-->

ملحمة النصر قرب قصر العبيد ...


بقلم : مبارك الفهيمي
"سميرة "خرجت مبكرا من كوخها الكائن بمدن الصفيح , متجهة صوب المحكمة." محماد " يربط خيوط حذائه بشكل محكم ويضع سلاحه الأبيض تحت سترته السوداء سواد الواقع . شيخ الحي يتنقل بين المنازل الفقيرة لمدينة سلا ليقدم الوعود للسكان بأنه سيرفع من نسبة المؤنة والزيت والسكر والغذاء أمام المحكمة على حساب الحكومة . "وليد" السمين وأصدقائه تركوا عملهم الشاق في البناء وحمل أكياس الرمال على ظهورهم مقابل الحضور للمحاكمة وترديد شعار واحد "صحراوا الخونة" باللهجة المغربية أمام المحكمة الإبتدائية بمدينة سلا , كيف يرفضون ؟ و" النهار طالع ب 200 درهم " و الغذاء على حساب الدولة , إذن فهي فرصة لا يضيعها سوى "الشبعان" كما يقول" شعيبا "بائع السجائر الجالس أمام الكاريان . إنها فرصة ل "سميرة" التي تشتغل في بيت دعارة لتحقق تقربها من السلطة لعلها تحمي نفسها من المتابعة القانونية ,كما أنها مناسبة ل "محماد" لكي يعلن أنه رغم الجرائم التي ارتكبها في حق زوجته و أطفاله إلا أنه مخلص للملك وشيخ الحي . أما "وليد "المشحم السمين فهو يبحث عن مثل هذه المناسبات ليفوز بقطعة خبز وعلبة سجائر , رغم أنه قدم نفسه أمام المحكمة في مكبرات الصوت أنه جزائري ومع "مغربية الصحراء" لاستفزاز الصحراويين , قبل أن يقدم نفسه بعد ذلك في نفس المكبرات الصوتية التي تسمع من بعيد أنه من الدار البيضاء أو "البيضاوي "كما يعرف هنا , كل هذا التشويش عند "وليد" وأمثاله مجرد مناسبة لكسب بعض الأوراق النقدية وينتهي الأمر .في حي هادئ "ديدا ولد اليزيد "يرفع حماس الحاضرين بشعاراته الثورية أمام منزل إحدى عائلات معتقلي كديم إزيك , كل دقيقة ينزاد التجمع بفرد أو إثنين من مختلف الإطارات الثورية النضالية من محاميد الغزلان إلى الداخلة المحتلة , فقد توحدت المعركة في ملحمة النصرة لمعتقلين اعتقلوا من أجلنا , فكيف يبخل عليهم الصحراوي بالوقت أو الجهد أو المال . الامطار تتهاطل بشكل كثيف في اليوم الاول للمعركة , الولي يتطوع بشراء مظلة مطر بثمن ليس قليل احتجنا له لاحقا بعدما أصبحنا في اليوم الثاني والثالث من المعركة نتناول وجبة واحدة في يوم كامل فقال الرفيق ساخرا :

ـــ لاهي تريجم .
اللعين بائع المظلات استغل تهاطل الأمطار ليبيع المظلة الحمراء بالثمن الذي يريد . نسير في اتجاه المحكمة , كل يقدم تحليله عن ما ستقرره المحكمة اليوم , الكل يناقش القانون و السياسة ولربما الإقتصاد نحن شعب مفكر وعالم بالفطرة . أتأمل بعض الرفاق وأتسائل كيف سيتمالكون أعصابهم أمام وابل من السب و الشتم و الكلام القبيح رفقة الأباء و الامهات و النساء بيننا وبينهم الإحترام . في وصولنا أمام المحكمة استقبلنا شرطي يبستم ابتسامه فهد غدار , كأنه يقول مرحبا في حتفكم , دلنا على المكان المخصص لشكل الصحراويين . مواطن مغربي بصوته المبحوح بسبب الحشيش يرفع شعار "فينهوما الخونة "ويردد خلفه القطيع "هاهوما هاهوما".
فتح شكل الصحراويين . عائشة هي و الحافظ يحملون مكبرات صوت عادية كالتي تمتلكها النقابات ويرددون شعارات ثورية من عقر دار العدو . "بشري "و"مانولو" وجنود خفاء اخرين يحاولون تنظيم الشكل , عناصر بزي مدني تلتقط صور للحاضرين في الشكل النضالي , "ديدا ولد اليزيد "يقاوم وحضوره دافع معنوي . بدأ القطيع بمحاولة التقرب من الشكل ورفع شعارات وشارات غير أخلاقية . أتأمل في هؤلاء لو سألتهم عن سبب حضورهم هنا لقالوا "سول لمقدم أو شيخ الحي " , يحاولون الإستفراد بالولي: 
ـــ وذاك الخنزير
البشير أصبح رأسه ممتلئ بلعاب الحشاشين و المهلوسين وقطرات من البول . علي سالم التامك يجلس فوق الأرض ببذلته السوداء . علوات يحاول الرد على شعارات "المقرقبين" بشعار" عاش ابراهيم غالي" , عائشة و الحافظ مستمرون دون ملل في ترديد وتسيير الشعارات , "بوغريون "بقامته النحيفة يردد الشعارات بوقفة طالب الأمس ومعطل اليوم . كلهم مناضلين وغيرهم كثيرون تحملوا عناء التنقل و الصعوبات الأخرى لحضور المعركة .
هي معركة الحق ضد الباطل , معركة الحضارة ضد التخلف , معركة الحرية ضد العبودية . تميز شكل الصحراويين بحضارته وشعاراته الملتزمة الثورية , بينما كانت شعارات البلطجية تصب في مجملها في تقديم أراء من الأب و الأم وتقديم رأي في مجموعة من المناضلين بسبب اللون و الشكل , وهي أمور تجاوزها الصحراويين منذ سنوات . وضعت يدي على حاجز يفصل بين الصحراويين و البلطجية أحسست بالفخر أننا أهل للحضارة رغم أنهم يلقبوننا ب "رعاة الغنم" .
اليوم الثاني نفس الاحداث تقريبا , بنفس تنظيم الصحراويين وشعاراتهم المتجددة و الكثيرة الحقوقية منها والسياسية , بينما لازال البلطجية يقدمون الأراء في الاب و الأم , بعض الوجوه المناضلة لم يرقها الأمر ولكنها تميزت بالصبر . قنينة مياه غازية تختلط بوجهي في لحظة , تبدأ البلطجية برمي كل ما تملك من أشياء في اتجاه شكل الصحراويين انفجر بعض الشباب الصحراوي في اتجاه شكل المغاربة بدافع الغيرة على الشرف , يقول أحدهم لشرطي مغربي :
ـــ الا سكنوا كلابكم ولا حيدو الحواجز نوكلوهم ولا يوكلونا 
يرد الشرطي بكل وقاحة :
ـــ أنتوما الي ضربتوهم
بضع دقائق ليست قليلة , تقرر اللجنة الإنسحاب . في الطريق نفس الاساليب البلطجية ." حميدا "و"بوشعيب" و"محماد" يرمون الحجر و الفواكه التي وزعتها عليهم الأجهزة المغربية في وجبة الغذاء , بينما "سميرة " التي تقطن بالكاريان تحاضر في الشرف . الولي ينزع سترته التي يسميها الرفاق "تجكيطة ولد البوهالي " ويتجه بقوته المعهودة في اتجاه البلطجية بعدما شاهد نساء صحراويات استفرد بهم مجموعة بلطجية. يقول" يمكنني الصبر على كل شيء سوى أن تهان النساء هنا تذوب أسطورة حقوق الإنسان و الحيوان ". يقول أحد البلطجية لي محاولا استفزازي بفمه الذي تفوح منه رائحة الثوم :
ـــ مرحبا بيكم في المغرب ا الانفصاليين الصحراء مغربية 
رديت بباتسامة :
ــــ يمكنك الذهاب للكركرات
ترى هل يعلم بما يقع في الكراكرات ؟ الأكيد لا , ولكن القناة الأولى و الثانية تقول ان حدودهم تنتهي في لكويرة ولربما أبعد من ذلك .

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *