حريتنا في التعبير : بين المعقول والتجاوزات
ما من مرة إلا ويشن الإحتلال المغربي وأزلامه هجمة إعلامية ، للنيل من القضية الصحراوية وحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والإستقلال .
اليوم وفي عالم تجتاحه جائحة كورونا ، بدأت هذه الهجمة الإعلامية تختبر أبواقها ، وكان أن ردد صداها بعض من الصحراويين للأسف ، بترويج أكاذيب ومغالطات حول واقع اللاجئين الصحراويين في هذا الظرف ، وهنا لا نتهم أحدا بقدر ما نربط بين أحداث تزامنت في هذا الإطار .
معلوم أن حرية الرأي والتعبير مكفولة أصلا من طرف الدولة الصحراوية وحركتها التحررية للجميع في حدود المعقول ، ولا يمكن أن تكون مبررا لبعض التجاوزات التي فاقت الحدود ، لأن هناك من فضل الذهاب بعيدا في تناول الشأن العام ، غير آبه بالمصلحة العامة ، ولا بعهد الشهداء ومشاعر المخلصين ، وتجاوز بذلك حدود الوطنية والإخلاص إلى حدود الشبهة والخيانة .
يحق لكل صحراوي الغيرة على شعبه ووطنه ، ولكن لا يحق له مقايضتهما بإمتيازات مهما كانت قيمتها ، أو بيعهما في المزاد العلني لجني الأرباح الطائلة ، أو إستبدالهما بنوايا خسيسة نتيجة لبعض الحسابات الضيقة ، وفي هذا الإطار هناك من نصب نفسه ناطقا بإسم الصحراويين ، وتجاوز في الواقع حدود الصدق والنزاهة ، وهناك من إعتبر نفسه حريصا على تحسين وضعهم ، الذي لم يعايشه يوما عن كثب ، وهناك من لم يعرف قدره وتعداه غرورا وتكبرا ، بحثا عن الشهرة والظهور في دائرة الضوء .
في هذه الحالات كلها إختلط الحابل بالنابل ، وحدث ماحدث من طرهات غاب أهلها ومن سار في فلكهم عن حقيقة الواقع الذي يعيشه اللاجئون الصحراويون خاصة في هذا الوقت ، بحيث لم يكف هؤلاء وأمثالهم عن الإستثمار في مأساة شعبهم التي فرضها الإحتلال المغربي ، بل ولم يحملوا هذا الأخير مسؤولياته عن الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان في الصحراء الغربية ، ونهبه الممنهج لخيرات الشعب الصحراوي بغير وجه حق ، وبدلا من ذلك كان من السهل عليهم تشويه واقع اللجوء بما ليس فيه ، والطعن في مجهودات الدولة الصحراوية وفي مصداقية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي ، الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ، وتحميل الدولة الجزائرية علاوة على ذلك كله مسؤولية التقصير في أوضاع اللاجئين الصحراويين في هذا الظرف ، وهذه شماعة معروفة ، لطالما علق عليها الإحتلال المغربي فشالاته وهزائمه أمام الإرادة الصحراوية الراسخة في الوجود والتميز .
لقد علمتنا الحياة بشرائعها وقوانينها أن "مابني على باطل فهو باطل" كذلك هو تصرف هؤلاء الذين يستبدلون الحقيقة بالكذب ، وينعتون واقع مخيمات العزة والكرامة اليوم بالمتردي والمتأزم ، ويظلمون مع ذلك الدولة الجزائرية ، التي لم تبخل على الصحراويين يوما بدعمها السخي وبمواقفها الثابة تجاه قضيتهم العادلة .
إنه لمن المؤسف أن تتقاطع كل هذه الإفتراءات مع أجندات الإحتلال المغربي ، الهادفة إلى النيل من سمعة اللاجئين الصحراويين ، ومن أداء دولتهم وحركتهم في هذا الوقت ، ومن مبادئ وقيم الدولة الجزائرية التي إحتضنتهم وآوتهم في عز العدوان الهمجي المغربي ، الذي كان ينوي إبادتهم عن بكرة أبيهم في 31 أكتوبر 1975 ، ومن هنا بالضبط يتضح الفرق الشاسع بين من يحفظ للإنسان حقه في الكينونة والوجود والعيش بكرامة ، وبين من مازال ينكل ويسجن ويسفك الدماء ويسعى إلى القضاء على شعب بأكمله ، لا لشئ سوى أنه أراد الحياة .
إن ما أثاره هؤلاء المغردون خارج السرب من أكاذيب ملفقة ، تزامن وإعلان الحكومة المغربية عن مساعدات لصالح اللاجئين الصحراويين ، وهنا تكمن الشبهات وتتفرع النوايا والأجندات ، وتستكمل الهجمة الإعلامية المخزنية جميع أركانها لإثارة القلاقل في الأوساط الصحراوية ، وصنع أخبار زائفة عسى أن تستغلها وسائل الإعلام الموالية للمغرب ، لكسر الروتين الإخباري ، الذي يسببه تواتر الأخبار حول جائحة كورونا في مختلف الوسائط الدولية . لكن الشعب الصحراوي ماعاد بذلك المجتمع البدوي المتخلف ، الذي تنطلي عليه كل الحيل والمؤامرات ، فهو اليوم من أوعى شعوب العالم بمصيره ، والدليل وحدته وتلاحمه ومكاسبه الجبارة التي حققها على مدى أزيد من أربعين عاما من المقاومة والصمود ، ومن الإلتفاف الدائم حول ممثله الشرعي والوحيد جبهة البوليساريو ، رغم التكالب الإستعماري والحرب الضروس التي دامت زهاء 16 عاما ، ورغم التعنت المغربي وتلاعبه بمساعي السلام ، وحيله في شراء الذمم والمواقف ، التي لم تفلح إلى حد الساعة في تعطيل مسيرة هذا الشعب ، بل وعجزت عن دق أسفين في مصيره المنشود .
لا شك أن نشاطات المخابرات المغربية عرفت أوجها بعد توقيف إطلاق النار بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو ، وبالتالي فهي تراهن دائما على مخططات مبيتة ، نستشعر الآن بعضا منها ، هو إمتداد في الواقع لسنوات من الإستهداف الممنهج لكسر إرادة الإنسان الصحراوي في تقرير المصير ، وبناء دولته المستقلة على كامل ترابها الوطني ، وعليه فقد يستثمر الإحتلال المغربي في عامل الوقت ، لكنه لا يدر أن ذلك من الصعب أن يكون مقياسا لمدى عزيمة وصمود الشعب الصحراوي من أجل تحقيق أهدافه الموعودة طال الدهر أم قصر .
هذا ما يجب أن يتيقن منه الإحتلال المغربي مع تعداد محاولاته الجهنمية ، وما يجب أن يعتبر منه مادام لا يقرأ التاريخ ، ولا يؤمن بالنوايا الحسنة ، ولا يستوعب حتى دروس السلام على بساطتها ،
في المقابل على كل الوطنيين والمخلصين الصحراويين اليوم ، عدم الترويج لما يردهم من شبهات على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها ، وعليهم بقراءة ما وراء الأخبار ، وتحليل كل المساع المشبوهة ، وإعتماد القنوات الرسمية لتفادي الوقوع في أي فخ إعلامي ، قد ينصبه الإحتلال المغربي في أي وقت من الأوقات .
بقلم : محمد حسنة الطالب .