لا ينال العلى من وراء الحجب
لاشك ان الشعب الصحراوي تعلق بالعلى حين قرر فرض وجوده سيدا فوق وطنه كريما مستقلا و هو حينها يمر بظروف في غاية الصعوبة لكونه : (قليل العدة والعدد، مشتت وتنهشه الامية و الفقر ويتربع على وطن يزخر بثروات تسيل لعاب الطامعين و يضرب عليه حصار محبك) لا يعتمد على غير نفسه و امكاناته المحدودة جدا، الا انه لم يرضى الهوان و فضل الكرامة مهما كلفته، كما لا شك في ان الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب هي رائدته التي تجسد طموحه بعزم وتصميم و اداء مناضليها، مما يجعل مسؤولية بلوغه لمبتغاه تقع على عواتقهم و هو حمل ثقيل يتطلب بذل كل غالي و نفيس، و لا غرو ان كانت المكارم صعبة المنال، و لو كانت العلى تنال بلا عناء لنال الناس جنة اللّٰه دون عبادته وهو الغني عن العالمين، و لكان قد اعفاهم منها و هي لا تنفعه و لا تضره جل و على، و لَمَا جعل المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف و هو اللّٰه الذي لا حول و لا قوة لمخلوق الا به. و منه فان تحقيق الاهداف و الغايات النبيلة مثل ما نطمح له، يحتاج الى يقين وتصميم قويين وجهد لا يعرف الكلَل، فانجاز المرء ياتي على قدر همته، ودرجة طموحه وعزيمته، فكلّما ارتقت الهمم، تحققت الغايات الكبرى و الطموحات العالية، وكلّما فترت الهمم وتضعضعت العزائم وضعف الطموح، تدنت الإنجازات، اذ ان صاحب الإيمان الراسخ و العزيمة الصلبة و العمل الدؤوب، يحالفه النصر باذن اللّٰه لا محالة وينال هدفه ويؤجر مرتين، بينما للمؤمن الضعيف ان ينتظر اجر الآخرة، و كأن رزق العبد يأتيه على قدر همته.
و بما ان قضيتنا هي قضية أهداف عالية ومبادئ سامية فلا تكون عزيمتنا الا على قدرها، لانها تنبع من عهد قطعناه على انفسنا موقنين من جسامته و صعوبته و ربما طول امده بعد ما تيقنا من ان "لَجْرَبْ مَايْحَكْلُ ماَهُ فَمُّ" ، و هو عهد نتمسك به حتى النصر او الفنى و دليلنا في ذلك كل الوطن او الشهادة، حق يستمد قوته من حق شعبنا في وجوده سيدا على وطنه الطاهر، الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، و هو حق تكفله وتقره كل الشرائع بما فيها الشرع المحمدي. و لفربما يقول احدهم بانه امر صعب و مكلف و طال أمده و هو محق في قوله، غير ان الوطن يستحق ذلك و اكثر، فهو الوجود بكل معانيه، (هو التاريخ والجغرافيا، والتراب الذي ضمَّ رفات الاباء والأجداد والاصدقاء والرفاق، و الثرى الذي سقاه عرقهم و دمهم، وهو موطن العهد و الفكر والدين، والعادات والتقاليد الاخلاق الحميدة والذكريات و التراث ومكان البطولة والشرف و الاطمئنان و الامن) و هو منبع الذات و مرجعها، هو الماء و الهواء والغذاء المادي و الروحي الذي لا بديل لكل نفس وطنية عنه، فمهما كسبت من اسباب العيش لن تكون كريمة الا به، و لا تقوم لها مصلحة الا به، فبدون الاعتزاز به و الاهتمام بشؤونه واعتبارها ضامنا لكل شأن من شؤوننا، نكون قد فرطنا في عامَّنا و خاصَّنا و وجودنا و عرٍّضناهم للاندثار ، و تجدر الاشارة هنا الى ان من لا يعير اهمية لذلك و يضعه في أولوياته و يحتمل حالات المد و الجزر آداء ادارته و ضرورات تكييفها مع المراحل و التحولات، و يسلم ان الادارة ليست هي الوطن حتى يتوفق في الانسجام معها دونما تقاعس عن الواجب او مس به فهو هائم، لان من يطيش على وطنه لأعتبار نقص في ادارته لا يستحقُّ إدراة أفضل، لانه بتصرفه ذاك يعبر عن مدى قصوره في فهم المكاسب و تقديرها و الحفاظ عليها.
ان شعبنا بنبله وشجاعته و قناعته و نضاله المستميت و مخزَونه من الخصال الحميدة، صعد الجبال و سكن القمم لفضح من قال اننا رعاة غنم، ففرض وجوده على القاصي و الداني الى دجة انه افتك مرتبة متقدمة بين الامم جعلته يكسب هيبة و احترام العالم بفضل عزم و ارادة وتضحيات ابنائه البررة ، الا انه و رغم ذلك كله ظلت توب مسيرته من مخلفات استعمارية، من جهل و تخلف و تهور الخ.، مخلفات لا تزال تشكل "مختلا " له يستغله اعداؤه و وكرا للضعف و سببا لتخاذل البعض وقصر في نظره، مما يجعله دون المستوى الذي يحقق آمال و طموحات شعبه، و لولا ان مسيرتنا المظفرة لفرض وجودنا، قد تعدت في عمرها ال 50 سنة (منذ 1967 الى الان)، للتمسنا له عذرا، لكن الوقت آن لنراجع انفسنا جميعا حتى نكون في مستوى ما وصل اليه شعبنا بنضالاته و تضحياته الجسام من علو الشأن و مراكمة المكاسب حيث اصبح قاب قوسين او ادنى من النصر النهائي، و لذلك ترتب علينا التخلص من كل مناحي الضعف و استماع مواطن القوة للوصول الى قوة ذاتية كفيلة باستكمال الشوط الاخير من صراعنا مع العدو، ان يتيمة العقد وحبل السرة في قوة هذا الشعب و السر الضامن لوجوده يكمن في تنظيم سياسي قوي متماسك يأطر وحدة وطنية صلبة، و العنصر المهم الذي يربط بين الوحدة و التنظيم و يمدهما بالفعالية و مواكبة الاحداث، هو تثقيف الشعب و توعيته لان العدو يعتمد على التجهيل و التضليل و تسويق الوهم، ومن الطبيعي ان يركز بكامل ثقله على اشاعة الجهل و زرع التفرقة بشتى اشكالها و انواعها و يعمد الى ضرب التنظيم السياسي ويستهدف رأس الهرم و يضرب اطرافه لاضعافنا لانه يعرف ان الشريان الذي يمدنا بالقوة يمر عبر هذا التنظيم، اما بالنسبة لنا فان إعطاء أهمية بالغة لتمتين الوحدة و تقوية التنظيم بشتى الطرق و الاساليب مسألة حياة او موت , و هذه هي ساحة التحدي التي تنصب بها خشبة " أدْرَاسْ " التي ندور حولها في صراع متسمر مع العدو، و مدى تأثيرنا فيه يحدد سرعة مضينا نحو النصر، فكلما اقتربنا من الحصول على وحدة وطنية قوية في اطار تنظيم وطني متماسك اقتربنا من النصر و كلما ابتعدنا عن ذلك ابتعدنا من النصر النهائي و فرض الوجود.
و انطلاقا مما تقدم فإن التخاذل لا مكان له بيننا و لا يليق بنا ان نكون في مقام نضايق منه مصالح اوروبا و ما يضاهيها من دول المعمورة بالفعل في الموازين لفرض وجودنا واحترامنا على العالم باسره و ما يترتب على ذلك من آفاق واعدة و اخطار محدقة و نجد بيننا من يتخاذل و يسبح عكس التيار. ان الحكمة و التبصر يقتضيان منا ان نستحضر: من نحن و ما ذا نريد وما هي قيمة مطامحنا و ما الذي يتطلبه منا ذلك حتى نستخلص من ذلك عبرة مفادها انه لا مناص لنا من ان نكون اهل العزم الكرام الذين وصفهم الشاعر العربي في وقت شدة و تحدي بقوة العزم و الارادة مثل ماهو الامر بالنسبة لنا:
على قدر اهل العزم تاتي العزائم
وتاتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغيرصغارها
و تصغر في عين العظيم العظائم
و خاصة ان نظام المخزن الغازي لوطننا اصبح اليوم في مأزق لن يخرج منه الا ببسط سيادة الجمهورية العربية الصحراوية على كامل اراضيها، فهو الان محاصرا سياسيا و اقتصاديا و مكوناته تتداعى يوم بعد يوم (ماشي إطيحْ ارطُبْ ارطُبْ).
و من هنا اصْبَحْ مطَروحْ العَارْ عْلَ كل وطني صحراوي عَيْنُ افْرَاصُ ان يعلو بنفسه الى المقام الذي يليق بنا مساهمة منه في ان نكون في المكانة التي تجعلنا "نَگْعَدْ أفْخَدْ الدَّنْيَا لَگْصِ" ليتبوء شعبنا و دولتنا مكانتها التي تليق بمقامها بين دول العالم.
و لاشك ان من عمل صالحا في هذا المقام فهو لله جهادا في سبيله رحمة بشعبنا و وطنا و فضيلة تنؤ بصاحبها عن العار الذي يلحق بالمتقاعسين، ومن اعرض فعليه اثمه و يتبعه عاره، و لا تزر وازرة وزر اخرى. فاخلصوا عملكم للّٰه يا كرماء الشعب الصحراوي واهل عزمه، فالله لا يقبل الا ما هو خالص لوجهه.
بقلم :محمد فاضل محمد اسماعيل obrero