذي عصف بمقدرات الدولة المالية والاقتصادية وادخلها في أتون حرب أهلية استمرت 10 سنوات فيما يعرف بعشرية الدم السوداء وكان توقيعها علي تلك الاتفاقية علي مضض أهم أسباب توقيف الإرهاب ضد الدولة والمجتمع الجزائري وجميع التقارير الاستخباراتية والإعلامية تأكد بان ما حدث في البلاد في تلك الفترة كان بعلم وتخطيط فرنسي أمريكي صهيوني ,وبالمحصلة النهائية وبالاستقرار والشواهد التاريخية نقرا في ما بين السطور ,بان إسرائيل والدول الاستعمارية لا تريد تغير في موازين القوي الإستراتيجية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط فكل شيء مباح وفي المقدمة منع أي تقدم عربي في مجال علوم الذرة والطاقة النووية وسياسة الترغيب والترهيب لهؤلاء في النهاية هي التي ستحدد مصيرهم المستقبلي في ظل توترات عالمية غيرت الكثير من مفاهيم الصراع وأسسه بين العرب وإسرائيل.
عميرة أيسر-كاتب جزائري

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *