-->

في المغرب : متى يستقيم الظل والعود أعوج ؟




مازال الشعب المغربي جاهلا ومجهلا بأمور السياسة وخفاياها في بلده ، وما من مرة إلا ويزداد تيها وإذعانا للمجهول ، بسبب المغالطات والقمع الممنهج ضده عند أي تحرك يتعارض والمآرب الخاصة لنظامه الطاغي ، ويكفي للتحقق من ذلك ، أن تزور المغرب وستكتشف ذل المغاربة وخوفهم وتهربهم لمجرد السؤال عما يعانونه ، من قهر ومن حرمان من أبسط الحقوق ، فما بالك إن أبدوا رأيا مخالفا للأطروحة المغربية الحساسة المتعلقة بقضية الصحراء الغربية ، وهنا لا نعن بطبيعة الحال المغاربة المقيمين خارج المملكة العلوية ، فهؤلاء يحظون بقدر من الحرية في البلدان المقيمين بها ولا يعانون من التعسف المفرط على الأقل إثر ما يتناولونه من قضايا الظلم والفساد في بلدهم الأم .
على أي سياسة المخزن في الترهيب والترغيب تجاوزت كل الحدود ظلما ورعونة ، وجعلت كل مغربي يشك حتى في أقرب المقربين إليه ، ولعل ما تطالعنا به تقارير منظمات حقوق الإنسان ، يكفي للتحقق من المستور ، الذي لا يستطع المواطن المغربي البوح به نظرا للتضييق على حريته في التعبير ، والخوف الشديد من عملاء المخزن ووشاته المتملقين .
في هذا الخضم وكما هو مشهود ركن المغاربة للذل والهوان ، ولم يقوموا بثورة حقيقية ناجحة من شأنها تكسير أغلال الخوف ومنع التراجع عن أهدافهم النبيلة مهما قد يكلفهم ذلك من ثمن ، فحقوق الشعوب في الحرية والكرامة تنتزع ولا تمنح ، بل ولا تقبل التهاون ولا التراجع لا سيما إذا كانت مداسة من قبل أنظمة إستبدادية قاهرة ، وليعلم الشعب المغربي المغلوب على أمره ، أن " للحرية الحمراء باب بكل يد مدرجة يدق " وعليه فالتخلص من حاجز الخوف والقضاء على بوادر اليأس ، لا يمكن تحقيهما إلا بالصمود وقوة الإرادة والوفاء بعهد الاحرار المغاربة ، الذين نذروا حياتهم دفاعا عن الكرامة وإقامة دولة الحق والقانون الحاضنة لكل المغاربة ، من أمثال المهدي بن بركة ، محمد أعبابو والجنرال محمد المذبوح والجنرال أوفقير وغيرهم من المعتقلين السياسيين ، وسجناء حرية الرأي والتعبير المغاربة ، الذين راحوا ضحية السياسات المخزنية الظالمة ، التي ما زالت تعبث بالعدالة وبأصول الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان ، وسببت أزمات مختلفة وأوضاع مزرية في العديد من مناحي الحياة للشعب المغربي ، كل هؤلاء قدوة في طريق التحرر والإنعتاق ، ومحك لإستنهاض الهمم وإثارة نخوة المغاربة وتعزيز عزيمتهم على الخلاص ، خاصة في ظل ما يشهده بلدهم من إنحطاط في مختلف المجالات ، التي نذكر منها ثلاثة على سبيل الأهمية بالنسبة لحياة المواطن المغربي ، ودوافع الغيرة التي ينبغي أن يكون عليها لتخليص بلده من آثار الظلم والفساد الممتذ منذ أمد بعيد . 
ففي السياسة والدبلوماسية يبرهن الواقع أن ما تقوم به السلطة في هذا البلد لا يخدم الشعب المغربي بقدر ما يخدم مصلحة القصر ومصلحة راعيته الدولة الفرنسية خصوصا ، ويعلم المغاربة جيدا المكانة المتهاوية لبلدهم داخليا وخارجيا ، بسبب التبعية المطلقة لفرنسا ، والتطبيع المكشوف مع إسرائيل ، والخيانة الفاضحة للكرامة العربية وللمقدسات الاسلامية ، فالمغرب ليس إلا دولة كرتونية لا تنفع في الداخل ولا إعتبار لها في الخارج ، وبالأحرى أن تكون فاعلة في مجالات الوساطة وحل الأزمات الكائنة بين الدول ، وخاصة في ما يتعلق بالخلافات العربية - العربية ، والعربية والدول والكيانات الأجنبية الإنتهازية ، وقضية فلسطين مازالت حاضرة في هذا الصدد ، وتسريب إجتماعات الجامعة العربية بالرباط لإسرائيل في عهد الحسن الثاني شاهدة على العمالة ، والقول بترأس الملك محمد السادس للجنة القدس ماثل هو الآخر ، في الوقت الذي يطبع فيه المغرب مع إسرائيل ، دون أن يبدي الملك موقفا واضحا من صفقة القرن التي داست على حق الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة ، وبالتالي كان المغرب دائما يشكل جزءا من المشاكل في الإطار الجهوي والدولي ، ولم يكن يوما من الأيام جزءا من الحل ، والدليل مشاكله مع جيرانه ، ونزوته التوسعية التاريخية بضم أجزاء من التراب الجزائري إلى جانب الصحراء الغربية ، وموريتانيا والسينغال ، في إطار الحلم البائد بأمبراطورية مغربية تمتد حدودها من طنجة إلى نهر السينغال ، هذا فضلا عن مشاركة المغرب في التحالف السعودي الإماراتي ضد اليمن ، ووقوفه إلى جانب الظلم الذي مازالت تعاني منه سوريا حتى اليوم ، وصولا إلى إستثنائه مؤخرا من المساعي الرامية إلى حلحلة الصراع في ليبيا ، إستثناء كان بالفعل حصاد سياسات فاشلة ، ونتاج مسيرة طويلة من المكر والخداع والكذب على الشعب المغربي وعلى العالم في جنح الليل وحتى في وضح النهار ، كل هذا وغيره خير دليل على خيانات المغرب وعدم أهليته للعب أي دور في حل الأزمات العربية خاصة والدولية عامة ، وهو العاجز أصلا عن حل مشاكله الداخلية التي تؤجج الشارع المغربي في كل مرة ، بسبب الفساد والأزمات الداخلية والخارجية ، والوعود الزائفة ، والعجز الواضح لدبلواسيته التي تتاجر بمبادئ وقيم الإنسان ، وتشتري الذمم والمواقف لإظهار مكاسب وتحولات يصنعها الملك ونظامه ، ولا تفيد الشعب المغربي في شئ ، بالنظر إلى غياباته المتكررة ، وفشل حكومته في إظهار أي بصيص من الأمل في آخر النفق المظلم الذي يمر منه الشعب المغربي منذ أن تسيدت الأسرة العلوية على رقابه وتولت أمره قوة المخزن الرهيبة .
هذا ويأت الإقتصاد المغربي الهزيل ليتمم المهزلة ، حيث لا يتوفر المغرب كما هو معلوم على موارد معتبرة ، وكل ما في الأمر أن هناك قروض يقترضها هذا البلد الراكد من صندوق النقد الدولي ، ومعاملات تجارية محدودة في مجال الزراعة خصوصا ، تدخل في إطار المقايضة مع الغير ، إضافة إلى الضرائب التي تثقل كاهل المغاربة وتذيقهم مرارة العيش ، وتجارة المخدرات التي يتم تبييض أموالها في البنوك الإفريقية ، ناهيك عن الإستثمار في العمليات الإرهابية وتهديد أوروبا بقوافل المهاجرين الأفارقة بإعتبارهم ورقة رابحة في كسب الأموال من هذه القارة ، بمبرر مكافحة الهجرة غير الشرعية ، هذا علاوة على النهب الممنهج لثروات الصحراء الغربية وتسويقها للخارج في تناقض تام مع قرارات الشرعية الدولية المتمثلة في قرارات محكمة العدل الأوروبية ذات الصلة ، وزيادة على الدعم الخليجي المشروط بإنسجام المواقف المغربية مع سياسات وتوجه دول الخليج ، لا سيما في علاقاتها مع الدول الغربية الفاعلة في السياسة الدولية .
كل هذا وغيره لم يحسن الدخل الفردي في المغرب ، ولم يقض على بيوت الصفيح وظاهرة الفقر المدقع ، ولم يقلص من المديونية التي تزداد يوما بعد يوم ، ولم يحسن الأوضاع الصحية والتعليمية ، بل ولم ولن يجعل من المغرب دولة فاعلة إقتصاديا على الساحة المغاربية فما بالك بالساحة الإفريقية والدولية عموما ، التي يحاول المغرب اليوم إيهامها بالحكامة وبمشاريع خرافية في مجال التنمية ، وواقعه على الأرض يشي بالكثير من الظروف الصعبة في العديد من مناحي الحياة .
أما عن الوضع الإجتماعي ، فنجد أن الشعب المغربي غارق في العديد من الأزمات والظواهر القاهرة ، حيث الفقر المدقع ، وبيوت الصفيح ، وسوء الخدمات الصحية ، وإنعدام الظروف الملائمة للتعليم وإزدياد نسبة الجهل والأمية ، وإنتشار الأوبئة ودور الدعارة وتشريع المثلية والسياحة الجنسية ، وإنتشار السرقة وجرائم القتل والإغتصاب ، وإنتشار الرشوة في المعاملات الإدارية ، وانعدام العدالة الاجتماعية ، والإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وغير ذلك من التجاوزات التي تمس من إرادة المغاربة في الحياة الحرة الكريمة ، وهنا يتضح صدق مقولة "في المغرب لا تستغرب" والتي يكررها اليوم كل من خبر خبايا هذا البلد الذي يعج بالتناقضات ، فلا القيم والمبادئ أحترمت ، ولا الدين ولا الأخلاق بقيا في مأمن ، ولا مصلحة الشعب غدت من الإعتبار في شئ ، وكل ما آلت إليه الدولة المغربية من سفاهة وإنحطاط ، ومن بؤس وحرمان في صفوف الشعب المغربي ، يعود إلى ظلم وفساد نظامها ، الأقرب إلى الملكية المطلقة منه إلى الملكية الدستورية المروج لها دون أثر إيجابي ملموس لها في الواقع ، فمتى يستقيم الظل والعود أعوج في هذا البلد الموصوف بأتفه الأوصاف وأقدح النعوت ؟ 
سؤال يمتلك المغاربة وحدهم الإجابة عليه متى صح منهم العزم على إعلان ثورة حقيقية ، تطيح بالنظام الملكي وتقيم نظاما ديمقراطيا بديلا ، يحرر الشعب المغربي من عقدة الذل والعبودية ويحقق آماله وطموحاته الواعدة في مستقبل أفضل .
بقلم : محمد حسنة الطالب

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *