-->

هل استفاق الموريتانيون أخيرا؟


على مدى عقود طويلة ظل الموريتانيون مرتبكون في تعاملهم السياسي مع المغرب، ولم يعرفوا كيف يتصرفون معه ومع أطماعه التي لا حدود لها، والتي تصل في جشعها إلى ابتلاعهم مستقبليا. فمباشرة بعد استقلال موريتانيا بدأ الموريتانيون يتساءلون كيف يجب التصرف مع المغرب ومع أطماعه، خاصة أنه رفض أن يعترف بدولتهم، وفي مرحلة التساؤول هذه الطويلة انقسموا إلى قسمين: قسم يريد التشدد وقطع العلاقات مع المغرب حتى يعترف بهم وبحدودهم وينهي أطماعه بأرضهم نهائيا، وقسم سيطرت عليه ثقافة وسياسة الموريتاني المتأصلة في دمه وهي التعامل بالتعقل وبالسياسة مع الجميع بما في ذلك المغرب. في الحقيقة انتصرت ثقافة التعامل مع المغرب بالسياسة بدل التشدد، وهو ما فهمه المغرب، خطأ، أنه ضعف من من موريتانيا، وأن موريتانيا تعترف أنها دولة فاشلة ويجب الأنقضاض عليها. وزاد من جسارة المغرب أتجاه موريتانيا هجرة بعض الانتهازيين الموريتانيين مثل الدي ولد سيدي بابا وولد بابانا وولد باه وولد عمير سنة 1958م إلى المغرب وأعترافهم للمغرب أن دولتهم " فاشلة". وحتى يقضي المغرب على البقية الباقية من المقاومة الموريتانية استطاع الحسن الثاني، بالتخويف وابالتهديد، أن يمسك بأذن وأنف المختار ولد داداه ويجعله تحت أمره، وحتى المختار نفسه، في زمن ما، أصبح يتصور أنه ليس رئيس دولة إنما عامل مغربي على مقاطعة اسمها موريتانيا. وحتى يجعل الحسن الثاني موريتانيا تعتقد أنها مجرد ولاية أو عمالة مغربية ويجعل المختار ولد داداه يعتقد أنه مجرد عامل، قام بفصله، سياسيا، عن الجزائر وجره، تحت التهديد والتخويف، إلى مغامرة حرب الصحراء الغربية الخاسرة التي انتهت النهاية التي نعرف جميعا. 
حتى بعد فترة حكم ولد داداه بقيت موريتانيا مرتبكة لا تعرف كيف تتصرف، وحاولت أن تخترع سياسة غير واقعية سمتها "سياسة الحياد" في قضية الصحراء الغربية، وهي القضية التي يعرف الموريتانيون، قبل أي أحد غيرهم، أنها قضية لا تقبل الحياد فيها. خلال هذه السنوات لم يتوقف المغرب عن تهديد موريتانيا ولم يتوقف عن المطالبة بها كعمالة موريتانية، وكان دائما يهدها قائلا: " حين انتهي من قضية الصحراء ستعرفون من هو المغرب." على مستوى دبلوماسي بقى المخزن يحتقر الرؤساء الموريتانيين ويبالغ في العجرفة عليهم والنظر إليهم من فوق نظاراته. بعض الرؤوساء الموريانيين، أيضا، قبلوا بسياسة الأمر الواقع وبقوا يتحاشون الصدام السياسي مع المغرب، ولم يردوا في اي يوم من الأيام على تهديداته ولا على تصريحات مسؤوليه العلنية.
الآن، وخلال فترة الرئيس الحالي ولد عبد العزيز، الذي ينتمي إلى قسم الموريتانيين الذين يريدون التعامل بحزم مع المغرب، يبدو أنه هو الوحيد الذي فهم أن المغرب لا يصلح معه اللين ولا السياسة ولا الحياد، وانه يجب الحزم معه في كل كبيرة وصغيرة. سياسة ولد عبد العزيز الحالية في تعامله القوي مع المغرب يريد منها ان يجعل الموريتانيين يفهموا أنه عليهم أن يستفيقوا من سياسة الحياد التي كانوا ينتهجونها مع المغرب ويعاملونه بقوة وإلا سيظل يطمع فيهم ويهددهم. تعامل موريتانيا الحالي مع المغرب يجعل الشعب المويتاني يفتح عينيه على حقيقة وهي أن تهديدات المغرب ما هي إلا كلام فارغ أجوف، وأن المغرب لن يستطيع في أي يوم من الأيام غزو موريتانيا.
هذه أول مرة ترد فيها موريتانيا رد دولة قويا على المغرب، وهو الرد الذي نتج عنه تحقيق الشعب الموريتاني ودولته لنصر سياسي استراتيجي كبيرا على المخزن المغربي، وهو ما يجعل موريتانيا مستقبلا تتحرر من عقدة الخوف من المغرب ومن تهديداته، وتضعه في حجمه الحقيقي. 
السيد حمدي يحظيه

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *