-->

معركة الݣـلتة ... الفيلق الرابع الجزء التاسع


مع بداية سنة 1989 كان الفيلق الرابع يتمركز كعادته حول جبال لݣطيطيرة التي كنا نعود إليها دائما بعد المعارك , ومع مرور الأيام أصبحت تلك الجبال السود موطنا شبه دائم للفيلق الرابع. 
كان شتاء ذلك العام بارد بشكل إستثنائي وموجات السافي المتلاحقة تجتاح تلك الفيافي الجرداء وتجعل فكرة العيش فيها تبدو صعبة للغاية ,ومع ذلك كانت تلك الأيام فرصة تعرفنا خلالها أكثر على منطقة تيرس الشهيرة وأمضينا شهورا طويلة بين مرتفعاتها الشماء التي كانت منذ الأزل تعاند قساوة الطبيعة وتقف بجلال غير آبهة بهوج الرياح وعاتيات الزمن,ومع ذلك تجعلك رؤيتها وقت الأصيل تدرك سر تميز هذه الأرض الشهيرة ويجعلك صمتها تكاد تشم رائحة التاريخ. 
كانت تلك الجبال السوداء تتناثر بشموخ فريد وبدت وكأنها تحرس ذلك الفيلق الذي كان قد أصبح جزءا من تاريخ تلك الأرض العظيمة. 
مرت الشهور الأولى من سنة 1989 هادئة نسبيا ويبدو أن غيوم التطورات السياسية كانت قد بدأت تتجمع ومع وجود مقترحات بيريث ديكويلار ورغبة المجتمع الدولي في إعطاء فرصة للسلام قررت القيادة السياسية إعلان هدنة من جانب واحد قصد تشجيع روح الحوار بين طرفي النزاع , وعلى هذا الأساس أعلن الشهيد محمد عبد العزيز يوم 28 يناير 1989 في تصريح لمجلة لوبان الفرنسية عن إلتزام جبهة البوليساريو بوقف إطلاق النار من جانب واحد, طيلة شهر فبراير, وفعلا بدأ سريان مفعول هذه الهدنة إبتداءا من فاتح فبراير سنة 1989, وبعد أيام كان وفد عالي المستوى من جبهة البوليساريو يلتقي في مراكش مع الحسن الثاني ملك المغرب. 
ومن أجل دفع قطار السلام الذي كان يبدو متثاقلا أعلن الشهيد المحفوظ أعلي بيبا في روما عن إستعداد جبهة البوليساريو لإطلاق سراح 200 أسير حرب مغربي. 
وطبعا كان هذا القرار بالنسبة لنا غير مفهوم إطلاقا حينها, فقد كان الشباب يعتبرون أن وجود هؤلاء الأسرى قد كلف تقديم تضحيات جسيمة ,ومع ذلك كان واجب الانضباط يلزم الجميع بتقبل فكرة إطلاق سراحهم ,فعلى كل حال كنا واثقين من قدرتنا على أسر غيرهم خلال المعارك القادمة. 
مع دخول صيف سنة 1989 بدأت طلائع الحر تغزو منطقة تيرس التي عادة ما يكون الصيف فيها قاسيا إلى حد بعيد , ومع ندرة المياه الصالحة للشرب كانت درجات الحرارة وقت الظهيرة تكاد تكتم الأنفاس ونفحات الهواء الوحيدة التي تجوب تلك الفيافي تكون دائما محملة بالرمال , وسيزداد الوضع سوءا عندما تلتصق مئات الحصى حول الخطوط الدقيقة البيضاء التي يرسمها العرق على أجساد الرجال. 
كانت تيرس تبدو شاحبة جدا خلال ذلك الصيف الملتهب ومع ذلك كنا نشعر أننا قد أصبحنا جزءا من هذه الأرض القاسية التي تتناثر فيها الصخور وبعض نباتات آسكاف التي كانت لا تزال تحتفظ ببعض الخضرة رغم مظاهر الجفاف البادية في كل مكان. 
مع نهاية صيف سنة 1989 كانت مخيمات اللاجئين الصحراويين تودع فصل الصيف الخانق وقد بدأت تلك المخيمات البدائية تتنفس بعد أن رزحت تحت لهيب الشمس الحارقة شهورا عديدة, ومع دخول شهر أكتوبر أصبح حديث الساعة داخل تلك الخيم يدور حول الاستعدادات الجارية لإستقبال الذكرى الرابعة عشر للوحدة الوطنية. 
كان قد مر عام كامل على ذلك الفجر الدامي الذي إجتاح فيه الصحراويون الراجمة المغربية الثالثة يوم أم أدگن ,وطبعا كنا نتوقع إستئناف المعارك من جديد في تلك الأيام التي كانت التطورات فيها تتلاحق بشكل سريع. 
كانت قد حدثت تعديلات على مستوى قيادة فيالق الناحية السابعة بعد معركة أم أدݣن حيث أصبح سيدي ولد وگال قائدا للفيلق الرابع خلفا للشهيد سيدي عثمان سيد أحمد و تولى عيسى ولد أعلي موسى قيادة الفيلق 17 فيما كان الداه الجنوب لا زال يقود الفوج 12. 
ورغم أن جبهة البوليساريو كانت قد إستجابت لدعوات الأمين العام الأممي إلا أن الحسن الثاني أقبر فرص السلام تماما و أعلن رفضه الصريح للمفاوضات ,وبالتالي صد الباب بشكل كامل أمام كل جهود السلام ويبدو أن صراع الإرادات السياسية كان قد بدأ يشتد , ومع إصطدام فرص السلام برفض ملك المغرب قررت القيادة السياسية أن الوقت قد حان للإحتكام لفوهات البنادق, وطبعا كنا نتابع كل هذه التطورات عبر الاذاعة الوطنية ,ومع أن أغلبنا لم يكن يثق في جدوائية هذه المساعي ,كنا ننتظر الأوامر. 
مع بداية شهر أكتوبر سنة 1989 بدأت نذر المعركة تتلاحق, كانت مجموعة من الكتيبة الأولى تتناول الشاي مساءا في ظل جرف صخري شمال لݣطيطيرة عندما أخبرنا قائد الفصيلة أن الدراسة قد إنطلقت وأن الأوامر قد صدرت بضرورة مراجعة القوة النارية وتجهيز الناقلات للمعركة. 
ومع بزوغ شمس يوم 05 أكتوبر إعتلى الشباب ظهور الناقلات وبدأ المسير نحو المعركة, وعلى طول ذلك اليوم واصل الفيلق تحركه نحو الشمال. 
كان واضحا منذ البداية أن هذه المعركة لن تكون في منطقة تيرس فقد كنا نتجه نحو الشمال منذ الصباح , ومع مرور الوقت وصل الفيلق الرابع منطقة أعظم أحمد المولود القاحلة التي كان إجتيازها في وضح النهار ينذر بالكثير من المخاطر. 
كانت تلك المنطقة الجرداء تمتد على مسافات طويلة جدا وينعدم فيها الغطاء النباتي وكلما توغلنا نحو الشمال كانت أطراف تلك الأرض تزداد تباعدا وبدت في عز الظهيرة وكأن لانهاية لها. 
وبعد ساعات طويلة من المسير المتواصل ظهرت من بعيد قمم مرتفعات ريش أنجيم يتقاذفها السراب ويجعلك منظرها تخال أن المياه تحيط بتلك السلسلة الفريدة. 
ومع مرور الوقت عبر الفيلق الرابع مضيق جبل أم أطبول وفجأة بدأت طبيعة الارض تتغير بشكل تدريجي ,ويبدو أن هذه المرتفعات الشهيرة هي الحد الطبيعي الفاصل بين منطقتي تيرس وزمور ,وبعد وقت قصير كنا على مشارف واد تنافظ الذي كان لازال يحتفظ ببعض مظهره الاخضر رغم تعاقب شهور الصيف, وعلى ضفة ذلك الوادي الكبير كانت تنتظر جماعتنا ناقلة جديدة تعويضا عن ناقلتنا التي تم تحطيمها في معركة أم أدگن. 
ومع حلول عصر ذلك اليوم كان الفيلق الرابع يقف بكامل تشكيلاته على ضفاف وادي تيملوزة, ومع زوال اليوم الموالي وصل الفيلق 17 قادما من منطقة ݣلب الراوي شمال تنيولݣ, وطبعا كانت الناحيتان الأولى والثالثة ترابطان قريبا من الجدار المغربي منذ أيام. 
مساء يوم الجمعة 06 أكتوبر كانت مخيمات اللاجئين الصحراوين تضج بالحياة كخلايا النحل, و رغم الحرارة التي كانت بقاياها قد بدأت تتراجع بشكل ملحوظ ,كانت مظاهر الاستعداد لتخليد الذكرى الرابعة عشر للوحدة الوطنية بادية للعيان في تلك الأيام التي كنا فيها نخلد ذكرياتنا بالمعارك. 
وفي نفس هذا المساء وعلى ضفة وادي تيملوزة كان مئات الرجال المدججين بالسلاح يستعدون لكتابة التاريخ. 
بعد صلاة المغرب بوقت وجيز حدثنا قائد الكتيبة عن المعركة وعن طبيعة المنطقة المستهدفة ,ويبدو أن القيادة العسكرية كانت قد إختارت هدفا محددا في قطاع ݣلتة زمور الوعرة, والتي تشتهر بمرتفعاتها وتضاريسها الصعبة, وكان هذا يعني أن الهجوم سيستهدف العدو في إحدى أقوى تحصيناته الدفاعية. 
هذه إذا هي منطقة گلتة زمور التي كانت ذات يوم ميدانا كتب فيه الصحراويون تاريخهم بالرصاص, هذا إذا هو موقع المعركة الشهيرة التي حدثت في 13 أكتوبر 1981 والتي أباد فيها الصحراويون لواءا كاملا وأسقطوا خمس طائرات , وطبعا كان إسم الݣلتة يعيد إلى الأذهان مباشرة أمجاد تلك المعركة الخالدة التي وقعت في نفس هذا الشهر منذ ثماني سنوات,ويبدو أن القدر كان قد إختار شهر أكتوبر ليرتبط ذكره بتلك المنطقة الى الأبد. 
في حدود الساعة الواحدة بعد منتصف الليل إجتمعت قيادة المعركة وبعد إستعراض آخر المعطيات التي قدمتها وحدات الاستطلاع, تقرر تنفيذ الخطة التالية: 
- تم تحديد الساعة الخامسة فجرا كموعد للاقتحام. 
- تم تحديد ضفة واد تيملوزة الغربية كنقطة للانطلاق نحو المعركة. 
- تتولى الكتيبة الثانية من الفيلق الرابع مدعومة بوحدات من الناحية الأولى الدخول نحو الميسرة (الخالفة العسرية) وتتكفل بمهمة مهاجمة القاعدة الرئيسية. 
- تتولى الكتيبة الثالثة من الفيلق الرابع مدعومة بوحدات من الناحية الثالثة والفصيلة الأولى من الكتيبة الأولى من الفيلق الرابع الدخول نحو الميمنة (الخالفة العربية) وتتولى مهمة مهاجمة نقطة الاسناد الشرقية, ثم إحتلال مربض المدفعية الموجود خلف القواعد مباشرة. 
- تتولى الفصيلتان الثانية والثالثة من الكتيبة الأولى من الفيلق الرابع مدعومتان بوحدات من الفيلق 17 والسرية الخامسة الدخول نحو العمق (المحرد) ومهاجمة مركز القيادة والإمداد. 
- تتولى الناحية الثالثة مهمة إحتلال وتأمين الممرات الإجبارية (لخنگ) الموجودة بكثرة داخل العمق وحراستها حتى دخول المهاجمين. 
- تتولى الناحية الأولى مهمة حماية الثغرة الرئيسية وتأمين إنسحاب المدرعات بعد المعركة. 
وخلال هذا الاجتماع تم إشعار كل النواحي المشاركة أن الفواصل محروسة بشكل دائم ,وطبعا كان ذلك يعني أن ثغرة العبور سيتم فتحها بالقوة وتحت النيران. 
ومع نهاية هذا الاجتماع صدرت الأوامر بضرورة إجتياح القطاعات المستهدفة وتدميرها بالكامل. 
في حدود الساعة الثانية صباحا كان مشاة الفيلق الرابع ورجال الإستطلاع يقتربون بحذر بالغ من الفاصل المستهدف ,وتحت جنح الظلام الدامس كان الرجال يتلمسون طريقهم وسط حجارة گلتة زمور الحادة ومع مرور الوقت تمكنوا من الوصول إلى النقطة المحددة وعلى الفور بدأت تلك المجموعة التي كان قد هدها التعب في إزالة الرمال والحجارة وسط سكون ذلك الليل الذي كان هدوءه ينبئ بفجر عاصف. 
وعلى ضفاف وادي تيملوزة كان الرجال ينتظرون منذ ساعات, ورغم وجود كل أولئك المقاتلين المدججين بالسلاح كان ذلك الوادي يسبح في هدوء غريب. 
في الهزيع الاخير من الليل تمكن رجال الهندسة العسكرية من تهيئة ثغرة العبور وطبعا ستتولى أعمدة البانگلور تسويتها تماما قبل وصول المهاجمين. 
كانت تلك المنطقة تبيت على شفير الهاوية دون أن تدري, ومع إقتراب الساعة الخامسة فجرا بدأ الرجال يتأهبون للاقتحام ,وفجأة زمجرت محركات ناقلات BMP1 ممزقة سكون ذلك الفجر الذي كان هادئا منذ لحظات وعلى الفور إنطلق كل المشاركين في المعركة نحو الغرب. 
كانت مشاهد الإقتحام فجرا تثير الحماسة في الرجال وبدا وكأن ذلك الوادي الشهير يرمي بكل غضبه صوب الحزام المغربي الذي كان يقف في وجه الإعصار. 
ورغم ظلام الفجر بدا وكأن سيل المهاجمين سيجرف كل شيء ,وطبعا لم تكن تلك الناقلات السريعة تميز ساعة الإقتحام بين صخور گلتة زمور وأجساد الجنود الغزاة الهاربين وسط الظلام. 
وعلى الفور بدأت مدفعية الفوج الثاني عشر ترسل حمم قذائفها صوب القواعد المحاذية لأطراف المعركة, ومع وصول أولى طلائع المهاجمين إلتف مشاة الكتيبة الثانية مباشرة نحو القاعدة الرئيسية وبشكل سريع لحقت بهم ناقلاتهم , وإقتحموا جميعا تلك القاعدة التي فضل أغلب جنودها الهرب تحت جنح الظلام نحو المرتفعات القريبة, وبعد ساعة من القتال الضاري تمكنت الكتيبة الثانية من إجتياح القاعدة الرئيسية والسيطرة عليها بالكامل. 
وفي نفس هذا الوقت تقريبا كانت الكتيبة الثالثة مدعومة بالفصيلة الأولى من كتيبتنا تطوق نقطة الإسناد التي أذهلتها قوة الاقتحام وتعاورها الرصاص من كل جانب وبشكل سريع سقطت تلك القاعدة تحت تأثير قوة النيران . 
كان على الكتيبة الثالثة أن تواصل تقدمها نحو مربض المدفعية البعيد نسبيا داخل أعماق المعركة, وفعلا تمكنت تلك الكتيبة من الوصول سريعا إلى هدفها وعلى الفور إشتعلت النيران في مدافع 155 ملم ذاتية الحركة وتم غنم أحدها. 
وقبل أن ينقشع الظلام تمكنت كتائب الناحية الثالثة من بسط سيطرتها على أغلبية الممرات الاجبارية (لخنگ) المتناثرة خلف الحزام. 
وفي نفس هذا الوقت تقريبا كانت الفصيلتان الثانية والثالثة من الكتيبة الاولى ووحدات من الفيلق 17 والسرية الخامسة يواصلون توغلهم داخل أعماق الحزام ,ومع حلول الساعة السادسة فجرا كانت الناقلات تخترق أعماق دفاعات العدو وفجأة توقفت العربات على مشارف مركز ضخم يقع خلف مرتفع كبير, وعلى الفور فتح الجحيم أبوابه في وجه ساكنة ذلك المركز السيئ الحظ . 
كان مركزا ضخما للقيادة والإمداد وبدت ساحته الرئيسية مكتظة بالشاحنات والسيارات, وبين صيحات الرجال فجرا وهدير صواريخ RBG ولعلعة رشاشات 23 ملم تحول ذلك المركز الذي كان عامرا في لحظات قليلة إلى أنقاض وبدأت النيران تأكله من كل جانب. 
كانت عملية الاقتحام سريعة جدا يوم گلتة زمور وتمكنت الناقلات من قطع مسافة ناهزت العشرين كلم داخل أعماق الجدار قبل أن يدرك الغزاة ماذا أصابهم. 
ويبدو أن قوة الاقتحام في ذلك الفجر الساخن قد أذهلت جنود العدو وجعلتهم يتسابقون بحثا عن منافذ النجاة ولم يسعفهم تسلق المرتفعات تحت جنح الظلام ,وجعلهم الحظ العاثر مباشرة في مرمى رشاشات 23 ملم . 
مع طلوع شمس يوم السبت 07 أكتوبر 1989 كانت منطقة گلتة زمور تشتعل , ويبدو أن التاريخ قد توقف لحظات ليعيد بعض مشاهد معركة الگلتة الأولى , وضمن تلك المشاهد كانت الذاكرة تستعيد بعض أمجاد ناقلات BMP1 التي كانت حاضرة في معركة الݣلتة الأولى وهي اليوم تزور هذه المنطقة بعد طول غياب. 
على تمام الساعة الثامنة صباحا تمت السيطرة بالكامل على كل القطاعات المستهدفة وتفرغ المقاتلون لجمع الأسرى والغنائم فيما واصلت الكتيبة الثالثة من الفيلق الرابع ووحدات من الناحية الثالثة مطاردة فلول النجدات داخل أعماق الحزام. 
كانت كتيبتنا قد انتهت تماما من تدمير مركز القيادة والإمداد وأثناء الانسحاب وصلت بعض النجدات المعادية وعند عبور الممر الإجباري (الخنگة) تمت إصابة ناقلة للفصيلة الثانية جرح سائقها أحوسنتو ولد أسويلم ,وبعد وقت قصير تمت إصابة ناقلة لفصيلتنا إصابة مباشرة وعلى الفور إستشهد أمبارك العربي ومحمد ولد الدد وأصيب أحمد ولد لمعيزيز إصابة بالغة ووسط النيران والرصاص ترجل بقية عناصر الطاقم ولحقوا بسيارات السرية الخامسة وتبين بعد ذلك بزمن أن أحمد لمعيزيز كان حيا ووقع في الأسر. 
وفي نفس هذا الوقت تقريبا تلقت الكتيبة الثالثة أمر الانسحاب وأثناء مرورها قرب القواعد الجنوبية تعرضت لإطلاق نار كثيف أصيبت على إثره ناقلة أمبيريك حمديتي (باريكو) ووقع لعبيدي لعروصي وصمبة بيبة الرشيد الجريح في الأسر لكن جنود العدو أطلقوا النار على الشهيد صمبة الذي كان قد أصبح أسيرا ولحق بركب الشهداء. 
أثناء عودة المهاجمين من عمق المعركة حدث موقف من تلك المواقف التي تبقى عالقة في الأذهان رغم مرور كل هذه السنين, كانت الناقلات تسير متناثرة نحو الشرق وطبعا كانت القذائف تتساقط في كل مكان وفجأة أصيبت ناقلة كانت تسير أمامنا مباشرة وإشتعلت فيها النيران ,وعلى الفور توقفت تلك العربة للحظات قليلة ترجل خلالها أفراد طاقمها وصعدوا فوق مقدمة الناقلة وبشكل غير متوقع إنطلقت تلك العربة مرة أخرى بأقصى سرعتها نحو الشرق , كان سائق هذه الناقلة فيما يبدو يرفض التوقف قبل أن يتأكد من نجاة مجموعته, رغم ألسنة اللهب التي كانت قد بدأت تأكل تلك الناقلة ولفحات الدخان الساخن التي تخنق الأنفاس,ومع مرور الوقت أصبحت تلك العربة محط أنظار الجميع وهي تطوي الأرض نحو ثغرة العبور يتبعها عمود من الدخان , كنا نتوقع أن تنفجر تلك الناقلة في أية لحظة, ومع ذلك تمكنت من الوصول إلى الثغرة وعندما وصلنا تبين أنها كانت ناقلة سيطرة كتيبتنا ,وطبعا تمكن ذلك السائق المتمرس الذي كانت النيران قد وصلت يديه من إنقاذ جميع أفراد طاقمه. 
ومع خروج الناقلات من الحزام كانت كتائب الناحية الأولى تنتشر شرق ثغرة العبور مباشرة وتولت تلك الناحية الصارمة مهمة تأمين إنسحاب كل التشكيلات العسكرية المهاجمة. 
وبعد نهاية المعركة توجه الفيلق الرابع نحو واد تيملوزة وعلى الفور تم تسليم الأسرى والغنائم للناحية الثالثة, ومع زوال نفس اليوم توجه الفيلق الرابع نحو وادي تنافظ , وقبل صلاة الظهر بقليل كانت إذاعة لندن تؤكد على لسان مراسلها في المغرب العربي أن گلتة زمور قد شهدت معركة كبيرة بين القوات المغربية وقوات جبهة البوليساريو, وأن هذه هي أول معركة على هذا المستوى بين الطرفين منذ أكثر من عام, وقد إعترفت السلطات المغربية بوقوعها على غير عادتها, وأضاف مراسل الإذاعة البريطانية: 
إن ملك المغرب لن يجتمع مع جبهة البوليساريو كما كان مقررا بعد المعركة التي وقعت يوم السبت 07 أكتوبر, وإعترف بيان صادر عن الحكومة المغربية بوقوع هذه المعركة ومقتل عقيد مغربي وإصابة آخرين.
زوال يوم المعركة كان رتل السيارات المخصص لنقل الجرحى يستعد للتزود بالوقود قرب مرتفعات أظبيعات وفجأة تدخل الطيران المغربي الذي كان فيما يبدو يحاول تدمير ذلك الرتل , وقبل أن تستدير الطائرات مجددا نحو هدفها ساقتها الأقدار إلى المرور فوق الفيلق 17 وعلى الفور إنتفضت فوهات رشاشات 23 ملم الرائعة وحولت سماء ذلك الوادي إلى ما يشبه سقف جهنم, ورغم المحاولات التي بذلها الطيارون المغاربة للنجاة تمكنت المضادات الأرضية من إصابة الطائرتين المغيرتين وسقطت إحداهما لاحقا قرب بوكراع. 
بعد صلاة المغرب بقليل كنا نتناول الشاي على ضفة وادي تنافظ ومظاهر الإستعداد للقتال لاتزال بادية على وجه ذلك الوادي الذي يعج بالمقاتلين, وبعد قليل جلب قائد الجماعة جهاز راديو كنا قد غنمناه في معركة أم لݣطة وكان لا يفارقه أبدا, وبعد وقت وجيز إرتفع صوت الموسيقى العسكرية ,كانت الاذاعة الوطنية تعلن تباشير ملحمة ݣلتة زمور: 
ووسط الصمت التام قرأ المذيع البلاغ العسكري التالي: 
صباح يوم 07 أكتوبر 1989 شهدت منطقة الݣلتة ملحمة بطولية خالدة سطرها جيش التحرير الشعبي الصحراوي ضد القوات التوسعية المغربية,وحسب بلاغ لوزارة الدفاع الوطني فان الهجوم الساحق شنه المقاتلون الصحراويون بدءا من الساعة الخامسة فجرا وحتى الساعة العاشرة صباحا,وتمكن الجيش الصحراوي خلال هذه المعركة من إلحاق الخسائر التالية بقوات العدو:
- إحتلال مسافة 15 كيلمترا من الحزام الرملي ومطاردة فلول القوات المغربية مسافة 25 كلمترا داخل دفاعاتها. 
- إحتلال المركز القيادي للجمهرة الأولى من الأمن الخفيف. 
- السيطرة على مقر الديار الرابع من اللواء الأول ومقر الديار السادس من نفس اللواء. 
- إحتلال مربض البطارية الثانية من مجموعة المدفعية الملكية الرابعة . 
- إحتلال مركز إمداد القطاع. 
- وتم خلال هذه الملحمة حرق وتدمير معدات العدو التالية: 
-07 مدرعات AML90. 
- 22 سيارة TOYOTA تحمل رشاشات 14.5و12.7 ملم. 
- تدمير12سيارة LANDROVER. 
- تدمير 26 شاحنة مابين GMC وPICASSO و ONIMOG. 
- تدمير 04 شاحنات صهاريج مياه ومحروقات. 
- تدمير 03 مدافع عيار 155 ملم ذاتية الحركة. 
- تدمير مخازن مختلفة للذخائر وقطع الغيار والمؤن. 
- تدمير مولدين كهربائيين من الحجم الكبير. 
- وخلال هذه المعركة تمكن مقاتلوا جيش التحرير الشعبي الصحراوي من غنم وسائل ومعدات العدو التالية: 
- 10 سيارات TOYOTA. 
- 02 سيارة LANDROVER. 
- 02 رشاش 14.5 ملم. 
-07 رشاشات 12.7 ملم. 
-03 رشاشات ماك. 
- 02 قواذف صواريخ RBG7. 
- 01 قاذف صواريخ RBG9. 
- 02 جهاز إرسال واستقبال. 
-عدد هام من الأسلحة الفردية. 
- أعداد هائلة من الذخائر والمعدات الحربية المختلفة. 
- وتمكن الجيش الصحراوي من أسر 12 جنديا مغربيا. 
- كما تم خلال هذه المعركة قتل أزيد من 200 جندي مغربي. 
- وحسب المصادر المغربية فانه من بين القتلى ضابط مغربي سامي برتبة عقيد وضباط آخرين. 
وبعد نهاية البلاغ وتحت ضوء النجوم التي كانت تسبح في سماء ذلك الوادي الذي يسوده الهدوء , بدت علامات الرضا واضحة على قسمات أولئك الرجال الذين كانوا يخلدون الذكرى الرابعة عشر للوحدة الوطنية على طريقتهم. 
ومع حلول مساء يوم 10 أكتوبر1989 كان عشرة شبان صحراويين قد إلتحقوا بالمناطق المحررة قادمين من المناطق المحتلة. 
وبعد أيام قليلة كانت كتائب الفيلق الرابع تحيط بجيد جبل بشرارك التابع لسلسلة ريش أنجيم. 
يتبع....آخر المعارك.
بقلم الكاتب والاعلامي : حمدي ميارة

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *