-->

في حوار مع اخصائي طب الاسنان لحبيب لسياد: الثورة الصحراوية اسست لمنظومة صحية متكاملة رغم الظروف الاستثنائية للحرب وواقع اللجوء


لحبيب لسياد اخصائي صحراوي في طب الاسنان من مواليد امغالا 1957 بالصحراء الغربية، احد الاطباء الاوائل الذين تذكرهم مختلف اجيال الثورة على مدى عقود من الزمن حيث ظل يتجول بورشة طب الاسنان المتنقلة لتجوب مختلف المؤسسات الوطنية والولايات لعلاج جميع فئات المجتمع الصحراوي، ومع وقف اطلاق النار وبداية مخطط السلام الاممي بدأ الاستقرار يخيم نسبيا على الواقع بالمخيمات ومعه بدأت موجة هجرة الكفاءات والادمغة بسبب الاكراهات وضعف السياسات الرسمية في استقطاب الخريجين خاصة الاطباء غير انه لم تغريه تلك الهجرة لتحسين الواقع الاقتصادي والبحث عن فرص افضل، بل ظل صامدا في المخيمات يقضي اكثر وقته في علاج المواطنين الصحراويين ويقرب منهم الخدمات الطبية، وفي هذا الحوار نبحث معه مراحل طب الاسنان منذ بدايات اللجوء وتشكل نواة الاولى لمنظومة الصحة الصحراوية.
في البداية نرحب بك الدكتور لحبيب لسياد ضيفا عزيزا على وكالة الانباء المستقلة ونستهل معك هذه المقابلة بالسؤال كيف كانت بدايتك مع طب الاسنان وماهي العوامل التي شجعتك على ولوج هذا الميدان. 
لحبيب لسياد: المجتمع الصحراوي في ذلك الوقت كان يرزح تحت نير الاستعمار الاسباني، وهو مجتمع بدوي وعمد الاستعمار على ترسيخ الجهل والتخلف في اعماقه حيث لم يبادر المستعمر بتعليم الصحراويين ولم يكن حينها يوجد اي طبيب او دكتور صحراوي، ومع بدايات الغزو المغربي للصحراء الغربية وقفت الثورة الصحراوية على هذا الواقع الذي يطبعه غياب الكفاءات في مختلف المجالات سواء في الصحة او التعليم او غيرها من الاختصاصات التي كانت غائبة بفعل السياسة الاستعمارية الاسبانية.
ومن اجل تجاوز هذا الواقع عملت الجبهة الشعبية على تأمين نزوح اللاجئين وكان الاعتماد على الذات بالدرجة الاولى في تلك المرحلة وكانت ظروف صعبة ومأسوية ما فرض على الثورة البحث عن تأهيل عدد من الاشخاص في مجالات التعليم والصحة والادارة، حيث ان كثافة اللاجئيين الفارين من الحرب تتزايد في المخيمات، وبالفعل عمدت الجبهة على تكوين سريع لمجموعة من المناضلين للتغلب على بعض الصعوبات وكان البحث عن من يعرف الكتابة والقراءة او القدرة على التعلم. 
عندها بدأت النواة الاولى للصحة الصحراوية، ومعها بدأ طب الاسنان حيث كان يعتمد في البداية على خلع الاضراس فقط.
وفي ذلك الوقت وبالتحديد بداية العام 1977م اختارتني وزارة الصحة ضمن ثلاثة اشخاص للتكوين بالجزائر في ميدان طب الاسنان بالتنسيق مع وزارة الصحة الجزائرية، وذهبنا الى هناك حيث اكملنا دورة تكوينية في المجال ولدى عودتنا مع نهاية العام 1977 تم توزيعنا على المخيمات الثلاثة التي كانت موجودة حينها، اين توجهت الى ولاية السمارة التي كانت بمنطقة السبطي وبدأت استقبل الحالات التي تعاني من الم في الاضراس وبحلول سنة 1978 بدأت اعمل بالمستشفى المتنقل "لكلينو" الذي كان يتمركز بمقر الوزارة الحالي وظليت اعمل هناك ، اجمع الات العمل في صندوق خشبي واقوم بدورات على الولايات رغم الظروف الصعبة وندرة المعدات الطبية وكنت استقبل المرضى واعمل على علاج كل الحالات واتذكر انه في احد الايام قمت بعلاج 57 شخص خلعت اضراسها في يوم واحد ومع ان العمل شاق ومتعب الا انها كانت تغمرنا سعادة وراحة لا تصور عند الانتهاء من العمل حين ترى انك خلصت هذا العدد الكبير من المواطنين من الالم وتراهم يستعيدون عافيتهم وينظرون اليك بشيء من التقدير والاحترام. 

هلا وضعتنا في صورة المراحل التي مر بها طب الاسنان في الدولة الصحراوية وفي ظل حركة التحرير القائمة؟ 
تعد ايام الانطلاقة بمثابة التأسيس للمنظومة الصحية التي بدأت في مرحلتها الاولى للتطور عبر المراحل اللاحقة حيث تطورنا الى علاج مختلف امراض الاسنان واللثة، لان خلع الاضراس هو اخر علاج وبدأنا نعالج مشاكل اللثة والاسنان وغيرها من امراض الفم. 
كما استفدنا من تجربة الاخصائيين الكوبيين والبعثات الكوبية التي قدمت الى المخيمات سنة 1979 والتي كانت تضم جميع الاختصاصات بما فيها طب الاسنان وبدأنا نركب الاسنان منذ العام 1979 وبدأ الميدان في تطور مستمر ومعه بدأنا نطمح الى تجهيزو ورشات متنقلة ونتجول على الولايات واول ورشة عملتها كانت العام 1984 حيث قمت بتحويل شاحنة الى ورشة وفي غياب التقني صرت انا الميكانيكي والتقني وذهبنا بها الى مدرسة 12 اكتوبر الوطنية وولاية الداخلة وأعطت نتائج مذهلة، وحققت الغاية والهدف وكان مكسب في ذلك الوقت وبعدها قمنا بجولة على القواعد الخلفية لجيش التحرير والمدارس العسكرية وغيرها من المؤسسات الوطنية . 
وكانت الورشة المتنقلة قد حققت ارتياح لدى المواطن حيث انه بدلا من ذهابه بحثا عن العلاج، يجد الورشة تتنقل لتصل الى جميع الحالات وتعالجها.
كما ساعدت الورشة الصغيرة التي جاءت ضمن قافلة انسانية بريطانية وأدت هي الاخرى حيث استفدنا منها في علاج الكثير من الحالات وظل الميدان في تطور مستمر. 
كما كانت ليبيا تفتح المجال امام تركيب الاسنان، لكن بعد قدرتنا على ذلك اصبح الجميع يفضل ان يقوم بالعملية هنا بدلا من السفر ومع هذا النجاح استطعنا ان نكون في مستوى الرهان الذي علقته الثورة والجماهير على كفاءاتها في مختلف التخصصات.
وهنا اتذكر في احد الزيارات الميدانية التي كان يقوم بها الرئيس الراحل الشهيد محمد عبد العزيز على المرافق الصحية ولم يكن حينها يعرفني ولكنه يسمع عن العمل الذي اقوم به، ومع انتهاء جولة التفتيش التي كان يقودها رفقة فريق حكومي قام مسؤول الصحة بالتعريف بمدراء القطاعات وحين وصلني قال لحبيب مدير الاسنان فرد عليه الرئيس محمد عبد العزيز هذا هو لحبيب؟ انا تصورته رجلا كبير الجسم، ثم اثنى على عمل القسم وقال بانه يحظى بسمعة طيبة في المجتمع، وان الشهادة الحقيقية هي التي يمنحها الشعب وليست الشهادات التي تمنحها الجامعات إذا لم تعالج اوجاع وامراض المجتمع. 
وخلال المراحل الاخيرة تم تدشين اقسام في الولايات للأسنان وتوفرت على اطباء في الجانب وتمت السيطرة على الخدمات الاساسية في مجال طب الاسنان ليس بدرجة ماهو موجود في المجتمعات المتطورة لكن بقدراتنا الذاتية استطعنا حل مشاكل المجتمع. 
الورشة الاخيرة تم الحصول عليها في عهد الشهيد المحفوظ اعلي بيبا حين كان وزيرا للصحة حيث اعطى الانطلاقة للورشة ووفر لها كافة الامكانيات وتم اعتماد تكوينها على تجاوز المشاكل التي ظهرت في الورشات التي سبقتها.
وبعد وضع التصور النهائي للورشة سنة 1994 تطوعت منظمة اسبانية وعملت ورشتين وذهبت الى مدينة وهران واستلمتهما وتم اعطاء واحدة لجيش التحرير والثانية التي ترونها امامكم لا تزال قائمة منذ 1995 ولا تزال تقوم بخدماتها لمختلف المؤسسات خاصة المرافق البعيدة من المخيمات والولايات وتساعد البعثات الطبية. 

هل تلبي الخدمات الموجودة حاجيات اللاجئين الصحراويين في ميدان طب الاسنان؟ 
على العموم الخدمات الموجودة توفر الحد الادني وبعض الامراض المستعصية التي لايوجد لها علاج اضافة الى العمليات المتقدمة من جراحة طب الاسنان يتم ارسالها الى الجزائر او الخارج.
عمليات الزرع هي الاخرى تحتاج للخبرة والامكانيات التي تلبي تلك الاحتياجات لكن عموما الحالات المستعصية والتي تحتاج لفحوصات معقدة يتم ارسالها للجزائر الشقيقة التي تفتح الباب امام الصحراويين في مختلف مجالات التعاون الصحي وهناك تنسيق حتى لا يبق اي مواطن من دون علاج 
ماذا عن الدعم الخارجي للميدان؟ 
بالنسبة للدعم الخارجي غير ثابت حيث انه تقلص بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية منذ 2014 سجل نقص في الدعم لكن في السنتين الاخيرتين تحسن الامر ولم يعد هناك مشكل في المواد الاولية لطب الاسنان البنج وحشو الاضراس.
كيف استطاع لحبيب الصمود في المهنة بالمخيمات طوال هذه السنوات رغم إغراءات الهجرة ؟ 
لحبين انطلق له قناعة انه مناضل من اجل تحرير وطنه وهذا الواقع لايزال قائما والهدف لم نصل اليه بعد وتحصيل الرزق لم ننطلق من اجله، حيث اننا تركنا كل ما نملك من اجل حريتنا وكرامتنا، وانا وجدت فرص للهجرة من خلال تكوينات طبية في فرسنا واسبانيا وكوبا لكن كنت دائما التزم بفترات التكوين لاعود الى المخيمات. 
والمكوث في العمل الطبي اصبح واجب وسأظل وفيا لهذه القناعات مادمت قادرا على اداء واجبي 
الى ماذا تعزو هجرة الاطباء الى الخارج رغم حاجة المجتمع لهم؟ 
بالنسبة الشخصية هجرة الاطباء غير واردة لان طبيب درس على حساب الدولة يجب ان يؤدي خدماته للمجتمع لان هجرة الاطباء الصحراويين الى الخارج عاملاً سلبياً على الشعب الذي هو في امس الحاجة اليهم.
وعلى الاطباء الذين تخرجوا من مختلف الجامعات بالدول الصديقة والشقيقة درسوا على حساب الشعب ووفرت لهم الدولة فرص الدراسة يجب ان يؤدوا واجبهم في احضان شعبهم ويعالجوا النقص الحاصل في الميدان الصحي خاصة اننا نعيش واقع اللجوء.
و من غير المعقول ان يكون راتب الطبيب اعلى من راتب المقاتل المرابط في الجبهات الامامية مع الاحتلال والذي يجب ان يحظى باكبر راتب واقصى درجات الاهتمام.
كما ان العيب في بعض العائلات التي تشجع ابناءها على الهجرة دون ادراك لمخاطر ذلك على صحتها وصحة مجتمعها حين يهاجر جميع الاخصائيين في مختلف مجالات الصحة. 
ما تقييمك للتعاطي الرسمي مع الاطباء؟ 
الدولة تعطي تقدير للاطباء وتحترمهم اي طبيب يعمل بالمستشفيات يتوفر على اقامة وظروف عمل ووسائل عمل، وعلى المؤسسة ان تخلق له هذه الظروف وان تتكفل بنقله من والى المستشفى كما ان استفادته اكثر من بقية القطاعات الاخرى . 
كلمة تختم بها هذا اللقاء؟ 
الله يوفق الجميع لخدمة الصالح العام.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *