-->

في حضرة شهر الشهداء تتدفق الحروف بمعاني الشجاعة


يستقبل الشعب الصحراوي التاسع من يونيو كل عام، كيوم للشهداء، وهو يوم استشهاد مفجر الثورة الصحراوية، الشهيد الولي مصطفى السيد الحاضر الأبدي في ذاكرة الثورة ووجدان الشعب وعنوان الشهادة في تاريخ المقاومة الوطنية، حيث جسد مقولته الخالدة "إذا أردت حقك يجب أن تسخى بدمك".
في شهر الشهداء يحضر الشهيد الولي وكل الرفاق الذين فاضت ارواحهم الطاهرة من اجل الوطن ليعبدوا طريق الحرية وﻳﺼﻴﻐﻮﻥ كتابة التاريخ بالدم والبارود ويُوقِظُون ضمير الحاضر الذي لن يستقيم الا بالعودة لما بدأه شهيد الحرية والكرامة ورفاقه "بالبندقية ننال الحرية".
الولي مصطفى السيد شخصية وطنية ثرية الأبعاد، فهو مفكر ثوري وزعيم تاريخي وقائد عسكري، كان ضمن الطلائع الاولى التي أعلنت الثورة والكفاح المسلح في الصحراء الغربية وهو في ريعان الشباب وخلال سنوات وجيزة استطاع ان يؤسس لحركة تحرير ويعلن عن قيام الدولة الصحراوية ويقدم نفسه على مذبح الحرية وهو في أوج عطائه الفكري والسياسي، معبدا الطريق أمام أجيال الثورة الصحراوية ليقدم النموذج الحي للقادة الذين لن ينساهم التاريخ.
وسعيا لتوثيق النزر اليسير من مآثر وأمجاد شهداء القضية الوطنية الذين فاضت ارواحهم في سبيل تحرير الوطن من الظلم و القهر و الطغيان، نحاول تقديم قراءة فكرية لحياة وفكر شهيد الحرية والكرامة الولي مصطفى السيد الحاضر الأبدي في ذاكرة الثورة ووجدان الشعب الصحراوي وعنوان الشهادة في تاريخ المقاومة الوطنية، مضحيا بنفسه وهو يواجه التحالف الاستعماري ومشاريعه الاستئصالية التي حولت المنطقة الى مسرح حرب تعبث فيها الجيوش الغازية، لتستحوذ على الأرض وتنتهك كرامة الشعب مستغلة قلة عدد وعتاد الشعب الصحراوي. 
لقد تميز مساره الطلائعي باقتران القول بالعمل وظل شمعة تحترق ليعيش ألآخرين ويبصروا النور مع كلماته المتقدة، ترشد من تاه عن درب الكفاح، وظل متفانيا في تحقيق طموحات وآمال القاعدة الشعبية "إذا أرادت القدرة الخلود للإنسان، سخرته لخدمة الجماهير".
وبأسلوب ممعن وبشكل مسهب ومفصل حذر من مسالك الضباب والاتكالية ومظاهر الفساد والانتهازية في اسلوب بديع "الإتكال الذي يعمل على فرز الإطارات، من منهم أصبح يميل إلى الإنتهازية، يركب الجماهير ويستغل مكاسبها ثم يختبئ وراءها.. ومن سيبقى بطبيعة الحال طلائعياً بالفعل بالنسبة للقاعدة الشعبية، يعطي ولا يأخذ"، راسما معالم المستقبل لوطن حر وشعب سعيد لان الثورة في الساقية الحمراء ووادي الذهب أعلنت من اجل الشعب والانتصار لإرادته ضد ارادات القهر والإذلال والاستعباد.
كلامه كله حكمة وفكر يتفتق عبقرية ورؤية شاملة ومحيطة لكل ما يجري من حول الزعيم المفكر، ليبحر بك وأنت تستمع لخطاباته في رحلة تقف بك على معالم التاريخ والجغرافيا وحقائق ما يجري من احداث على المسرح الدولي، فضلا عن التنبؤ بما سيكون عليه الحال في استشراف ثاقب للمستقبل ومآلات الصراع بين قوى الاستعمار والشعوب المكافحة، وهو ما لا يمكن ان يدركه من كان في سنه او يبلغه من يعيش في اقاصي الصحراء معزولا من العالم.
فكره الثاقب وكلماته النافذة الى العقول والقلوب طأطأت لها رؤوس زعماء الفكر والسياسة، وأصبحت بحق اكاديمية ثورية تتوارثها الاجيال وذُخراً وزاد للسائرين في درب الكفاح ومــن ينـهـل من فكره يـسـتـزاد، كشعاعِ حقٍ ينير الطريق وينشد الحرية وقيم العادلة والذود عن كرامة الانسان.
ترتقي بنفسك وأنت تدرس سيرته العطرة وأيامه الخالدة خلود تاريخه الحافل بالأمجاد والمرصع بالبطولات في سجل الفخر الذي كُتبت صفحاته بالدم والبارود ولسان حاله يقول على العهد والوعد ماضون حتى النصر الأكيد.
"الصراع الآن.. صراع في البداية مابين الشعب العربي في الساقية الحمراء ووادي الذهب وبين الأنظمة الغازية وأنظمة الإحتلال التي يتزعمها المغرب وموريتانيا.. الصراع في المنطقة هو صراع بين مكافحي الشعوب في المغرب العربي وبين مستعبدي هذه الشعوب.. وهو صراع بين القيادة الثورية في الجزائر وليبيا وبين القيادات الرجعية في المغرب وموريتانيا وتونس.. إذن الصراع بالنسبة للمغرب العربي هو صراع بين دعاة العبودية، دعاة الإستغلال، العملاء للقوات الأجنبية والإمبريالية وبين الوطنيين الذين نبعوا من القاعدة الشعبية، والذين دافعوا من أجل القاعدة الشعبية في المغرب العربي".
ادرك ـ رحمه الله ـ قيمة العنصر في المجموعة البشرية القليلة كحالة الشعب الصحراوي في مواجهة سيل بشري جارف يروم تغيير ديمغرافيا المنطقة والقضاء على العنصر الصحراوي بكل الأساليب فوضع المعادلة "إذا كان الناس يحسبون بالنحاس، فعلينا أن نحسب بالذهب" حتى يضمن لها اسباب النجاح حاثا على الانصهار داخل كتلة الوحدة والالتحام "إن النجاح الكبير يكمن في وجودنا ككتلة واحدة ملتحمة.. كتلة ولو كانت صغيرة" لأنه "كلّما تقوينا نحن، ضعف عدونا" وكنا اكثر جاهزية لتحقيق المنشود والحفاظ على الوجود الديمغرافي والجغرافي للشعب الصحراوي "الغاية الكبرى التي نطمح إلى الوصول إليها هي: شعب منظم، ملتحم، قادر، محترم وفوق أرضه" مستعينا في ذلك بكل الوسائل المتاحة حتى نال شرف الشهادة في معركة نواقشوط ويده على الزناد، وفي صدره قلب أسد وهو لم يتجاوز الــ28 سنة مسخرا نفسه للشهادة وحاله يترجم مقاله: "إن الأنظمة المتعفنة لا يقضي عليها سوى الدم المناضل" ترجّل الشهيد الولي في سفره الابدي وهو يجسد مقولته الشهيرة: إذا أردت حقك يجب أن تسخ بدمائك، ليرتقي بنفسه الطاهرة إلى سماء الخلد، ناقشا اسمه بين العظماء فالطيبون يصعدون مبكراً إلى السماء.
المامه بمحيطه الاقليمي وتوصيفه الدقيق لواقع الصراع بين الانظمة الثورية التي تطمح الى بناء مغرب الشعوب وبين الانظمة الرجعية التي تخدم اجندة الاستعمار في المغرب العربي وتحمي مصالحه لتضاعف الاعباء على شعوبها المقهورة.
وأمام نبل ونزاهة الاهداف التي ناضل من اجلها الولي مصطفى السيد نتناول الأطر والمميزات العامة لفكر هذا البطل الثائر والقائد المتمرد على كل مظاهر التخلف والجهل ونسطر للأجيال نموذجا حيا، لمن جادوا بأغلى ما يملكون، ورسموا بأجسادهم أسمى معاني التضحية في سبيل الوطن، وليكون هذا العمل وقفة مع الذات وتجديد العزم وصقل المسار من الشوائب والعلل لنرتقي للدرب الذي سلكوه ونسمو بنفوسنا وأجسادنا فوق المؤثرات الارضية والغرائز العمياء، لنرتوي من معين مورد قوافل الشهداء الذين رحلوا يمتطون الشهادة نحو العلا.
فرحم الله معشر الشهداء وجزاهم عنا خير الجزاء.
كتاب "الثورة الان او ابدا" حمة المهدي 

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *