فلنخرج عن طوع القبيلة
قبل أيام خلد الشعب الصحراوي الذكرى السابعة والأربعين لتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، وفي مؤتمرها التأسيسي الذي عقد في العاشر من ماي ثلاثة وسبعين تسع مائة وألف أُخرِجت مجموعة من القرارات والرسائل المهمة التي لامست شغاف قلوب الصحراويين في كافة أنحاء العالم، قرروا مباركتها والانضمام لها، هذه القرارات كان أهمها اندلاع الكفاح المسلح الذي بدأ بعد عشرة أيام من تأسيسها، ولم تكن الغاية من ذلك تحرير الأرض من الغزاة الإسبان والمغاربة بعد ذلك وفقط، وإنما لأنهم كانوا يتطلعون إلى بناء دولة المستقبل التي ستظلهم بظلها وتوحد شملهم، ولأنهم آمنوا بها، وأدركوا أن الدول لا تبنى على أساس قبلي، نبذوا القبلية وشطبوا عليها حتى بات الواحد منهم لا يعرف قبيلة رفيق دربه، فخرجوا من ظلمات الجهل والعصبية إلى نور الانتصارات الثورية والوطنية، ولعل جيل ما بين سبعينات ومطلع تسعينات القرن الماضي يتذكر جيدًا أن معظمنا عرف اسم قبيلته خارج وسطه الأسري، فأسرع مدهوشا لأخبار والديه وللاستفسار عن الاكتشاف الغريب لكن النتيجة كانت غالبا عقابا شديدًا، تصرف الآباء هذا كان حرصًا منهم على تربية أبنائهم تربية سليمة تسهم في وحدة ولم شملهم، مدركين بأن الروث الجاهلي لن يحقق حلمهم المنشود في بناء وطن يسوده الأمن والاستقرار.
مع وقف إطلاق النار بدأ العدو يدبر حيل جديدة تلهيه عن هزائمة المتتالية إبان حرب تحرير الصحراويين، خطط ودبّر من أجل زعزعة وحدتهم واستقرارهم، خاصة بعد تحديد الهوية الذي كان من المفترض أن يتبعه استفتاء يقرر فيه الصحراويين مصيرهم الذي تعنت ضده الملك الغازي الحسن الثاني وما زالت هيئة الأمم المتحدة تتنكر له إلى اليوم، بدأ العدو ينفث سمومه وكانت أول أهدافه هو محاولة زرع الفتنة بين نشطاء انتفاضة الاستقلال المباركة لفض صفها، لكن محاربيها الاشاوس واجهوه بكل حزم وجسارة من أجل وحدة صفهم، فشل في سعيه فبدأ يروج لها بأيادي صحراوية داخل مخيمات اللاجئين حتى بات وللأسف الشديد الجهر والتفاخر بالقبيلة أمرًا عاديًا بعدما كان جريمة نكراء في حق الوطن، كان العقلاء يرشون الماء لإخماد فتيلها، فينفخ فيها بعض ضعاف القلوب من أبناء جلدتنا ليسعرو أوارها محاولين الوصول إلى مناصب بالتسكع بين الخيم وشحت أصوات أبناء القبيلة، وتهميش أولئك المؤهلين الذين يستحق الشعب والوطن أن يخدموه، ووصل الأمر ببعض المجرمين اليوم إلى اتخاذ القبلية وسيلة للي ذراع الدولة واعتمادها حصانة يختالوا بها في مشيتهم فوق القانون، بارونات المخدرات يشكلون عصباتهم على أساس قبلي، وفي مشاداتهم كان يشاع بين العامة على أن الشجار بين القبيلة كذا والقبيلة كذا، فسرنا بهذه الصور القبيحة على مذهب الشاعر الجاهلي دريد بن الصمة حين قال:
" وهل أنا إلا من غزية إن غوت *** غويتُ وإن ترشد غزية أرشد
وحتى من يظنون أنهم أصحاب حق، وكانوا يحاولون الوصول إلى العدالة بهذه الطريقة البشعة فما اختلفوا بتصرفهم هذا عن القبليين الظالمين الذين رموا خلف ظهورهم المبادئ التي سار عليها آبائنا.
غفلوا عن قول الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام:"ليس منّا من دعا إلى عصبية وليس منّا من قاتل عصبية..." و قوله أيضًا:" دعوها إنها فتنة"، الإسلام وكل القوانين الثورية التي جعلت من الوحدة الوطنية أنشودة تغنينا بها على مدى خمسة وأربعين سنة تنهى عنها لِما فيها من تشويه لصورتنا وعرقلة مسار نضالنا الذي أعطينا لأجله كل غالي ونفيس، فإذا كنا صادقين حقًا، مخلصين لعهد شهدائنا فلنخرج من طوع القبيلة إلى حضن الدولة؟.
بقلم: منة عبدالمنعم