-->

ابداعات صحراوية في ادب السجون


عندما كنت أتابع و بشغف محاضرات الأيام الاشعاعية التي نظمتها "الجمعية الصحراوية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان المرتكبة من طرف الدولة المغربية" ASVDH بالعيون المحتلة أيام 10-11-12 أكتوبر الجاري.
توقفت و بكثير من التأمل و الدهشة و الإنصات امام الامسية الأخيرة التي سلطت الضوء على أدب السجون.
حيث يقول السجين و المختطف الصحراوي السابق الأستاذ محمد بو خالد وهو يعدد العوامل التي تؤثر في أدب السجون " أدب السجون اثرت في مجموعة من العوامل النفسية كالشعور بالغضب و الرغبة في التوثيق و التعبير عن الغضب و الرفض و عن عامل التجربة الذاتية فهو يتميز بصدق العاطفة و بالتركيز على وحدة الفكرة" و يضيف مسترسلا في شرح الموضوع منبها لأهميته مذكرا بأهم اعلامه حين يقول " و قد كتب فيه نوابغ عالميون امثال فيكتور هيكو و دوسطوفسكي و الكساندري ديماس"
ان هذا الأدب من فنون الأدب العالمي خلد أعمالأ أدبية رائعة قادمة من السجون و ترسم المعاناة و تعكس احاسيس السجنا و عندما نتأمل هذه العبارة " أدب السجون" فإنها عبارة متناقضة تحمل بين ثُنياتها أدب كُتب بحروف من صمود و حِبر من جَلَد و قِرطاس من امل يجسده السجين بين ايدي الجلاد هذا الأخير الذي لا يفقه الا كيف يسلط سوطه و لا يدري ان سياطه تحول الألم إلى ابداع.
في قلاع الظلام اكدز و مكونة و القنيطرة و غيرها نسج المختطفون و السجناء و المختفون الصحراويون ابداعات غاب منها الكثير و تابعنا منهأ القليل هؤلاء المبدعين الذين حولوا أوقات التأمل و الوحدانية بين جدران الزنازين إلى ابداعات ثمينة من أروعها بيت في الشعر الحساني كما يقول عالي أبو جلال الفه الشهيد عبد الرحمان ولد لمَحد سنة 1977 انظمه بين جدران زنزانته و أراد صاحبه الخلود لهذا الشعب حيث يعكس حالته النفسية و حرصه على البحث عن خبر الشعب و أحواله لأنه دخل إلى السجن و ترك ورائه قضية وشعب حين يقول: 
فلحبس و فالموت قهرا 
واحزن منذ يا خليلو 
قلة مريا خبر الصحرا
واخبار الشعب اشطاريلو
هذه الابداعات لا تقدر بقيمة مادية لأنها انسجت في اثمن الأوقات حيث تنوعت في مختلف ميادين الأدب مما زاد قيمتها من قصائد شعرية عربية و حسانية و روايات طويلة و قصص قصيرة و مسرحيات سياسية و كوميدية.
رغم الظلام و البؤس فقد كانت خشبات المسرح هناك بين الزنازين ممتلئة بالابداع و حتى الجمهور الذي هو نفسه الممثلين و النقاد و المخرجين لم يغيب عن مواعيد العرض الشيقة، فقد جسدت مسرحية "الجمهورية" الشعرية الغنائية اروع تلك الابداعات حيث يروي محمد أبو خالد سيناريو متكامل لمسرحية شعرية ابداعية بيت القصيد فيها هو إعلان الجمهورية و بيتها الشعري هو : 
جيت داير لغن يغير 
حد يعرف شروط الهول
ما يجيه معلك في الدير 
نص لسم و نصو مجهول 
تتابع المسرحية التي تدور مشاهدها وقائدها حول إعلان الدولة الصحراوية و اسمها الرسمي الجمهورية العربية الصحراوية بين خمس ممثلين أنهكهم السجن و رفعت المسرحية من معنوياتهم و لا يتسع المقام لسرد المسرحية الشعرية كاملة.
و هناك كتاب قيد الطبع كان للاخ المناضل عالي بوجلال دور مهم الى جانب العديد من الاساتذة الصحراويين في تدوين الاحداث و الوقائع التاريخية المتعلقة بسجون الاحتلال المغربي 
و هنا تجدر الاشارة إلى انه تم تدوين هذه المحطات على شكل كتاب متعدد الاجزاء للاخ المناضل عالي بوجلال لكنه يواجه صعوبات متعلقة بالنشر، هذه المبادرة النضالية الادبية يتحدث فيهأ عن هذا العمل الوطني الثقافي.
كانت القصائد الصماء عناوين لمراحل تاريخية مر بها ذلك السجين أو مرت بها قضيته رغم انه لا يدري ما يجري خارج جدران زنزانته.
و رغم ذلك استوحى الأفكار و الأنباء من معاملات السجان, فإذا اشتد العذاب و سلطت السياط على الضحية يدرك الجميع ان هناك انتصار في الجبهة حققه المقاتل الصحراوي أو حصدته القضية.
بعدها يخلو السجين بنفسه و يبدع بحروف من صمت في جماليات الفنون و يصبر على ما اصابه و يعتصر افكاره و من ذلك كله يكتب القصائد و ينشد الاغاني و يرسم الروايات و يكتب المسرحيات و يتفنن في الابداع.
من هنا أرى انه لابد من الوقوف على هذه الذاكرة و تسجيلها و حفظها من الضياع و هذه مسؤولية الجميع بدءا من وزارة الثقافة الى المثقفين و الكتاب و الاعلاميين و حتى الضحايا أنفسهم عليهم بمد كل من يرغب في تسجيل الذاكرة و الحفاظ على تلك الكنوز الثمينة التي يجب ان لا تضيع في طي الكتمان و الاهمال .
و ننصح بتنفيذ ذلك في أسرع وقت ممكن و بذلك نحفظ ذاكرة جماعية لشعب لا زال يناشد الحرية و الاستقلال و التي ستبقى منقوشة في تاريخنا المجيد نتوارثها أجيالا عن أجيال.
بقلم: بلاهي ولد عثمان

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *